نشرت مجلة فورين أفيرز مقالاً للكاتب سام هيلر يعرب فيه عن رغبته بعدم مشاركة الغرب في إعادة إعمار سوريا، مشيراً إلى أن الوقت لم يحن بعد لتكريس أموال كبيرة على البنى التحتية في حين ما تزال أزمة اللاجئين على الأقل قائمة، فكتب:

الآن، وبعد أن نجح الرئيس السوري #بشار_الأسد في هزيمة أو تحييد جزء كبير من الثورة في بلاده، بدأ الاهتمام الدولي والمحلي يتحول نحو الاستقرار وإعادة الإعمار. حيث أصبح من الممكن الآن تصور سوريا ما بعد الحرب، على الأقل في عدة أجزاء من البلاد.

ومع ذلك, لا تزال قطاعات كبيرة من المجتمع الدولي ترفض شرعية الأسد ونظامه، بما فيها البلدان المانحة الرئيسية. وقد تخلّت #الولايات_المتحدة وحلفائها عن حربهم بالوكالة في سوريا، والتي عملوا من خلالها على إزالة الأسد من السلطة. لكن المعركة القادمة في الساحة السورية تبدو على هيئة إعادة إعمار البلاد.

أما بالنسبة لداعمي المعارضة، فإن إيرادات إعادة الإعمار تُعد الورقة الأخيرة للضغط على نظام الأسد. ويقترح الخبراء خططاً ملتوية لكيفية مشاركة الغرب في إعادة بناء سوريا رغماً عن أنف الأسد، أو عن كيفية استخدام أموال إعادة الإعمار في الحصول على تنازلات سياسية من النظام.

لكن الكاتب يقترح حلاً أقل تعقيداً وهو: الامتناع عن تمويل إعادة إعمار سوريا.

وكان الأسد قد حذّر خصومه في خطابه في شهر آب من أنهم لن يتفاوضوا على طريقهم إلى النصر، فقال: “لن نسمح للأعداء والإرهابيين من خلال أية وسيلة إنجاز ما فشلوا في تحقيقه في ميدان المعركة من خلال السياسة”.

وعليه، يرى الكاتب أن على الغرب أخذ كلمة الأسد بعين الاعتبار، حيث إن إعادة إعمار سوريا من قبل المانحين الغربيين لا يمكن أن نمليها على أي غايات سياسية مرضية. حيث هناك جانب إنساني بسيط يدعو الغرب للمشاركة إنما من الناحية السياسية فليس للغرب أي دور يؤديه.

وبحسب المقال، فإن تكلفة إعادة بناء سوريا ستكون هائلة، حيث تتراوح بين 200 – 350 بليون دولار أمريكي بحسب التقديرات. وهذه المبالغ بعيدة جداً عن إمكانيات سوريا أو عن رغبة حلفائها الإيرانيين والروس لدفعها. لذا من المتوقع أن يقع عبء إعادة البناء على الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي واليابان، بالإضافة إلى المؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي.

وكوسيلة لتبرير تلك المبالغ الضخمة، اقترح مؤيدو المعارضة السورية استخدامها كورقة رابحة لشراء تنازلات سياسية. ففي اجتماع 21 أيلول، أعلنت الدول المشاركة فيه بما فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، أن دعم الإنعاش وإعادة الإعمار في سوريا يتوقف على عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي يمكن أن يحصل بدعم كبير من معظم الشعب السوري. كما أعلن ديفيد ساترفيلد، مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، عقب الاجتماع أن تمويل إعادة الإعمار هو أقوى ورقة تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها للدفع إلى عملية سياسية ذات مصداقية. أما بوريس جونسنون، وزير الخارجية البريطانية فقال: “لدينا بطاقة رابحة واحدة يمكننا اللعب من خلالها الآن وهي الأموال التي يمكن أن نقدمها لإعادة إعمار سوريا”.

وتحقيقاً لهذا الهدف، حث عدد من الخبراء على تمويل مناطق صغيرة تقع خارج سيطرة النظام وبدون مشاركته أو حتى موافقته، لكنها لن تكون إعادة إعمار بالمعنى الكامل. يقدم من خلالها المانحون الغربيون نوع من المساعدة لتحقيق الاستقرار بما في ذلك دعم الحكم المحلي واستعادة الخدمات الأساسية إلى تلك المناطق كما حصل في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد أو المعارضة.

لكن إعادة الإعمار الحقيقية لن تحدث في أطراف سوريا، إنما في أكثر المناطق الحيوية اقتصادياً واكتظاظاً بالسكان والتي يسيطر عليها الأسد، حيث تشمل مدن كبيرة مدمرة مثل حلب وحمص والتي تحتاج لعملية إعادة إعمار واسعة النطاق.

وعن الحجج التي تقدمها الدول المانحة، خاصة تلك التابعة للاتحاد الأوربي، يقول الكاتب إن الأساس المنطقي للمشاركة هو موقف إنساني بحت، حيث يمكن لإعادة الإعمار المشاركة ولو بشكل هامشي بتحسين حياة السوريين بعد سنوات من الحرب. أما بالنسبة للأوربيين، فإن المساهمة في إعادة الإعمار بما في ذلك عملية إنعاش للاقتصاد السوري يمكن أن تساعد في إبقاء السوريين في وطنهم ووقف الهجرة التي زعزعت سياسة أوروبا نفسها. كما قد يمنح الجهات المانحة صوتاً في #دمشق إلى جانب حلفاء النظام الإيرانيين والروس.

إلا أن الكاتب يرى أن الادعاء بأن المانحين الغربيين سوف يتمكنون بأموالهم تلك من تحقيق نفوذ يمكّنهم من إعادة تشكيل السياسة السورية بشكل جوهري هو ضربٌ من الخيال. فالأسد الذي قاتل لسنوات للحفاظ على نفسه في السلطة لن يوافق على تحوّل سياسي حقيقي يطلبه منه اللاعبون في لعبة إعادة الإعمار.

في حين يرى بعض المحللين أن بإمكان الغرب استخدام التمويل للحصول على تنازلات لكن ذلك بعد تغيير النظام، بما في ذلك اللامركزية الإدارية والإفراج عن المعتقلين أو خلق مساحة للمجتمع المدني.

ويرى الكاتب في مقاله أن الأسد يتمتع بنفوذ خاص فيرى الدول الغربية التي تقدم التمويل لإعادة الإعمار أو للتطبيع السياسي مضطرة لفعل ذلك من نقطة ضعف تعانيها. فدمشق تدرك أن الغرب فشل في مشروع تغيير النظام في سوريا، وأن الدول الأوربية على وجه الخصوص تعاني من أزمة اللاجئين. وعليه فإن العروض التي يتلقاها نظام الأسد من الدول الشرقية _ والتي نظرت إلى نظام الأسد خلال سنوات الحرب على أنه نظير _ مثل #الصين و #الهند و #إيران سوف تكون شروطهم أكثر مناسبة للنظام مع الحفاظ على الهيكل العظمي للاقتصاد وقت الحرب والذي اعتاد عليه السوريين الآن.

ويؤكد الكاتب أن على الدول المانحة الغربية ألا تمول جهود إعادة الإعمار التي يقودها النظام. وبشكل خاص، يجب ألا يسمحوا للدافع السياسي أن يدفعهم للاستثمار بشكل جوهري في النظام السياسي في سوريا.

وبدلاً من ذلك يجب على الجهات المانحة أن تنظر في أمر رفع العقوبات عن قطاعات محددة من الاقتصاد السوري في حال وجود مشاريع تجارية رابحة، وينبغي أن تُستثمر في الإنفاق على مشاريع تحقيق الاستقرار والمصالحة المحلية في جميع أنحاء البلاد، والتي تعد نتائجها إيجابية بالرغم من محدوديتها. ومن الأفضل الآن الاستثمار في دعم واستيعاب اللاجئين السوريين سواء في أوروبا أو في دول الجوار، ومن الممكن في وقتٍ لاحق _ عند حدوث تحول في موقف النظام أو في السياق السياسي _ إعادة النظر في إعمار سوريا والإنفاق على البنية التحتية حيث سيكون ذلك منطقياً أكثر إذا حصل في وقت لاحق وليس الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة