حسام صالح

لم يكن لظهور أبي بكر #البغدادي لأول مرة كـ”خليفة المسلمين” في تنظيم الدولة الإسلامية #داعش في 29 حزيران عام 2014 مجرد كلمة عابرة وحديث للنشر عبر وسائل الإعلام لأيام معدودة، ثم يُنسى كباقي التنظيمات، بل كان تنظيم الدولة عبارة عن مجموعة متكاملة من العوامل التي اجتمعت وسخرها لصالحه، والدليل على ذلك مايقوم به في كل منطقة تخضع لسيطرته، فيديرها بعقلية الدولة وبالسيف والنار في التعامل مع المواطنين، هذه العوامل التي سهلت سيطرته وساهمت في صعود نجمه، أدت إلى انهياره بشكل متسارع إلى حد ما.

في محاولتنا لفهم التنظيم وبنيته وكيفيه إدارته، لا بد من الأخذ بالاعتبار عدة عوامل منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهي العوامل ذاتها التي أدت لتفكك التنظيم، بطرق مباشرة وغير مباشرة، لذا سنحاول في هذا التحقيق إلقاء الضوء عليها من خلال البحث فيما نشر من دراسات ومقالات عن الموضوع وماورد فيها من أرقام، إضافة إلى الحديث مع عدد من الخبراء والمختصين بكل النواحي المذكورة.

تاريخ يمتد لـ14 عاماً

في محاولة لمعرفة تاريخ تنظيم الدولة ونشأته، يقودنا التاريخ إلى عام 2003 حيث أسس “أبو مصعب الزرقاوي” مايُعرف بتنظيم “الجهاد والتوحيد في العراق، إلى عام 2006، حيث تم الإعلان عن “دولة العراق الإسلامية”.

ومع انطلاق الاحتجاجات في #سوريا ضد النظام، تم الإعلان في أواخر عام 2011 عن تشكل جبهة النصرة لأهل الشام “فرع القاعدة في سوريا”، وتم تسليم المهمة إلى أبو محمد الجولاني الموفد من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، استمرهذا الوضع حتى العام 2013، حيث أُعلن عن إقامة “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

وشكلت هذه الخطوة فرقاً بين القاعدة والتنظيم، بعد التحاق غالبية المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم الجديد وانفصالهم عن #جبهة_النصرة، وبدأ مشوار التنظيم في التمدد في كل من #سوريا و #العراق، وصعود نجمه ونفوذه وسيطرته على مدن كبرى كالموصل والرقة ودير الزور وتدمر، إلى أن بدأ مع عام 2017 بالانحسار وخسائره المتتالية وتفككه تدريجياً.

تفوق التنظيمات الجهادية عليه سياسياً

“تنظيم الدولة يفتقر إلى إيدولوجية متماسكة، وغير قادر على بناء أي مؤسسات سياسية أو اجتماعية، إضافة إلى عدم وجود أيه فرصة له لإقامة علاقات بين دولته ودول المنطقة” والكلام للرئيس السابق لقسم البحوث والتخطيط لوكالة الاستخبارات الأمريكية “جراهام فولر” في حديثه عن مستقبل تنظيم الدولة بشكل عام وسياسياً بشكل خاص.

ويتفق مع هذا الكلام “ساشا العلو” الباحث في قسم السياسات في مركز عمران للدراسات الذي قال في حديث لموقع الحل إن “عزل التنظيم دولياً وعدم استقرار سيطرته على مناطقه؛ تجعل سبر إدارته السياسية وتحليلها أمراً صعباً، خاصة أن تلك الإدارة ضمن ظروف نشأة التنظيم غلب عليها الطابع العسكري وليس السياسي، بينما نرى النصرة أو هيئة جبهة فتح الشام في بعض الأوقات أكثر براغماتية من التنظيم، وذلك نتيجة اختلاف الظرف السياسي المحيط بالتنظيمين”.

وأشار العلو  إلى أنه “لا يمكن الحديث عن نقاط قوة وضعف سياسي لدى التنظيم ، وإنما الأصح هو الحديث عن ظرف سياسي هيأ للتنظيم نقاط قوى، وآخر انقلب عليه كنقاط ضعف، فخروج التنظيم ضمن ظرف ثورات الربيع العربي أمن له مظلومية سُنية استند عليها ضمن ظرف سياسي خاص، إضافة إلى استغلاله من تلك الحكومات لقلب أولوية الأزمات في تلك الدول من (إصلاح سياسيي إلى مكافحة إرهاب)، كما استفاد التنظيم من عدم التوافق بين الأطراف المحلية المدعومة دولياً وإقليمياً للقضاء عليه”.

اختلاف عقائدي

أكدت دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “تنظيم الدولة كان الخصم الأول لنفسه، حيث كان هناك تخبط بين قادتها بين خوض معارك لا طاقة لهم بها، وبين انتهاج سياسة التنكيل والتشديد على المواطنين من جهة أخرى”، وأشارت الدراسة إلى أنه “ومن الراجح أن يكون هذا التشتيت في القرار، بما أنتجه من هدر لطاقات التنظيم، عائداً إلى منهج عقائدي كبّل قدرة القيادة على تجنب عواقبه، ولكنه ربما قد يكون ناجماً عن اختراق للتنظيم من أجهزة استخبارية”.

في ذات السياق، يقول الباحث في الجماعات الإسلامية الدكتور حسام النجار من حلف وارسو لموقع الحل إن: “التنظيمات الجهادية في مجملها ترتكز على الآية القرآنية (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم)، لكن تختلف في آلية التنفيذ وطبيعة الدولة الهادف الوصول لها، أو بقية التنظيمات والتي تأخذ من الجهاد شعاراً لها مع فقه الواقع، فهي تعترف بأن وسيلة الوصول للهدف هو الجهاد، لكن إرساء قاعدة الدولة تختلف آلياته”.

بدوره، يقول الباحث ساشا العلو “لا يكاد تنظيم الدولة يختلف عن باقي التنظيمات الجهادية في سياسة العمل الجهادي المليشياوي، فالتنظيم يستند بالدرجة الأولى إلى العقائدية والتي يدير عناصره من خلالها، إلا أن ما يميزه هو كونه التنظيم الأول الذي جرأ على إعلان الخلافة بشكل مباشر وعلني، الأمر الذي ساعده على سحب البساط الجهادي من تحت أقدام الجماعات الجهادية المنتشرة حول العالم”.

انهيار عسكري

في دراسة نشرتها مؤسسة “اي اتش اس ماركت” البريطانية، أوضحت فيها تراجع مناطق سيطرة التنظيم في كل من سوريا والعراق بعد الإعلان في يونيو/ حزيران 2014 عن إقامة “الخلافة الإسلامية”، حيث تراجعت المساحة من 90 ألف كيلومتر مربع في يناير/كانون الثاني عام 2015 إلى 36 ألف و200 كيلو في يونيو/ حزيران في عام 2016، وبالتالي فإن مجال سيطرته تقلص في العراق وحدها من 40% إلى ما لايتجاوز 6.8%.

أولى الإخفاقات العسكرية في تنظيم الدولة كانت وبحسب الضابط السابق في القوات العراقية العقيد حاتم الفلاحي هي “السيطرة على الأراضي والمدن على حساب الفصائل الأخرى، إضافة إلى أخفاقه في بناء تحالفات عسكرية مع هذه الفصائل ما جعله أمام مواجهات مفتوحة استنزفت الكثير من قدراته العسكرية وبالتالي عدم استطاعته التمدد والسيطرة على مناطق جديدة”.

بدوره، يرى المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي لموقع الحل أن “ما أضعف تنظيم الدولة عسكرياً هو انسحاب القيادات الكبرى لديه فأول من اختفى هو زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي ، ولايعرف أحد الحقيقة سواء قتل أم لا، إضافة إلى قيادات من الصف الأول والثاني”.

وأشار الراوي إلى أن الانهيار العسكري لدى التنظيم تجلى واضحاً بعد خسارة التنظيم للمدن الرئيسية الكبيرة، حيث عاد إلى استخدام استراتيجية حرب العصابات، بناء على المعطيات والقدرات العسكرية واللوجستيه الجديدة التي يتبعها هذا التنظيم”.

تفكك اقتصادي

يرى الباحث كولومب ستراك في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “HIS MARKIT” أن ما تبقى من مناطق نفوذ سيطرة تنظيم الدولة سيتقلص في العام 2018 ويصبح مجموعة عن بؤر معزولة.

الدراسة أشارت إلى تقلص الموارد المالية للتنظيم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث انخفض الدخل الشهري للتنظيم من 81 مليون دولار في العام 2015 إلى 16 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2017، أي بانخفاض يعادل 80% بالمئة.

ويشير الباحث لودوفيكو كارلينو في المؤسسة نفسها إلى أن هذا التراجع يُفسر “بانخفاض مستمر في كل موارد التمويل سواء الناجمة عن إنتاج البترول أو الضرائب أو المصادرات وبقية الأنشطة غير المشروعة”.

وفيما يخص العائدات النفطية التي تعتبر المورد المالي الأهم للتنظيم نجد أنها انخفضت بنسبة 88%، كما انخفضت عوائد الضراب والمصادرات بنسبة 79%، والتي كلها ناتجة عن خسارة الأراضي بشكل متسارع، وبشكل رئيسي في كل من مدينة #الموصل العراقية، و #الرقة السورية”.

مستقبل التنظيم

باعتقادك هل سيستمر تنظيم الدولة أم أنه سينتهي إلى غير رجعة وبالتالي ظهوره باسم جديد؟ هذا السؤال تم البحث به وطرحه على جميع من استضافهم التحقيق وتباينت الأجوبة فيما بينهم.

العقيد حاتم الراوي قال “لا يستطيع أي خبير عسكري أن يعرف ماهو مستقبل التنظيم، لكن كل مايلوح في الأفق أن التنظيم قيد التبخر، إلا أنه قد تحصل مفاجأت ونرى التنظيم قد عاد بقوة وهذه إحدى تكتيكات التنظيم العسكرية”.

يخالفه بالرأي الباحث في مركز عمران للدراسات ساشا العلو بقوله إن “المهاجرين ليس لهم أي ملجأ بعد نهاية التنظيم إلا التصفية وهذا هدف مختلف الدول المشاركة بالتحالف، أي أن كل دولة مسؤولة عن قتل مهاجريها، وهذا ما رأيناه بطبيعة بنك الأهداف لكل دولة، إضافة على منع المخابرات الفرنسية خروج الأجانب ضمن صفقة بالرقة، أما (الأنصار) أو المقاتلين المحليين فمن الممكن تسليم أنفسهم أو الدخول ضمن صفقات معينة كما حدث في الرقة، حيث نجى البعض بتسليم انفسهم لقسد بواسطة بعض العشائر”.

في حين يرى الخبير في الجماعات الإسلامية حسام النجار أنه “كل التنظيمات وخاصة الجهادية منها لا يمكن القضاء عليها بشكل كامل، وخاصة إذا تشظت وكان لها مريدون وأتباع  في دول أخرى، فنحن نرى أن أمريكا بكل قوتها وعظمتها لم تستطع القضاء على القاعدة إلى يومنا هذا رغم كل محاولاتها العسكرية والفكرية”.

في حين يرى الكاتب تشارلي وينتر في مجلة فورين أفيرز أن “المعجبون بالتنظيم لايزالوا موجودين، ولم يتخلوا عن مبادئه السلفية الجهادية، حيث من الممكن أن يتفكك التنظيم لمجموعات صغيرة أكثر تطرفاً، وربما تكون متناحرة فيما بينها، الأمر الذي يشكل تهديداً لوحدتها الإيديولوجية”.

وفي نفس السياق يقول الخبير الألماني في شتيفان بوخن في مقال له على موقع دي دبليو “لا توقع أن يختفي داعش تماما كتنظيم إرهابي، وربما يقوم مكانه تنظيم آخر سني متطرف. اللغة العربية غنية، وليس من الصعب اختراع اسم جديد لتنظيم إرهابي سني متطرف جديد. لقد رأينا ذلك في الماضي، داعش غير اسمه أكثر من مرة، وهذا الأمر قد يتكرر في المستقبل أيضاً”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.