عن محمد أكسوي في نيويورك تايمز: “الديمقراطية ممكنة في سوريا.. صديقي يعرف كيف”

عن محمد أكسوي في نيويورك تايمز: “الديمقراطية ممكنة في سوريا.. صديقي يعرف كيف”

نشرت صحيفة #نيويورك_تايمز ةقالاً للكاتب ديفيد غرابيروكت بتاريخ تشرين الأول  2017، تناول فيه الكاتب جانباً من وضع الكرد، حيث أدرج في مقاله جزءاً كبير من الاقتباسات المأخوذة من مقالٍ لصديقه الكاتب الكردي محمد أكسوي والذي قُتل قبل أن يكمل كتابة مقاله. فكتب غرابيروكت:

“ليس لدى الأكراد أصدقاء، لكن لديهم جبال”. هذا ما اعتاد محمد أكسوي على قوله. لكن محمد الذي قُتل خلال هجوم شنته الدولة الإسلامية في الشمال السوري في 26 أيلول “كان صديقي، وكان محامياً لا يمل من الدفاع عن حركة الحرية الكردية”.

كان يكتب مقالاً يبدأ بتلك الكلمات عندما مات. وكثيراً ما استخدم هذا القول في شرح محنة شعبه “الذي لطالما أسيأت معاملتهم من قبل القوى التي تدعي نشر الديمقراطية والحرية عبر العالم”.

وعن معرفة غرابيروكت بمحمد قال: كان أول لقاء لي بمحمد في مظاهرة كردية في #لندن، حيث كان يعيش. جئت بسبب اهتمامي بالحركات الديمقراطية المباشرة كتلك التي كان الأكراد السوريين يبنونها. تعرفت عليه بينما سمعت الكثير عن نشاطاته من جاليته، عن لطفه وتواضعه، ولكنه كان بطريقة أو بأخرى يعيش حياة أكبر من حياته. كان دائماً يعمل على عشرات المشاريع والأفلام والمقالات والأحداث والإجراءات السياسية.

ويرى غرابيروكت أنه من المهم الآن إطلاع الناس على مشروعه الأخير، وهو كتابته عن النزاع في كردستان، وبذلك يمكن لمعظمنا أن نفهم ما يجري من أحداث هناك. كان يكتب في ظل استفتاء عام يجري في كردستان العراقية المجاورة، والتي يدرك الجميع أنها سوف تنتهي بإقرار قوي لدولة كردية مستقلة.

لكن حركة الحرية الكردية السورية التي يمثلها محمد اتبعت رؤية مختلفة تماماً عن رؤية الأكراد في العراق: فهي لا ترغب في تغيير حدود الدول، إنما ببساطة تتجاهلها وتسعى لبناء أساس للديمقراطية بمستوى الشعب. ومن دواعي الإحباط لدى محمد أن التضحيات اللا متناهية التي يقدمها المقاتلون الأكراد ضد الدولة الإسلامية في مدن مختلفة في أنحاء سوريا يُنظر إليها بشكل واهم على أنها مبرر لمزيد من الحدود والانقسامات بدلاً من تقليلها.

غالباً ما نجد في وسائل الإعلام الغربية أن الأكراد يُصنّفون كشعب واحد متجانس، لكن الفكرة ذاتها تأتي متأخرة مع الأكراد السوريين نتيجةً للاهتمام الذي تلقاه الأكراد العراقيين من أجل استفتائهم العام. لكن الأكراد بنو نظماً سياسية مختلفة في هذين البلدين. فقد بنى الأكراد السوريون تحالفاً مع العرب والسريان والمسيحيين وشرائح أخرى في المنطقة الشمالية من سوريا والتي يسمونها روج آفا أو بشكل رسمي أكثر “الإتحاد الديمقراطي لشمال سوريا”.

يريدون تقرير مصيرهم بشكل ديمقراطي تعددي لهم وللفئات الأخرى في سوريا الموحدة حديثاً، متجاهلين المشروع القومي الذي أدى إلى الاستفتاء العراقي. كما جاء في مقال محمد: “هدفنا ليس إنشاء دولة جديدة، إنما إنشاء مجتمع ثوري حديث متعلم وذاتي التوعية وديمقراطي بشكل حقيقي، لذا توقفوا عن وصفنا بالانفصاليين”.

يقول محمد في مقاله: ” كان هناك الكثير من الحروب التي تُشن من أجل الاستقلال”، ويضيف متسائلاً: “ولكن هل كان هناك إقرار بدولة غيّرت مصير الأطفال العرب في العراق، أو الأطفال الأفارقة في ليبيا، أو الأطفال السوريين الذين يموتون بالآلاف خلال السنوات القليلة الماضية؟! لا” وأضاف أنه شعر بأن حدود المنطقة _ والتي كانت إلى حدٍ كبير نتاجاً للتدخلات الغربية بعد الحرب العالمية الأولى _ قد أثارت الصراع العرقي والاإثني وجعلت الشعوب المقسّمة مهيأة للاستغلال الاقتصادي.

ويعتقد محمد أن النموذج الكردي السوري الذي يسمى كونفدرالية ديمقراطية والذي يركز على مجتمع ذاتي التعليم والخدمات يستخدم الديمقراطية المباشرة على مستوى الحي، ما يتيح للأكراد والمجموعات الإثنية الأخرى فرصة الحصول على حكم ذاتي حقيقي عبر الحدود الحالية الرسمية والتي لن تمثل كافة شعوب المنطقة في حال تم إعادة رسمها.

كما أعرب عن اقتناعه بأن ما تشهده كردستان هو أزمة كبيرة في نظام الدولة، وحرب بالوكالة واسعة النطاق. “بلغت ذروتها مع تقدم #داعش، القوة الجهادية الفاسدة التي حولت #العراق و #سوريا إلى جحيم محترق وهددت حياة الملايين في تلك الدولتين وفي الخارج. ولم يتمكن من إيقاف زحفها سوى تقدم تلك الحركة الديمقراطية وقواتها المقاتلة الفعالة، ووحدات حماية الشعب والمرأة  YPG & YPJ”.

وأضاف محمد مذكّراً بثمن تلك الانتصارات: “لكن هذه الانتصارات جاءت بتكاليف فظيعة “. وحقاً، توفي آلاف الشبان الأكراد خلال القتال في الحرب التي شُنّت ضد الدولة الإسلامية، ويتساءل محمد قائلاً: “لماذا تعامل أرواح هؤلاء الشبان بالنكران ولا تلقى الاهتمام الذي تستحقه في وسائل الإعلام ؟!”.

ماذا سيحدث عندما تُنفى الدولة الإسلامية من الرقة؟ هل يهتم القادة الغربيون حقاً بما يحدث للشعب السوري عندما يزول تهديد الدولة الإسلامية؟ عن هذه التساؤلات كتب محمد: “سوف تبقى سوريا بؤرة للحرب إذا لم يتم تأسيس مجتمع متعدد الأعراق والأديان “. وما يقدمه محمد والحركة التي كان جزءاً منها هو رؤية الأمل للمنطقة، وهنا كتب: “نحن نؤمن بأننا يمكن أن نتمتع بالإنسانية إذا كنا نعيش في ظل نظام إنساني وهياكل اجتماعية إنسانية مستندة إلى أفكار إنسانية”، هذا هو النظام الذي يبنونه.

وبالرغم من هذا، فإنه لم تتم دعوة ممثلين عن الحركة الكردية السورية بشكل كبير إلى محادثات السلام في جنيف خلال السنوات القليلة الماضية ذلك بسبب المعارضة التركية والإيرانية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سعيدة بدعمها للأكراد عسكرياً عندما يحتاجونها، كما أبقت نفسها على بعد مسافة حذرة بشكل دبلوماسي من أجل حلفائها الأتراك، حتى عندما تصف تركيا الأكراد السوريين بـ “الإرهابيين” وتطلق العنان لهجمات غير مستفزة عليهم في محاولة منها التركيز على الدولة الإسلامية.

وفي حال استمر الوضع كما هو، قال محمد :”النتيجة ستكون مثل تصويت حكومة إقليم كردستان على الاستقلال، وسوف تكون المفاوضات على شكل وحدود الدول وخلق مزيد من الانقسامات والمزيد من الحدود والمزيد من الكراهية، حتى أولئك الذين خاضوا أشد المعارك ضد هذه القوات والذين عملوا على اقتراح نموذج ورؤية مختلفة للمجتمع قد جمّدوا خارجياً”.

“أما الآن، فقد انضم محمد أكسوي إلى قائمة هؤلاء الذين قدموا أرواحهم في محاولة منهم خلق رؤية مختلفة للشرق الأوسط، وإنسانية في نهاية المطاف”، بحسب غرابيروكت. وأضاف: “لقد سافر محمد من لندن إلى سوريا للعمل من أجل تحقيق هذا الهدف كصحفي ومخرج مع القوات الكردية السورية YPG التي تقاتل الجهاديين، وقتل في هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية على قاعدة قريبة من جبهة الرقة”.

وقال غرابيروكت عن خسارتهم لمحمد : “كل من عرف محمد يدرك تماماً مدى الخسارة التي تكبدناها بفقدانه. وهؤلاء المتواجدون في سوريا والذين يشاطرونه الرؤيا مازالوا مستثنيين من محادثات السلام المزمع عقدها في المستقبل”. وأضاف: “ربما يكون هناك دائماً سياسيون غير صادقين، يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق المرأة كوسيلة لجلب المزيد من الحروب والمعاناة إلى العالم. لكن المؤيدين الحقيقيين لهذا في الغرب يحتاجون إلى الضغط على حكوماتنا لتغيير ذلك تكريماً للتضحيات التي قدمها محمد والآلاف مثله لخلق أمل جديد في المنطقة التي أغرقتها الدماء والدموع”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.