حسام صالح

في تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول الوضع الصحي في #سوريا العام الماضي، أكدت خروج أكثر من نصف المستشفيات العامة والمراكز الصحية عن الخدمة كلياً أو جزئياً، وحتى تلك التي تعمل ماتزال تفتقر إلى المياه النظيفة والكهرباء والمسلتزمات الطبية، إضافة إلى هروب أكثر من ثلثي العاملين في مجال الرعاية الطبية، وأزمة الدواء المستمرة، فباتت سوريا أرضاً خصبةً لانتشار الأوبئة والأمراض التي تختلف باختلاف المحافظة وطبيعتها.

في هذه المادة سنسلط الضوء على الأمراض المعدية والأوبئة التي انتشرت في سوريا، حيث كان سوء التغذية والمياه الملوثة السبب الرئيسي في حدوثها، إضافة إلى نقص الأدوية واللقاحات، كما سنسلط الضوء على أبرز أماكن توزع هذه الأوبئة.

اللشمانيا في حماه

اللشمانيا أو “حبة حلب” عبارة عن مرض جلدي ينشأ عن لسعة حشرة صغيرة تسمى “ذبابة الرمل”، تلسع الإنسان دون أن يشعر بها، لا يتجاوز طولها 2 ملم، تنتقل الذبابة من مكان لآخر ضمن الأمتعة أثناء التنقل، وهي تنقل طفيلي اللشمانيا عن طريق مصه من دم مصاب إلى شخص سليم فينتقل له المرض، فتسبب تقرحات وإفرازات في الجلد، وتكبر في حالة ضعف جهاز المناعة لدى المصاب.

تشير إحصائيات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى ارتفاع عدد المصابين لحوالي 150 ألف مصاب، في كل من حلب وحماة وريف دمشق ودرعا، إضافة إلى مخيمات اللاجئين داخل سوريا وخارجها.

يقول الدكتور نزيه الغاوي مسؤول الرعاية الصحية في مديرية صحة حماه  في تصريح لموقع الحل إن “موضوع اللشمانيا في حماه ليس بجديد، حيث ترتفع الحالات حسب الجو وموجات النزوح على المنطقة، ويصعب حصر أعداد المصابين بشكل دقيق إلا أنها تحت نطاق السيطرة”.

ونفى الغاوي وجود أي أمراض معدية اخرى في المحافظة كشلل الأطفال والكوليرا والتهاب الكبد، معتبراً أن موضوع اللشمانيا يتم حله تدريجياً عبر نشر الوعي الصحي وتوفير الأدوية اللازمة.

شلل الأطفال في دير الزور

لعل أبناء محافظة دير الزور كان لهم النصيب الأكبر من هذا المرض الذي اجتاح منطقتهم، ففي عام 1999 تم إعلان سوريا خالية من هذا المرض بحسب منظمة الصحة العالمية، إلى تاريخ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، حيث تم تأكيد حدوث إصابات بفيروس شلل الأطفال في كل من دير الزور وحلب، حيث وصل عدد الحالات إلى 35 حالة، وفي عام 2014 تم التخلص منه عبر حملات التلقيح، ليعود مرة آخرى في العام 2017 بين أطفال دير الزور، حيث وثقت منظمة الصحة العالمية 50 حالة في دير الزور، كما أكد مصدر في حملة لقاح شلل الاطفال في مدينة الباب بريف حلب لموقع الحل “وجود حوالي 70 حالة موثقة بمرض شلل الأطفال، وهم من نازحي دير الزور”.

ولعل السبب الرئيسي في انتشار هذا المرض في دير الزور تحديداً بحسب الناشطين في المنطقة “منع تنظيم #داعش لحملات اللقاح بالدخول إلى المدينة، ما تسبب في انتشاره”.

ويعتبر شلل الأطفال عدوى فيروسية تصيب الأطفال وتؤثر على الأعصاب، وخاصة أعصاب الأطراف السفلية، وتتسبب بشلل كامل أو نصفي، وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات، ولايمكن التعافي منه إلا بالعلاج الفيزيائي.

حصبة والتهاب الكبد في الساحل وريف حمص

في تاريخ 11/12/2017 أعلنت مديرية صحة الساحل الحرة عبر مديرها خليل الآغا عن انتشار الأمراض السارية بين 50 ألف نازح غرب إدلب الذين قدموا من المناطق الشرقية بعد الهجمات على تنظيم الدولة.

ورصدت مديرية الصحة انتشار حالات التهاب الكبد الوبائي والحصبة والحمى المالطية، وعن أسباب انتشار حالات التهاب الكبد قال الدكتور محمد عيسى الاختصاصي في أمراض الكبد في ريف اللاذقية لموقع الحل “إنها في الغالب تأتي من المياه والأغذية الملوثة، إضافة إلى السكن الجماعي واستخدام المراحيض ذاتها كما هو الحال بين النازحين، فينتشر هذا الفيروس بسرعة”.

وأضاف أن “هذا الالتهاب من نوع (A)، يكون المصاب ناقلًا للمرض قبل ظهور الأعراض بين 10 إلى 14يومًا، ويستمر لمدة أسبوع بعد ظهور اللون اليرقاني، يحتاج في بعض الأحيان الشخص مدة شهر للشفاء منه”.

الوضع لم يكن أفضل في ريف #حمص الشمالي، فيقول نضال زغرون رئيس تمريض المركز الطبي في منطقة #الدار_الكبيرة بريف حمص في تصريح لموقع الحل إن “مرض التهاب الكبد من النوع (A) انتشر بشكل كبير في منطقة الرستن والحولة بريف حمص لعدة أسباب كان الحصار ومنع اللقاحات الدورية من أبرزها، إضافة إلى استخدام مياه الشرب من الآبار دون تعقيم والمزروعات المروية بمياه نهر العاصي”.

وعن أعداد المصابين أضاف “بحسب مديرية صحة حمص تم توثيق 10 وفيات لأطفال تحت سن الخامسة، إضافة إلى وجود نحو 12 ألف طفل معرضون للإصابة بهذا المرض جراء ضعف مناعتهم وعدم توافر اللقاحات والأدوية المناسبة”.

سوء التغذية وسرطان في الغوطة الشرقية

لعل الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أواخر العام 2013 من قبل قوات النظام كان لها النصيب الأكبر من الأمراض، نتيجة لمنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية واللقاحات، حيث ذكر تقرير صادر عن اليونيسف أن سوء التغذية وصل لأعلى مستوى له في سوريا بين الأطفال تحت سن الـ5 سنوات، ووصلت نسبته إلى 11.9% معظمهم في الغوطة الشرقية، التي وصل عدد سكانها نحو 400 ألف نسمة.

لكن في السياق ذاته، هناك انتشار لمرض السرطان الذي يؤكد أطباء عاملون في المنطقة أن سببه الرئيسي هو نقص التغذية نتيجة الحصار، إضافة لاستخدام قوات النظام السلاح الكيماوي في العام 2013 حيث بدأت نتائجها تظهر بين السكان.

وبحسب احصاءات مركز الرحمة الطبي في الغوطة الشرقية، وهو المركز الوحيد، فإن عدد مرضى السرطان الكلي يصل إلى 1200 مريض، منهم 559 قيد العلاج، تُقدّر نسبة النساء 57 %، في حين تصل نسبة الأطفال إلى 20 % من المرضى، حيث أن أدوية السرطان محصورة بوزارة الصحة التابعة لحكومة النظام ويمنع دخولها إلى الغوطة.

في إدلب الوضع مختلف

يقول الاستاذ محمد خلف من مديرية صحة إدلب لموقع الحل إن “المدينة تعتبر خالية من الأمراض السارية والمعدية، بسبب ارتفاع الوعي الصحي وتوافر المستلزمات الصحية بعكس بعض المحافظات الأخرى كدير الزور التي انتشر فيها شلل الأطفال لعدم توافر اللقاحات”.

إلا أنه وفي بحثنا عن الموضوع رصدنا فقط وجود نحو 70 حالة أصيبت بمرض جدري الماء في قرية أم نير في ريف إدلب الجنوبي، حيث عزا ناشطون سبب انتشاره إلى تراكم النفايات وتلوث المياه”.

درعا وفقدان الأدوية

الدكتور يعرب الزاغي مسؤول الترصد والانذار المبكر للأمراض في محافظة درعا قال في حديث لموقع الحل “وجدت جائحة لمرض الحصبة في المنطقة، لكن تم التخلص منها بشكل شبه كامل بعد تقديم اللقاحات من قبل منظمة #اليونيسيف، فيما يخص باقي الأمراض كالسل واللشمانيا والنكاف، ظهرت عدة حالات في منطقة الجيزة بدرعا واللجاة لكن تم علاجها، فيمكن القول أنه لايوجد أي مرض منتشر بشكل كبير في درعا”.

لكن الدكتور الزاعي لفت إلى أن “درعا تعاني من نقص كبير في الادوية خصوصاً أدوية السرطان التي تبلغ تكلفة العلاج الشهري لها حوالي الألفي دولار، كما أن أدوية التهاب الكبد للبالغين غير متوفرة، أما اللقاحات فهي متوفرة بالحدود الدنيا عن طريق منظمة اليونيسيف ووزارة الصحة التابعة للنظام”.

 أمراض نفسية تغزو سوريا بأكملها

كنتيجة طبيعية للحرب الدائرة ومشاهد القتل والدمار والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، برزت الأمراض النفسية بشكل متسارع بين السوريين، فالأرقام الصادرة عن وزارة الصحة التابعة للنظام تشير إلى وجود حوالي 400 ألف حالة بحاجة إلى دعم نفسي، في حين لايوجد في سوريا سوى 40 طبيب نفسي فقط.

في بحثنا عن الموضوع، وجدنا دراسة لجمعية “أنقذوا الطفولة” البريطانية، أكدت فيها أن 70% من الأطفال الذين أجريت معهم مقابلات في 7 محافظات سورية وخصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة يعانون من أعراض نفسية، وحالات اضطراب مابعد الصدمة، إضافة إلى ظاهرة التبول اللاإرادي، والخوف من الأصوات المرتفعة وصعوبات في النطق.

وحول موضوع الأمراض النفسية يشير الطبيب النفسي اسماعيل حسين في حديثه لموقع الحل إلى أن “أكثر من 60% من الشعب السوري بحاجة إلى دعم نفسي سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية حول الموضوع، إلا أنه يمكن الاستدلال عليها عن طريق تفشي ظاهرة الأدوية المهدئة والتي تصل إلى تعاطي المخدرات، للتخلص من الواقع الذي يعيشه الفرد وضغوطات الحياة”.

وعن أبرز الأمراض النفسية أوضح الدكتور حسين أن “هناك مرض يسمى p.t.s.d  ويعني اضطراب ناجم عن التعرض للعنف الجسدي أو الجنسي، إضافة إلى مشاهدة القتل وأصوات الانفجارات والرصاص، كما أن هناك زيادة في حالات الاكتئاب وبشكل خاص بين الإناث، واضطرابات في سلوك الأطفال التي تتحول في كثير من الأحيان إلى طابع عدواني، علماً أن سوريا في الأصل فقيرة بالأطباء النفسيين الذين لايتجاوز عددهم الـ50 طبيباً، ولايوجد فيها سوى 4 مشافي متخصصة وغير مجهزة بالشكل الكافي، وأغلب الخدمات تُقدم من خلال المنظمات الدولية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.