د. عبد الصمد اسماعيل

  • سورية هي الموطن الأصلي لشجرة الزيتون قبل أن تتنقل لباقي أصقاع العالم.
  • ما بين 2 إلى 3 مليون شجرة كانت تزرع وسطياً خلال سنوات ما قبل 2011
  • ارتفعت أسعار زيت الزيتون خلال سنوات الأزمة بأحد عشر ضعفاً حتى الآن
  • على الرغم من الأهمية الاقتصادية، سوريا لا تحقق أية قيمة مضافة من صناعة زيت الزيتون
  • قرار السماح بإعادة تصدير زيت الزيتون ساهم برفع أسعاره بنسبة 90% خلال سنة واحدة (عام 2016)

الزيتون شجرة تصوف بأنها مباركة ولدت في أرض مباركة، تمتد حضارتها لعشرة آلاف عام، جاءت هذه الحرب لتحرق كل ما قد يعترض طريقها فتعرض الإنسان السوري للإهانة والقتل والذبح والنزوح والتشرد والأطفال لليتم في مخيمات النزوح أو بلدان اللجوء، ولم تسلم الأرض من شظى هذه الحرب، فقد أحرقت الحقول وخربت المزارع والبساتين وباتت مزارع الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة ميادين للقتال والمواجهات العسكرية نجم عنها تدمير آلاف الهكتارات منها، ومن الأراضي الزراعي،ة كما أجبرت الفلاح في أحيان كثيرة على ترك أرضه ومزارعه وأشجاره التي كان يداريها كما يداري أطفاله وأبناءه فهي مصدر رزقه وعيش أسرته.

وإذ تشكل أشجار الزيتون في سوريا ظاهرة زراعية تاريخية واجتماعية بالدرجة الأولى، على اعتبار سوريا هي الموطن الأصلي لهذه الشجرة المباركة، عرفت زراعتها منذ أكثر من ستة آلاف عام، إلا أنها تشكل أيضاً إحدى أهم المساهمين في اقتصاد البلاد من حيث نسبة العاملين الزراعيين فيها، أو من حيث أنها تشكل مصدر رزق لآلاف الأسر السورية، أو من حيث مساهمتها في الناتج القومي سواء إنتاجاً أو تصديراً.

 سوريا تقطع حاجز المئة مليون شجرة

على الرغم من التزايد المتواتر في أعداد أشجار الزيتون وكميات إنتاجها في سورية إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الجهات المسؤولة حيث لم ترتق السياسات الزراعية المعنية لمستوى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الشجرة. فلم تشهد معظم مزارعها طرقاً حديثة للعناية بها أو مغايرة لتلك التقليدية التي يتبعها الفلاحون منذ فترات طويلة أو محاولات لتحسين نوعيتها أو تصنيفها من حيث الجودة والنوعية، بل كان المزارعون دائماً عرضة للصعوبات والمعوقات سواء من جهة عدم تقديم الدعم الكافي لهم، أو من جهة تصريف أو تسويق المحصول أو المنتوج سواء حبةً أو زيتاً والتي سنأتي على ذكرها فيما بعد.

لقد شهدت السنوات الأولى من الألفية الثالثة تطوراً ملحوظاً في مجال زراعة أشجار الزيتون في سوريا وبمعدل وسطي بلغ من 2 إلى 3 مليون شجرة سنوياً إلى أن قطعت حاجز المئة مليون شجرة حالياً منها أكثر من 80 مليون شجرة مثمرة تشكل نسبة 65% من مساحة الأراضي المشجرة والمثمرة في البلاد. ويعود السبب بالتوسع في زراعة الزيتون في معظم المحافظات السورية لتوفر المناخ والتربة المناسبتين لزراعتها، وباعتبارها زراعة بعلية لا تحتاج للكثير من مياه الري، كما وتتميز بمحصول وفير وسهولة في التصريف اللهم في ظروف الأزمة التي أثرت في هذه المزايا وأفقدت هذه الزراعة الهامة الكثير منها ومن فوائدها سواء على المزارعين أو على الاقتصاد الوطني.

اقتصادياً الزيتون من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية

تحتل زراعة الزيتون أهمية اقتصادية عالية في سوريا وتصنف بين المحاصيل الزراعية الاستراتيجية حيث تأتي في المرتبة الثالثة بين المحاصيل الزراعية من حيث الأهمية الاقتصادية والمساهمة في الناتج المحلي بعد القمح والقطن، وبحسب الإحصاءات الرسمية تشغل أشجار الزيتون مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في البلاد تتجاوز حدود 650 ألف هكتار أي نسبة 12% من كامل مساحة الأراضي الزراعية ويشتغل فيها حوالي 20% من حجم القوى العاملة وتشكل مصدر رزق لأكثر من   500 ألف أسرة سورية، كما وصلت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 3.5%، وتجاوزت هذه النسبة 10% من قيمة الدخل الزراعي في البلاد. هذا وقد شهدت سنوات التسعينات انتقال البلاد من استيراد زيت الزيتون إلى حالة الاكتفاء الذاتي قبل أن تتحول إلى تصدير هذه السلعة المطلوبة عالمياً، فقد احتلت سوريا المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج الزيتون والرابعة في إنتاج زيت الزيتون في الأعوام التي سبقت الأزمة وخلال السنتين الأوليتين من عمر الأزمة. فقد كانت البلاد تنتج ما يقارب 1.2 مليون طن من الزيتون قبل الأزمة كان يصنع منها حوالي 170 ألف طن زيتون المائدة والباقي يتم عصره لاستخراج ما بين 150ألف إلى 165 ألف طن من زيت الزيتون كانت كافية لتغطية حاجة السوق المحلية والبالغة بحدود 110 إلى 120 ألف طن ليصار إلى تصدير الباقي مما كان يوفر كمية لا بأس بها من القطع الأجنبي لخزينة الدولة كانت تصل بالمتوسط لحدود 110 مليون دولار تقريبا في السنة.

 

المزايا الاقتصادية والاجتماعية للزيتون وزيته

يمكننا أن نجمل الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا المحصول الزراعي الهام بما يلي:

-مساهمته الواضحة في الاقتصاد الوطني من حيث تشغيل نسبة جيدة من العاملين (20% من مجموع القوة العاملة) وتوفير مادة غذائية هامة للسوق المحلية تغني عن الاستيراد وبالتالي توفر القطع الأجنبي على خزينة الدولة.

-مساهمته في تحسين الدخل الزراعي في البلاد وتوفير دخل لنسبة لا بأس بها من سكان البلاد من خلال جميع مراحل زراعته وقطافه وعصره وتصريفه (مصدر رزق لأكثر من 500 ألف أسرة)

-استغلال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وخاصة تلك الواقعة في المناطق الجافة وغير الجافة أو تلك التي لا تصلح لزراعة أنواع أخرى من المزروعات (12% من اجمالي المساحة الزراعية في البلاد)

-عمليات عصر وتصنيع زيت الزيتون وتأمينه حاجة السوق المحلية من هذه المادة الهامة وتوفيره جزءاً منها للتصدير، كل ذلك يساهم في زيادة الدخل القومي والناتج المحلي على الرغم من عدم الرفع من سوية تكوين القيمة المضافة في هذه الصناعة الهامة.

-يشكل الزيتون وزيته عنصراً هاماً من عناصر المائدة السورية ويدخل في العادات الاستهلاكية للسكان، وبالتالي فإن توفره يدخل في سياق تحسين مستوى الأمن الغذائي في البلد.

-ارتباطاته الأمامية والخلفية من حيث توفير مستلزمات الإنتاج والقطاف ومستلزمات تعبئة الزيت وتصريفه في السوق المحلية ونقله وتخزينه إضافة إلى تصديره مما يوفر أرضية للقيام بالعديد من المشاريع وبالتالي تشغيل العمالة وتوزيع الدخول مما يساهم في تحسين حركة دوران الدخل القومي.

تراجع الإنتاج يرفع سعر زيت الزيتون 11 ضعفاً

ومنذ دخول البلاد في أتون الحرب وهي تخسر يومياً الحياة في أكثر من جانب من جوانبها فلم يسلم الحجر ولا الشجر كما البشر. وحيث نحن بصدد زراعة الزيتون واستخراج الزيت منها فقد شهدت هذه الزراعة تراجعاً واضحاً من حيث كميات أنتاج الزيتون وزيته متأثراً بالعمليات العسكرية التي جرت في مناطق زراعتها وأجبرت الكثير من مزارعيها على ترك أراضيهم وأشجارهم أو بأقل تقدير عدم التمكن من تصريف إنتاجهم نتيجة تقطع أوصال البلاد، واستمرار الحرب وانتشار الفصائل المسلحة والكثير من الحواجز على الطرق الرئيسية الواصلة بين مناطق الإنتاج وأسواق التصريف حتى تراجع الإنتاج بنسبة وصلت إلى حدود 30%، ففي سنوات الأزمة بلغ إنتاج الزيتون بالمتوسط حوالي مليون طن سنوياً بعد أن وصل قبل بداية الأزمة إلى 1.2 مليون طن عام 2010 في حين وصل انتاج زيت الزيتون ما بين 100 إلى 130ألف طن أي بنسبة تراجع بلغت بحدود 25% بحسب إحصاءات مكتب زراعة الزيتون في وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري، علماً أن هذه الكميات كانت قد بلغت في السنوات الثلاث التي سبقت الأزمة بالمتوسط 150 ألف طن لتضع البلاد في المرتبة الرابعة عالمياً والأولى عربياً في إنتاج زيت الزيتون، ويعود ذلك التراجع في الإنتاج إلى انخفاض إنتاج الزيتون كما ذكرنا سابقاً وإلى توقف الكثير من المعاصر عن العمل والتي كان قد بلغ عددها قبل بداية الأزمة إلى 1100 معصرة، منها أكثر من الثلثين تعمل بتقنية الطرد المركزي لاستخراج الزيت والباقي يعمل بطريقة الكبس التقليدية، مما تسبب في انخفاض المعروض من هذه المادة في السوق المحلية، نتجت عنه ارتفاعات كبيرة ومتواترة في سعر الكيلو الواحد من زيت الزيتون، حيث وصل من ما بين 150 إلى 200 ليرة قبل الأزمة بحسب جودته ونوعيته إلى أكثر من 2200 ليرة اليوم أي بنسبة زيادة وصلت إلى 1100 % (إحدى عشر ضعفاً).

الأزمة تولد صعوبات بالجملة

تعود أهم أسباب الارتفاع في أسعار زيت الزيتون إلى العديد من الصعوبات التي واجهت المزارعين والمستهلكين معاً خلال سنوات الأزمة والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

-الانخفاض في كميات إنتاج الزيتون بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والمحروقات من جهة، وتكاليف القطاف والنقل والعصر من جهة ثانية، هذا فضلاً عن الآثار المدمرة التي تركتها العمليات العسكرية التي جعلت من الكثير من مزارع الزيتون مسرحاً لها وخاصة في ريفي حلب وإدلب الذين يحوزان على حوالي 46% من إجمالي المساحة المزروعة في البلاد بشجر الزيتون، وهاتان المحافظتين شهدتا مواجهات عسكرية تعد الأعنف خلال ثلاث سنوات مضت.

-الحالات المرضية التي لحقت بالكثير من مزارع الزيتون بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة وعدم توفر السماد العضوي والتلف الذي كان يلحق بالمحصول، سواء نتيجة الحرائق التي كانت تندلع بسبب عمليات القصف والحرب، أو التلف نتيجة عدم تمكن المزارعين من إيصال محصولهم إلى المعاصر خلال الفترة المسموح بها وهي ثلاثة أيام كأقصى حد، إما لصعوبة الوصول أو لضعف الطاقة الإنتاجية في المعاصر التي يمكن الوصول إليها، أو بسبب زيادة الكميات المطلوب عصرها في تلك المعاصر

-ارتفاع تكاليف العصر بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وتوقف العديد من المعاصر عن العمل سواء بسبب التدمير الذي لحق بها أو بسبب صعوبة الوصول إليها، أو لعدم الجدوى الاقتصادية من القيام بعمليات العصر في ظل عدم تمكن المزارعين من تصريف إنتاجهم أو السطو على كميات كبيرة منه من قبل جهات متعددة.

-التهريب والتصدير بهدف الحصول على القطع الأجنبي حيث شهدت بعض الأسواق السورية خلال السنوات الماضية شحاً في كميات المعروض من زيت الزيتون وصلت لحدود 70 ألف طن بالمجمل أحياناً، علماً أن حاجة البلاد تتراوح بين 110 إلى 120 ألف طن سنوياً إلا أن عمليات التهريب أو التصدير بهدف بيعه بأسعار أعلى حالت دون إمداد السوق المحلية بحاجتها الكافية، إلى أن ارتفعت أسعارها لتصل في العام الماضي والحالي لحدود الأسعار العالمية التي تبلغ في أوربا مثلاً ما بين 2.5 إلى 7 دولار للكيلو الواحد بحسب الجودة والمواصفات.

-ارتفاع أجور العمالة وحراثة الأرض من 500 ليرة للدونم الواحد إلى أكثر من 4000 ليرة نتيجة رفع حكومة النظام لأسعار المحروقات وخاصة المازوت مما رفع من تكاليف الإنتاج إلى 25000 ليرة للدونم الواحد أمام خشية المزارعين من عدم التمكن من تصريف الإنتاج أو الحصول على أسعار منخفضة لمحصولهم.

-ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الأخرى كصفائح التنك التي كان يعبأ فيها الزيت أو أدوات تعبئة الزيتون من سلال أو أكياس نايلون شبك، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التخزين والتصريف من خلال وسائل النقل أو أجور العاملين.

-قرار حكومة النظام في عام 2016 بالسماح بإعادة تصدير زيت الزيتون إلى أوربا والعديد من بلدان الخليج العربي الأمر الذي تسبب بانخفاض كميات المعروض منه في السوق المحلية، مما تسبب بارتفاع أسعاره من حوالي 15000 ليرة للصفيحة الواحدة إلى 25000 ليرة نهاية العام ليصل هذا السعر الأن لـ 30000 ألف ليرة الأمر الذي جعل الكثير من الأسر السورية تخفض من استهلاكها لزيت الزيتون والتحول إلى أنواع أخرى خاصة الزيت النباتي القادم من الاستيراد، أو من المعونات التي توزع ضمن السلال الغذائية من قبل منظمات الإغاثة الدولية.

ضرورات وآفاق في صناعة زيت الزيتون

يذكر أن السنوات الثلاث الأخيرة لم تشهد أية زراعات جديدة لأشجار الزيتون بسبب استمرار العمليات العسكرية والحرائق التي أتت على كميات كبيرة من مزارع الزيتون والتهمت أشجارها دون أن أية تعويضات لأصحابها من أي جهة للسماح بإعادة تأهيل المزارع، أو القيام بزراعات جديدة، هذا فضلاً عن التعديات التي كانت تحدث على أشجار الزيتون من قبل الأشخاص أو الجماعات بقطع الأشجار بهدف التجارة بخشبها أو استخدامها للتدفئة بسبب الشح الكبير في مادة المازوت في مناطق ريف حلب وإدلب على وجه الخصوص.

إذاً وحيث تعتبر زراعة الزيتون في البلاد من الزراعات الاستراتيجية والتي تحوز أهمية اقتصادية واجتماعية وعلى درجة متقدمة لا بد من العمل على تحسين واقع هذه الزراعة

*بدءاً من الاهتمام بالشجر من حيث التركيز على نوعيات محسنة من الغراس لزراعتها وتقديم الدعم الكافي للمزارعين سواء المالي أو تقديم الأدوية والمبيدات والسماد بأسعار تشجيعية بهدف التوسع في زراعة أشجار جديدة وتثبيتهم في مزارعهم وتمسكهم بها.

*مروراً بتطوير خطوط الإنتاج في معاصر الزيتون والرفع من طاقتها الإنتاجية وتوفير مستلزمات تعبئة الزيت وحفظه المناسبة والمتوافقة مع الأسواق العصرية ومحاولة تصنيفه من حيث الجودة والنوعية بحسب مواصفاته وخواصه ومستوى القيمة الغذائية الموجودة، والبحث عن السبل التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة مضافة في هذه الصناعة التي وصلت فيها سوريا إلى درجات متقدمة على صعيد الإنتاج العالمي، دون أن تعير حكومة النظام حتى اليوم قضية تحقيق القيمة المضافة فيها الأهمية الكافية، بما سيعود خيراً على الاقتصاد والعباد، وذلك من خلال تطبيق عمليات الفلترة والتعبئة وفق المواصفات والمقاييس العالمية كما يحدث في تلك البلدان التي تتقدم سوريا في الإنتاج كإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا.

*انتهاءً بتطبيق السياسات التسويقية الحديثة التي ترقى إلى مستوى أهمية هذه الصناعة (صناعة زيت الزيتون) في الوقت الحالي سواء داخل البلاد لتحقيق السهولة في التصريف وإيصال السلعة إلى المستهلكين بأسعار مناسبة وبحسب الجودة والنوعية، بعد العمل على تصنيف المنتج وفق مواصفات معيارية علمية ومخبرية معينة أو خارج البلاد من خلال المنافسة مع الدول الأخرى للدخول إلى الأسواق العالمية وتحقيق إيرادات مالية عالية من القطع الأجنبي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.