نشرت صحيفة لوفيغارو مؤخراً تقريراً عن #حزب_الله اللبناني مستهلةً تقريرها بوصف هذه الحركة السياسية العسكرية المستوحاة من الثورة الإيرانية بأنها أحد أكبر الرابحين من الحرب في سوريا.

عند مدخل مدينة #بعلبك في شرق لبنان نرى صور آية الله الخميني وإن كانت قد فقدت لونها. إنه وجه الرجل الذي حوّل الشرق الأوسط من خلال تأسيس نظام شيعي ثوري من خلال ثورة 1979. ولا يزال إرثه منتصراً اليوم، فقد أصبحت إيران قوة إقليمية يمتد نفوذها من الحدود الأفغانية وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. واسترجاع #البوكمال، المدينة الإستراتيجية على الحدود السورية العراقية، من أيدي تنظيم #داعش من خلال عملية مشتركة للجيش السوري النظامي وحزب الله والميليشيات العراقية الشيعية بقيادة قاسم سليماني، قد فتح الطريق واسعاً بين #طهران و #بيروت مروراً ببغداد و #دمشق.

وتحتل مدينة بعلبك في سهل البقاع شرق لبنان مكاناً مركزياً في هذا الانتصار الاستراتيجي! ففي هذه المدينة تأسست عام 1982 ميليشيا شيعية لبنانية صغيرة تحت اسم حزب الله بمساعدة مستشارين عسكريين إيرانيين. لتصبح هذه الميليشيا بعد خمس وثلاثين عاماً منظمة سياسية عسكرية قوية تهيمن على لبنان وتدير قواتها خارج الحدود موفرةً للسياسة التوسعية الإيرانية ما يكفي من الكوادر العربية المتحمسة والمدربة بشكل كامل.

حزب الله الذي بدأ مسيرته بحرب العصابات وكان من أول من لجأ إلى العمليات الانتحارية في لبنان في ثمانينات القرن الماضي، تحول اليوم إلى قوة عسكرية حديثة ملتزمة بدورها في الحرب السورية. فهو اليوم من يشرف على وحدات الجيش النظامي السوري ويدرب الميليشيات الشيعية التي تم تجنيدها من كافة أنحاء العالم ويقوم بعمليات مشتركة مع الطيران الروسي والقوات الخاصة. وبهذا الخصوص تقول أمل أسعد غريب، باحثة في الجامعة اللبنانية ومؤلفة لعدة كتب عن حزب الله، في مقابلة مع لوفيغارو: “يملك حزب الله اليوم معظم المقومات التي تجعل منه قوة إقليمية، ويمكن أن يقال عنه بأنه قوة غير متكافئة كما يوجد حروب غير متكافئة”. فقد ازدادت قدراته العسكرية بشكل كبير وهو قادر على القيام بعمليات مشتركة وحرب عصابات مضادة للثورة، كما أن لديه ترسانة من الصواريخ بعيدة المدى.

أما على المستوى الجيوسياسي، فيشير التقرير إلى أن صعود حزب الله هو مثال على الحزم والتوفيق بين أهدافه الإستراتيجية وأفعاله. فقد سمحت أساليبه، التي كانت قاسية أحيناً وخفية أحياناً أخرى، بتوسيع نفوذه ليصل إلى قلب الدولة اللبنانية وكذلك إلى خارج الحدود في نفس الوقت.

مسيرة حافلة

“من وجهة نظر العلوم السياسة، كانت مسيرة حزب الله خلال خمس وثلاثين عاماً من وجوده حافلة ومميزة. هو لم ينحرف عن السكة التي كان قد حددها لنفسه. فعدم الاعتراف بذلك ليس حتماً أفضل الطرق لمحاربة نفوذه”، يصرّح وضاح شرارة، عالم اجتماع ومؤرخ وصحفي لبناني، لصحيفة لوفيغارو. بالنسبة لخصومه، حزب الله لم يغير طبيعته. فهو على قائمة المنظمات الإرهابية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وجناحه العسكري لا يزال على القائمة السوداء للاتحاد الأوربي. والإسرائيليون، الذين لم يشعروا منذ زمن طويل بالقلق من تهديد عسكري من دولة عربية، يعتبرون هذه الميليشيا الشيعة أكثر أعدائهم خشيةً. من جهتها القوى السنية العربية، المتمثلة بجامعة الدول العربية، اعتبرت حزب الله إرهابياً واتهمته بأنشطة تخريبية وصلت إلى شبه الجزيرة العربية في البحرين واليمن.

ويوضح التقرير بأنه وبالرغم مما يتسم حزب الله من عنف وسرية، فإن هذا الحزب يتجلى منذ تكوينه في أربع هويات بحيث لا يمكن لهوية واحدة أن تكون كافية أن تعرّف هذه الحركة وإنما لكلٍ منها معنى يتكامل مع البقية:

ـ الهوية الأولى: هو حزب شيعي لبناني يستمد قوته ودعمه من الطائفة الشيعية كوريث للحركات التي ظهرت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات على الساحة اللبنانية والتي كانت تمثل وتدافع عنه هذه الطائفة. هذا التمثيل المحلي يجعل من الصعب جداً القضاء عليه عسكرياً. كما أن دوره السياسي لم يتوقف عن النمو. فهو كحليف لحزب ميشيل عون المسيحي اللبناني منذ عام 2006، يلعب دوراً رئيسياً قادراً أن يخلق وأن يحل الأزمات: فلا يمكن تشكيل حكومة لبنانية بدونه وما من أحد قادر أن يدير الحكم ضده. كما أن حزب الله منخرط في جهاز الدولة اللبنانية محتفظاً بقدرته على ممارسة السلطة مباشرةً. فبوجود وزيرين واثني عشر نائباً، يتعمد حزب الله أن يبقى تمثيله خفيفاً. أمينه العام حسن نصر الله لا يشغل أي منصب رسمي ويعيش منذ عشر سنوات في أماكن سرية. وإن كان ظهوره العلني قليلاً، فإن لقراراته أن تقرر السلم والحرب كما فعل عام 2006 في حرب الثلاثين يوماً أو عام 2012 عندما قرر التدخل عسكرياً في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد.

ـ الهوية الثانية: هو أنه حركة ثورية إسلامية شيعية. فحزب الله مرتبط منذ تكوينه بفكر وإيديولوجية الثورة الإيرانية التي تنظر للدور السياسي لرجل الدين الشيعي حول عقيدة الولي الفقيه الشهيرة. هذا الارتباط بالإيديولوجية الإيرانية يتم تعزيزه بالعلاقات العائلية القديمة جداً التي تربط الطوائف الشيعية في الشرق الأوسط. في الوقت ذاته تم بناء علاقة أخوة السلاح بين الجناح العسكري لحزب الله وبين الذراع العسكري للثورة الإسلامية الإيرانية.

ـ الهوية الثالثة: هو أنه حركة حرب عصابات ضد إسرائيل. فقد تم تشكيله في الشهور التي تلت الغزو الإسرائيلي الثاني للبنان عام 1982، حيث استطاع حزب الله أن يطوّر أدواته العسكرية بشكل هائل ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 ونصف الحرب التي شنتها على لبنان عام 2006، قد عزز كثيراً من قدرات حزب الله. فقد تمكن من تطوير تكتيكاته وأساليبه بما يتماشى مع قوة خصومه، الأمر الذي جعله يؤهل كوادر ذات خبرة. وترسانته من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى تثير قلق الإسرائيليين أكثر من أي قوة عربية أخرى.

ـ الهوية الرابعة: هو أنه حليف إستراتيجي لسوريا. فبعد هزيمتها أمام إسرائيل في لبنان عام 1982 وبعد هزيمتها في الجولان عام 1967 وكذلك في عام 1973، جعلت سوريا من حزب الله ذراعها العسكري في لبنان، وكذلك المدافع الأساسي عن مصالحها في دولة تعتبرها دمشق دائماً حديقتها الخلفية. هذا التحالف تم تعزيزه بعد أن أُجبّرت سوريا على سحب قواتها من لبنان عام 2005 بعد الحركة الشعبية “ربيع الأرز”. وبعد أن أصبح مفوض دمشق في لبنان، قام حزب الله بتنظيم كتلة موالية للنظام السوري حوله.

هذه الشراكة بين حزب الله والنظام السوري تقوم على تقارب المصالح أكثر من التحالف الإيديولوجي العميق. فحزب الله يعتمد على سوريا في كل ما يتعلق بالعمليات اللوجستية وبعلاقاته مع إيران التي تتطلب عبوراً حراً عبر الأراضي السورية، وكذلك في كل ما يتعلق بالتعاون الأمني الوثيق. وقد تعزز هذا الاعتماد المتبادل منذ تدخل حزب الله العسكري لإنقاذ نظام #بشار_الأسد. فقد أصبحت حرب العصابات التي ينفذها حزب الله قوة مضادة للثورة. إضافة إلى العمل المباشر مع القوات الروسية والإيرانية والذي قاد حزب الله إلى استرجاع المدن السورية الرئيسية في غرب سوريا كحمص وحلب عام 2016. الأمر الذي جعل من حزب الله قوة إقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.