نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً تحليلياً لكاتبه إبراهيم الأسيل يعرب من خلاله عن استحالة انتهاء الحرب الأهلية السورية لمجرد استعادة سيطرة #الأسد على بعض المناطق بفضل الغطاء الجوي الروسي والبري الإيراني، حيث يرى أن الهدوء الذي عمّ البلاد ليس إلا حرباً كامنة قد تندلع في أي وقت لأسباب عدة وقف عليها فكتب:

دخلت الحرب الأهلية السورية عامها السادس، وقد مرّ الصراع عبر سلسلة من المراحل المتميزة. لكنه الآن يدخل مرحلة جديدة تثير الكثير من الاستنتاجات الوهمية والكاذبة.

الرئيس السوري #بشار_الأسد فاز في المعركة. تلك هي أولى “الاستنتاجات الخاطئة” التي أشار إليها الكاتب في مقاله. فبحسب الخريطة العسكرية نجد أن الأسد، وبفضل القوات الجوية الروسية وحزب الله وغيرها من الميليشيات المدعومة من قبل إيران، استعاد سيطرته على مساحات واسعة من سوريا خلال العامين الماضيين. في حين لا يزال أكثر من 40 بالمئة من البلاد خارج سيطرت الأسد، معظمها في المنطقة الشمالية إلى جانب محافظة دير الزور في الشرق ودرعا جنوباً.

ويضيف الكاتب أن الأسد لم يفز في المعركة من وجهة نظرٍ عسكرية، إنما منع أي جهة أخرى من الفوز. فارقٌ صغير بين المعنيين لكنه مهم جداً، لأن الفوز يعطي انطباعاً بانتهاء الصراع وأن أحد الطرفين هزم جميع خصومه بشكل كامل، مخلفاً حالة فراغ عن العمل لدى المجتمع الدولي. لكن ذلك غير صحيح، وليس هناك منتصرٌ في سوريا حتى يومنا هذا ولا تزال القاعدة التي تقول “لا يوجد حل عسكري لسوريا” سارية المفعول.

الاستنتاج الخاطئ الثاني هو أن سوريا يمكن أن تستقر في ظل قيادة الأسد. إنما في واقع الأمر تضعف مؤسسات الدولة بشكل أكبر من أي وقت مضى، فالدولة مفلسة، وحجم الجيش السوري انكمش إلى ثلث حجمه، كما أن الاقتصاد مدمر. كما تزداد المظالم التي يعاني منها الشعب مع مرور الوقت. وبحسب الكاتب فقد تكون الحرب الأهلية السورية هدأت نوعاً ما، لكن الأسباب الجذرية للكارثة لا تزال موجودة، وإذا ما تركت بدون معالجة فإن الصراع سينفجر مجدداً ما لم تتم تسوية سياسية على أرض الواقع.

وهذا يقود الكاتب _ بحسب قوله _ إلى التصور الخاطئ الثالث، ألا وهو فكرة أن إرسال أموال لإعادة الإعمار عن طريق حكومة الأسد سوف يفيد الشعب السوري. فالمناطق الأكثر تدميراً من قبل النظام خلال الثورة كانت الأكثر تهميشاً من قِبله لعقود قبل الثورة، كما انحدر منها معظم اللاجئين.

من غير المعقول أن نتوقع من الأسد إرسال مساعدات أو أموال إلى المناطق التي دمّرها بالقصف أو حاصرها أو جوّعها على مدى السنوات الست الماضية. إنما يرى الكاتب أن الأسد سوف يستخدم أي أموال تُرسل إلى الحكومة السورية لدعم أزلامه وقادته في الحرب، كما سيستخدمها في إطعام ميليشياته العسكرية والاستمرار بمحاربة “شعبه الخائن”. تلك كانت وما زالت أولوياته، وليس هناك ما يدعو المجتمع الدولي إلى افتراض أن شيئاً قد تغير في هذا الصدد.

لتلك الأسباب، يرى الكاتب أن المساعدات المُرسلة إلى سوريا يجب أن تُرسل بشكل مباشر إلى المجتمعات المحلية والمحتاجين إليها. بتلك الطريقة سوف نمنع الأسد من استخدام المساعدات كسلاح، كما سوف نضمن وصولها إلى أشد الناس حاجةً إليها. ويمكن القيام بذلك من خلال المناطق المحررة من الدولة الإسلامية، وذلك سيساعد على منع الدولة الإسلامية من العودة لأنه يعزز المجتمعات المحلية ويسمح لها باستخدام الأموال لحل الأسباب الجذرية التي مكّنت الجهاديين من استغلال وضعهم في البداية. كما يمكّن المجتمعات المحلية في سوريا من تولي عملية طرد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية من البلاد.

إضافة إلى ذلك، فإن معظم اللاجئين جاؤوا من المناطق التي ما تزال خارج سيطرة النظام، والسبيل الوحيد لتسهيل عودتهم هو تحسين الظروف في مناطقهم. وبمكافئة الأسد بأموال إعادة الإعمار لن يتحقق ذلك، إنما سيتم عندها تمويل آليات القمع فقط. ويؤكد الكاتب أن على الأسد ألا يحصل على أي شيء ما لم يقدّم إصلاحات ملموسة في المقابل. ومن المستبعد الاعتماد على الأسد بحسن نية بالنظر إلى ما سبق من استراتيجياته.

أما الفكرة الأخيرة الخاطئة التي أشار إليها الكاتب هي أن الحملة العسكرية كافية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. ففي الوقت الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة الأمريكية قصف مقاتلي الدولة الإسلامية، تقف عاجزة عن محاربة إيديولوجيتها. وبدون معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى نشوء الحركة الإرهابية، فإن الهزيمة ليست سوى فترة قصيرة الأمد. فمن وجهة نظر الكاتب على الولايات المتحدة أن تستقر وتستثمر في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام كوسيلة لضمان الهزيمة الدائمة للدولة الإسلامية. ومن شأن هذا الدعم أن يمكّن المجتمعات المحلية من أن تحكم نفسها بنفسها وأن تعطي المجتمع المدني الشعبي الفرصة التي تحتاجها لتواصل العمل على التصدي للتطرف الذي يتسم به كل من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية لأنهم يعرفون سكانهم المحليين على أفضل وجه.

ويؤكد الكاتب أن المرحلة المقبلة من الحرب غير واضحة المعالم بعد لكن الفرصة ما تزال متاحة للأفضل. ويرى أن على الولايات المتحدة والدول الأوربية مساعدة السوريين للبدء بإعادة بناء مجتمعاتهم بعد التخلص من تنظيم الدولة الإسلامية، ومنع الأسد من أن يقبض مبالغاً على انتصاره.

يُذكر أن الأسيل زميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وزميل غير مقيم في مركز بحوث الشرق في دبي في الإمارات العربية والمتحدة، وهو أيضاً عضو مؤسس لحركة اللاعنف السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.