منار حداد

على الرغم من إقالة “معاونة وزير الصحة للشؤون الدوائية” هدى السيد قبل أكثر من شهر، بسبب تورّطها بالتلاعب في قطاع الدواء في #سوريا وفق ما أشارت مصادر مقربة من النظام لذلك، إلّا أن النظام السوري فاجئ السوريين برفع سعر الدواء مجدّداً، في خطوة يراها مراقبون أنها إمّا تمثّل استخدام السيد كواجهة لعملية فسادٍ أكبر، أو أن الملف الكبير الذي طُردت من منصبها على إثره، لازال قائماً بوجود شبكة فساد دوائي متسلسلة في مؤسسات النظام السوري.

الملف الأسود

على مدار سنوات شهدت البلاد قفزاتٍ غير مبرّرة لأسعار الدواء، إلى حدٍّ ارتفعت بعض أصناف الدواء 30 ضعفاً، وهو ما لم يتناسب طردياً مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى، التي ارتفعت بمعدّل يتراوح ما بين 10 – 15 ضعفاً، وذلك تناسباً مع قيمة انخفاض الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية ولا سيما الدولار.

غير أن هذا الارتفاع غير المبرّر للدواء، ظهر سببه وفق النظام، وقيل أنه بسبب وجود خلية فساد ضخمة في وزارة الصحة تقوم بالعمل مع شركات الدواء الخاصة على إتلاف أدوية ورفع الأسعار وتحقيق مكاسب مادية بشكلٍ غير شرعي على حساب السوريين.

وفي العاشر من شهر نيسان الماضي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا تشريعيًا أعفى بموجبه معاونة وزير الصحة في حكومة نظامه، هدى السيد من منصبها، لتورّطها بما عُرف بـ “الملف الأسود”.

ووفقاً لصحيفة الوطن المقربة من النظام فإن “السيد أثارت جدلًا كبيرًا فيما يخص ملف الدواء، فتعرضت لانتقادات كبيرة حول مسألة رفع أسعار أصناف الدواء إلى أرقام وصل بعضها إلى 600%”

ونقلت الصحيفة حينها عن رئيس لجنة الخدمات في مجلس الشعب، صفوان قربي قوله: “إن إعفاء السيد يدل على أن هناك خللًا في ملف الدواء ولا سيما أنها كانت مسؤولة عنه” معرباً عن تمنّيه بأن يكون من يخلف السيد “أكثر انفتاحًا ومرونة مع الجميع وأقل بيروقراطية ويجمع كل المعنيين في هذا الملف”.

وجاء إعفاء السيد من منصبها بعد عام من إحالتها للقضاء من قبل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بسبب ملف اللقاحات، حيث تقول مصادر النظام إنها تسببت بإتلاف 200 ألف جرعة لقاحات بقيمة مليار ليرة سورية، العام الماضي، بسبب إهمال التخزين وفقدان فاعلية اللقاح نتيجة اتخاذ قرارات خاطئة من قبلها.

رفع سعر الدواء مجدّداً

وبعد إعفاء السيد من منصبها، كونها المسؤولة الرئيسية عمّا حلَّ بقطاع الدواء في البلاد، فاجئ النظام السوري السكّان برفعٍ جديد لأسعار الدواء، في خطوةٍ غير مبرّرة، ولا سيما أن من اعتبره النظام سبباً لعمليات الرفع تمت إقالته.

وفي السابع عشر من شهر أيار الجاري، أصدرت وزارة الصحّة ذاتها في حكومة النظام، قراراً يقضي برفع أسعار بعض أنواع الأدوية المسكّنة، بمقدار يتراوح بين 25 إلى 200 ليرة سورية.

وذكرت صحيفة البعث الناطقة باسم النظام، “أن زيادة الأسعار شملت نحو عشرة أصناف من الأدوية، كبعض أنواع المسكنات مثل فلاجين وسيتامول وبنادول إكسترا”.

وفي جولةٍ على الصيدليات قام بها موقع الحل، تبيّن أن “بنادول” زاد سعره من 400 إلى 600 ليرة سورية، في حين ارتفع سعر دواء “تروكسين” الخاص بمعالجة أمراض الغدد إلى 900 ليرة بعدما كان ثمنه 310 ليرة، وارتفع سعر دواء “كاربتبك” الخاص بعلاج الأعصاب، من 400 ليرة إلى أكثر من 1500 ليرة، بينما ارتفع سعر دواء “ستوب” الخاص بالأمراض التنفسية للأطفال من 125 إلى 500 ليرة، فيما ارتفع مسكّن “بروفين” الشراب من 250 إلى 650، وكان اللافت أن الأسعار ارتفعت بمناطق النظام والمعارضة، وذلك بسبب أن مناطق المعارضة تشتري الدواء من مناطق النظام عبر سماسرة ووسطاء.

وعزت مديرة الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة هزار فرعون، السبب إلى تغيّر سعر صرف الدولار قائلةً: “إن مجلس الوزراء أقرّ في 2015 آلية جديدة تربط مستلزمات الإنتاج وكلفة المواد الأولية بنشرة سعر الصرف الصادرة عن المصرف المركزي، وهذه الآلية تطبق على الأدوية” لكن هذه الحجّة لم تُقنع السواد الأعظم من السوريين، بسبب عدم وجود أي تغيّر في سعر الصرف مؤخّراً.

مجرمون طلقاء

 في مطلع شهر أيام الجاري، وضعت معاونة وزير الصحة لشؤون الدواء هدى السيد، صورةً لطائرة مدينة في إحدى المطارات على صفحتها بموقع “فيسبوك” وكتبت بجانبها: “سكرت فصل من حياتي ورايحة على فصل جديد”.

هذا الأمر أثار ضجّة واسعة بين السوريين، حول كيفية هربها خارج البلاد علماً أن لديها ملفّات فساد ومن المفترض أن تكون قيد المحاكمة وتُمنع من المغادرة.

وما يُثير الحفيظة أكثر، أن “الهيئة العليا للرقابة والتفتيش” أصدرت قراراً بالحجز على أموالها العام الماضي، إلا أن رئيس الحكومة السابق وائل الحلقي، أصدر قرارًا بإلغاء الحجز.

وبحسب ما رصد الحل فإن صحيفة “الوطن” كانت قد نقلت في أواخر عام 2016 عن رئيس لجنة الخدمات في مجلس الشعب، صفوان قربي قوله: “إن الحلقي كان وراء إلغاء نتائج لجنة التفتيش رغم صدور قرار الحجز الاحتياطي، لتستبدل نتائج التحقيق بأوامر إلغاء نتائجها وإعادة التحقيق”.

شبكة متشعّبة

“لماذا لم تتم محاسبة هدى السيد؟ ومن سمح لها بالمغادرة؟ وكيف تم رفع الحجز عن أموالها؟” بهذه التساؤلات بدأ الخبير الاقتصادي مناف مالك الذي يعيش شمالي سوريا حديثه لـ “الحل السوري”.

وقال مالك: “إن كل هذه الوقائع منذ الحجز على أموالها قبل عام ثم إقالتها بعد عام، ورفع الحجز عن أموالها والسماح لها بالسفر ثم رفع أسعار الدواء بعد هروبها تشير إلى أن هدى السيد لم تكن سوى جزءاً من شبكّة متشعّبة ومنظمة لازالت قائمة على رأي عملها”.

وأضاف أن هذه الخطط يعمد إليها النظام باستمرار، عبر وضع كل عمليات الفساد برأس شخص ما وتوجيه الرأي العام ضده، لكن في حقيقة الأمر تكون رؤوس الشبكات الكبيرة خلف الكواليس، متوقعاً أن يكون هناك مزيداً من الارتفاعات في أسعار الدواء مستقبلاً طالما أن الفساد ينخر مؤسسات النظام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة