نشرت شبكة الأخبار الكندية CBC على موقعها الإلكتروني مقالاً تحليلياً تحذّر من خلاله من أن استراتيجية الحكومة السورية لإعادة إعمار الأحياء قد تهيئ الأجواء لانتفاضة مدنية أخرى.

وتناول المقال إعلاناً مصوراً بثته حكومة النظام السوري تظهر فيه منتزهات وشقق شاهقة الارتفاع، ومركزاً للتسوق تحت الأرض، والذي يحمل رسالة واضحة هي: “استثمر في مستقبل جميل لدمشق “.

لكن بعض النقاد يرون أنه مستقبل أكثر قتامة تم تصميمه لإجبار المعارضين على الخروج من الأحياء التي دفع لها الحلفاء الأجانب الأثرياء وتعاقدت معها الشركات الموالية للنظام.

“ما يحتاجه الأسد من أجل البقاء …هو نهاية المقاومة، في يومٍ من الأيام”، قالت فاليري سيبالا، المديرة التنفيذية لمعهد سوريا. وأضافت: “إن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك في بعض المناطق _ الاستراتيجية مثل دمشق _ هي إعادة توطينهم مع الناس الذين لن يعارضوه”.

ويؤكد المقال أن الحرب السورية لم تنته بعد، وأن أي حديث حكومي عن إعادة الإعمار الآن لا يشمل سوى المناطق الخاضعة لسيطرته. فمدينة #الرقة على سبيل المثال والتي تمت استعادتها مؤخراً من #داعش ليست من ضمن المناطق التي تشملها عملية إعادة الإعمار.

الفيديو الذي أعدته الحكومة السورية عن إعادة الإعمار هو لحي بساتين الرازي الواقع جنوب دمشق، حيث كان الحي لعقود من الزمن من الأحياء الفقيرة التي تقطنها الطبقة العاملة الفقيرة من السوريين القاطنين في أبنية عشوائية غير مرخّصة من قبل الحكومة. وكانت الحكومة حينها تُعد خططاً لإعادة تطوير المنطقة، لكن الثورة السورية عام 2011 كانت بمثابة حافز.

“كانت بداية الثورة تقع في ضواحي #دمشق و #حلب ومدن أخرى”، يقول جوزيف ضاهر، وهو أكاديمي سويسري سوري، وناشط درس جهود إعادة الإعمار. ويضيف: “بساتين الرازي لم تكن مستثناةً من ذلك، وبدأ أهالي الحي يخرجون في مظاهرات ضد الدولة منذ بدايات الثورة “. وسرعان ما سُحق الحي الواقع بالقرب من مقر السلطة بجرافاته، كذلك البساتين الخضراء المحيطة به بحجّة إيوائه الإرهابيين بين الأشجار.

كما كان مصير الحي واضحاً من خلال المرسوم رئاسي رقم 66، وهو قانون أصدرته حكومة الأسد عام 2012 يسمح من خلالها للمدينة بتحديث المناطق السكنية غير منظّمة وغير مرخّصة.

“تعددت الأسباب والدمار واحد”، يقول ضاهر مشيراً إلى القانون وكيفية استخدامه لإعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع، ” أولاً، يُعاقب السكان الأوليون في مناطق مثل بساتين الرازي. وثانياً، تتم إعادة البناء بما يناسب الطبقة المتوسطة، والطبقة المتوسطة الغنية من السوريين البرجوازيين. وأخيراً، بالنسبة للشخصيات الرأسمالية المحسوبة على النظام، ورجال الأعمال الموالين له، يسمح لهم بالاستثمار للاستفادة المادية من عمليات إعادة الإعمار، والنتيجة تعزيز النظام سياسياً واقتصادياً “.

وأضاف ضاهر أن معظم الأشخاص الذين أجبروا على النزوح كانوا في نهاية المطاف في أجزاء أخرى من سوريا، أو اضطروا للفرار خارج البلاد والعيش في المنفى كلاجئين. كما يؤكد أن استراتيجية التدمير وإعادة البناء واستبدال السكان ليست خاصة فقط ببساتين الرازي.

ويوضح ضاهر أن مجتمعات أخرى تنظر إلى المرسوم 66 كوسيلة لتبرير قانون التشرد القسري للسكان الحاليين والسعي وراء خطط إعادة الإعمار التي يحبذها حلفاء الحكومة.

سيبالا من معهد سوريا، وفي إشارة منها إلى حي بساتين الرازي قالت: “إنه ليس الوحيد، إنما واحد من عدة أحياء” مشيرة إلى #داريا وأحياء أخرى بالجوار تقع تحت سيطرة النظام، حيث تؤدي الهندسة الديموغرافية إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

وأضافت: “أرى أن الكثير من المعاناة الإنسانية قادمة “.

أسياد الحرب في وقت السلام

يرى الخبراء أن قضية أخرى ترتبط بإعادة الإعمار، وهي أن مزيج من المقاتلين والرجال الأقوياء وقادة الميليشيات الذين ساعدوا الأسد في استعادة أجزاء من البلاد لم يعد باستطاعتهم الآن الاستفادة من اقتصاد الحرب. فبحسب ابراهيم الأسيل وهو محلل سياسي سوري في معهد الشرق الأوسط، يقول: “يبحث أمراء الحرب الآن عن طرق مختلفة لكسب المال مع تقلص عدد المعارك”.

وأضاف: “يحتاج النظام إلى إرضاء أمراء الحرب حتى لا يبدؤوا بالقتال ضد بعضهم البعض، واعتقد أنهم يبحثون الآن عن مشاريع وأفكار مختلفة للعمل على تحقيق مكاسب مالية جديدة”.

ويرى ضاهر أن النظام يمنح أمراء الحرب والشركات الموالية له حصة مريحة من مكاسب إعادة الإعمار، ذلك للحفاظ على وجوده في السلطة. كما أصدرت الحكومة  قوانين تسمح للبلديات بإنشاء شركات قابضة مع حوافز معفية من الضرائب للمستثمرين، تشجيعاً منها للشركات الخاصة والعامة.

إعادة الإعمار تحتاج إلى المال، وسوريا ليس لديها المال

“سوريا لا يمكن أن تكون القوة الدافعة الرئيسية في عملية إعادة الإعمار” يقول ضاهر، ويضيف: “لديها تراكمات كبيرة من الديون الداخلية لمصارف الدولة وكذلك الديون الخارجية”، لذا فالحل الثالث الذي لجأت إليه الحكومة هو جذب المستثمرين في الدول الحليفة مثل #الصين و #روسيا و #لبنان.

ويرى النقاد أن المشاريع الإنمائية الممولة من الخارج قد تحقق الحفاظ على أمراء الحرب إلى جانب حكومة الأسد، لكن قد تودي أيضاً بسوريا إلى مزيد من الاضطرابات نظراً لأنها تتمحور في عملية إعادة الإعمار.

ومع تركيز الخطط والمشاريع الكبيرة لمدن مثل دمشق وحمص وحلب، يرى ضاهر أن سوريا بذلك ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه #لبنان بعد حربه الأهلية، حيث هدرت مبالغ كبيرة من الأموال على #بيروت الغنية، وعُمل على توسيع الفجوة بين المدينة الغنية والجيران الأفقر.

ويضيف: “المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كانت موجودة قبل الحرب سوف تزداد، وإن الأسباب التي دفعت الناس إلى بدء الثورة _ سواء كانت غياب الديمقراطية أو غياب العدالة الاجتماعية _ فهي الآن أكثر حضوراً، ولن تؤدي سوى إلى مشاكل مستقبلية لجيل جديد”.

ويبقى ضاهر متشائماً بسبب ممارسة النظام لعملية تقسيم الناس بحسب الطوائف والطبقات الاجتماعية مع عدم ترك أي فرصة للحفاظ على معارضة ديمقراطية حقيقية. ويرى أن بذور الحرب الأهلية الجديدة التي تزرعها الحكومة السورية هي إعادة التشكيل الديمغرافي الدقيق للأحياء، ويضيف: “إنها تبني أزمة حقيقية جديدة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.