منار حدّاد

في #سوريا، يتبع ألم والفقدان بمعاناة لاحقة، إذ أن مرحلة ما بعد الوفاة تتضمن معاناة جديدة تحيط بعائلة المتوفى، لا سيما مع ندرة وجود القبور، وارتفاع أسعارها التي راحت تقارب سعر شقّةٍ في العاصمة #دمشق أو مدينتي #حلب و #إدلب.

بات الحزن على المتوفي أمراً تلحقه معاناة كبيرة، فالأولوية بعد الوفاة تتمثّل في التحرّك السريع لتأمين مراسم الدفن والقبر باهظة الثمن، ما يضيف المزيد من المعاناة والألم لسكّان بلدٍ سقط فيه أكثر من 500 ألف قتيل.

قبور حسب الدرجات

خلال جولة لموقع #الحل_السوري في العاصمة دمشق، تبيّن أن سعر القبر غير محدّد وإنما يخضع لعدّة اعتبارات يأتي على رأسها مكان المقبرة فيما إذا كانت داخل دمشق أو في ريفها، وموقع القبر في المقبرة ذاتها، غير أن ما كان مشتركاً، هو أن العاصمة تُعاني من شحّ في القبور، حيث باتت مسألة تحصيل مكان الدفن وتكاليفها مشكلة حقيقية.

اشترى مسعود قطّاش، الذي يعيش في العاصمة السورية دمشق، قبراً لوالده بمبلغٍ خيالي، لكن يبدو أنه كان مقتنعاً بما فعل، يقول لـ “الحل السوري”: “دفعت مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة سورية ثمن قبرٍ في #مقبرة_باب_الصغير الواقع في وسط دمشق القديمة”.

وأضاف أنه وجد قبوراً في محيط مطار دمشق الدولي، ومناطق أخرى في ريف دمشق بسعر 550 ألف ليرة، لكنّه فضّل دفع المبلغ الأكبر، مقتنعاً بأنه يستطيع من خلاله زيارة قبر والده متى شاء بحكم قرب المكان.

وبحسب مصادر موقع الحل في محافظة دمشق، فإن مقبرة باب صغير إضافةً لمقابر أخرى داخل دمشق أغلقت الباب باستقبال الأموات بسبب امتلائها بشكلٍ كامل.

صحيح أن أبو عمار دفع أقل مما دفعه مسعود لقاء دفن والدته في المقبرة ذاتها، إلّا أن المبلغ الذي قام بدفعه لم يكن قليلاً إطلاقاً، يقول أبو عمار لـ “الحل” إنه باع سيارته بشكلٍ مستعجل وقام بشراء قبر لوالدته بمقبرة باب صغير، في مكان يقع وسط المقبرة، موضحاً أنه حاول دفنها خارج العاصمة لكن القبور الرخيصة هناك تقوم على مبدأ الحجز المسبق، وتحتاج إلى وقتٍ طويل لا يمكن للجثّة احتماله.

وعلى هذا الأساس، بات السواد الأعظم من السوريين الذين يعيشون في مناطق النظام السوري، إمّا أمام خيار دفع مبالغ باهظة لشراء القبر، أو الانتظار على طوابير القبور التي تمنحها المحافظة، والتي تشترط الحجز المسبق، وهو ما ليس متوفراً في معظم حالات الوفاة.

حلول بديلة

على أن المعاناة مستمرة حالة الدفن والوفاة لا يمكن تجاهلها، ابتكر السوريون حلولاً جديدة للتعامل مع هذه الأزمة، يأتي على رأسها دفن الشخص المتوفي في قبرٍ مستخدم سابقاً، وهي الحالة التي لجأت إليها وفاء التي تعيش بالعاصمة دمشق، وتحدّثت لموقع الحل عن الأمر: “قُمت مع إخوتي بدفن والدتي في قبر جدّتي، بسبب عدم قدرة معظم أفراد العائلة على دفع المبالغ الباهظة ثمن القبر” موضحةً أنها استشارت الشرعيين بهذا الأمر وسمحوا لها بذلك.

وأوضحت أنها استقت الفكرة من خلال انتشار هذه الظاهرة، حيث سمعت من خلال معارفها أن الكثير من السوريين لجؤوا إلى هذه الطريقة لإبعاد هاجس ثمن القبر عنهم.

يوجد الكثير من المحاذير الشرعية لهذا الأمر أبرزها أن تكون الجثّة السابقة قد بُليت عظامها بشكلٍ كامل، وهذا يمثّل سبباً شرعياً لنبش القبر، في حين تمنع الشريعة الإسلامية نبش القبر لأي سببٍ آخر كان، ويتم معرفة فيما إذا الجثة قد بُليت عظامها أو لا، من خلال فترةٍ زمنية ترتبط بالحرارة في منطقة القبر، فكلما ازدادت الحرارة تسرّعت عملية البلاء.

النظام قتل الحل الأخير

بصيص الحل الأخير الذي يلجأ له الناس في مشاكلهم مع ندرة القبور وارتفاع أسعارها، قام النظام قانونياً بحجبه، بعد أن أصدر قراراً يمنع بموجبه الاستضافة في القبور.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مدير مكتب دفن الموتى في دمشق، المهندس محمد حمامية، قوله إن القرار قد اتُّخذ لمنع المتاجرة بالقبور من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، مؤكداً تطبيقه على جميع مقابر دمشق، بالإشارة إلى حصره بمنع استضافة الغرباء فقط. إلا أن مواقع إخبارية أخرى أكدت منع أحدهم من دفن أمه في قبر أبيه ذاته، بعد أن أصدر محافظ دمشق، بشر الصبان، قراراً شفوياً بداية الشهر الجاري، بمنع الاستضافة في القبور لمدافن مدينة دمشق، وطلب بيان عائلي للوفية.

وأشارت هذه المصادر إلى أن ضجّةً كبيرةً في صفوف المواطنين طفت على السطح مؤخراً، بعد إصدار محافظة دمشق قراراً يمنع الاستضافة في القبور.

القانون يمنع بيع القبور

يقول عضو المكتب التنفيذي لقطاع التخطيط والموازنة في محافظة دمشق بحكومة النظام فيصل سرور: “إن القانون يمنع بشكل كامل بيع القبور، لكن المواطنين يبيعونها بين بعضهم بعضاً خارج إطار المحكمة، ثم يقومون بالتنازل عن القبر، بحجة أنه تنازل دون مبلغ مادي، لكن في الواقع يكونون قد اتفقوا مسبقاً على عملية البيع والسعر خارج إطار المحكمة”.

وأضاف سرور، خلال تصريحات صحافية، إن المواطنين يتوجهون إلى المحافظة، ومعهم حكم قضائي بالقبر، لذلك لا تستطيع المحافظة التدخل، ومنع عملية نقل القبر، بسبب وجود هذا الحكم، مبيّناً أن معالجة هذه الظاهرة، تتم عبر تعميم يرسل من وزير العدل إلى المحاكم، برفض منح المواطنين حكماً قضائيّاً، لملكية القبور.

وأمام إمكانية الحل بدفع المال في دمشق يبدو الأمر أكثر صعوبةً في مناطق لجوء السوريين في #لبنان، حيث تبرز قضية إيجاد المدفن كأصعب القضايا التي يواجهها اللاجئون السوريون هناك، والتي أجبرت البعض على الانتظار أكثر من أسبوع لإيجاد أماكن للدفن، قد تكون خارج المقابر الرسمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.