في النيويورك تايمز: الوحشية والبيروقراطية أسباب استمرار داعش (وثائق داعش الجزء 1)

في النيويورك تايمز: الوحشية والبيروقراطية أسباب استمرار داعش (وثائق داعش الجزء 1)

نشرت صحيفة النيويورك تايمز مؤخراً تفاصيل توضّح كيف استطاعت الدولة الإسلامية #داعش البقاء في حالة سيطرة وسلطة على مناطق واسعة من سوريا والعراق، ذلك من خلال ما يقارب 15 ألف وثيقة حصلت عليها الصحيفة، من خلال مسح أجراه صحفيوها لمكاتب التنظيم خلال خمس سفرات متباينة خلال عام قاموا بها إلى #العراق، حيث سقطت الخلافة ورحل مقاتلو الدولة ليتركوا خلفهم ملفات تشرح الأسس التي عملت بها الدولة منذ اليوم الأول حتى سقوطها.

واستعانت النيويورك تايمز بخبراء خارجيين للتحقق من صحة الوثائق، كما قضى فريق من الصحفيين 15 شهراً في ترجمة وتحليل الوثائق واحدة تلو الأخرى.

بحسب التقرير، في الأسابيع الأولى التي تلت سيطرة المسلحين على الموصل جاب مقاتلوهم الشوارع، وعمل المتطرفون على كتابة القوانين التي قُرئت على مسامع السكان من خلال مكبرات الصوت في المساجد، كما طلبوا من الموظفين الحكوميين الحضور إلى مكاتبهم السابقة. وللتأكد من أن جميع الموظفين تلقوا الرسالة، تابع المسلحون معهم من خلال المكالمات الهاتفية. وبحسب التقرير: عندما حاول أحدهم التهرب من الحضور بسبب إصابة في ظهره كان جوابهم له: “إذا لم تحضر سوف نأتي ونكسر ظهرك”.

إحدى المكالمات الهاتفية تلقاها محمد ناصر حمود، موظف قديم ذي خبرة 19 عاماً في مديرية الزراعة العراقية. كان مختبئاً وعائلته خلف باب بيته المغلق. كان خائفاُ ولم يكن متأكداً مما سيفعله. حتى قرر أخيراً هو وزملائه الوصول بجهد إلى المبنى المكون من ستة طوابق والذي يضم مكاتبهم حيث كان مزيناً بملصقات للمزروعات الهجينة.

وصلوا ليجدوا مقاعد تراصفت بشكل لطيف كأنها حضّرت لإلقاء محاضرة. جلس القائد مواجهاً للغرفة، ومدّ ساقه بطريقة تكشف للجميع عن المسدس المثبت على فخذه. الأصوات الوحيدة التي كانت تسمع هي غمغمة الصلوات المتعجلة تحت أنفاس الموظفين المرعوبين.

وبحسب التقرير، بالرغم من لهجة التهديد التي تحدث بها القائد، إلا أن مخاوف الموظفين كانت بلا أساس. فقد كان لديه طلب مفاجئ وهو استئناف العمل مباشرة. وإخبارهم بوضع ورقة تسجيل الدخول عند مدخل كل قسم. ومعاقبة من لم يحضر.

ويوضح التقرير أن اجتماعات من هذا القبيل عقدت في كل أنحاء الأراضي الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية في العام 2014. وسرعان ما عمل موظفو البلدية على إصلاح الحفر وطلاء ممرات المشاة وإصلاح خطوط الكهرباء والإشراف على جداول الرواتب.

أما عن موقف الموظفين قال السيد حمود: “لم يكن لدينا خيار آخر سوى العودة إلى العمل، لقد قمنا بنفس العمل كما كان من قبل، إلا أننا الآن نخدم جماعة إرهابية “.

وبحسب الصحيفة: أسس المقاتلون، ذوي الشعر الأشعث والذين انطلقوا من الصحراء منذ أكثر من ثلاثة سنوات، دولة لم يعترف بها أحد سواهم. ومع ذلك، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أراضٍ بحجم بريطانيا في وقت ما، حيث يقدر عدد سكانهم بحوالي 12 مليون نسمة. وكانت ذروة الأراضي تشمل خطاً طوله 100 ميل في ليبيا، وقسماً من غابات نيجيريا التي تفتقر إلى القانون، ومدينة في الفلبين، فضلاً عم مستعمرات في 13 بلداً آخر على الأقل. إلا أن أكبر المدن التي كان التنظيم يحكمها كانت مدينة الموصل.

هكذا انتشرت داعش عبر العراق وسوريا

منذ إعلان الخلافة في العام 2014، سيطرت الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، لكنها خسرت تقريباً جميع أراضيها بعد أن انسحبت المجموعة من الموصل والرقة في العام 2017.

وبحسب التقرير، ما خلّفه المسلحون من وثائق تساهم في الإجابة عن السؤال المقلق المتمثل بطول فترة صمودها: كيف تمكنت المجموعة من الاحتفاظ بالأراضي لفترة طويلة بالرغم من لفتها أنظار العالم بأكمله من خلال أعمال العنف التي نفذتها؟

الوثائق التي تتضمن الإجابة سحبت من أدراج ورفوف المكاتب التي كان المقاتلون يجلسون خلفها في مراكز الشرطة الخاصة بهم، ومن المحاكم، ومن خزائن معسكرات التدريب  ومنازل أمرائهم. من ضمن الوثائق كان سجل يشرح تفاصيل اعتقال صبي في الرابعة عشر من عمره بسبب قيامه بالشغب أثناء الصلاة.

واستعانت النيويورك تايمز بخبراء خارجيين للتحقق من صحة الوثائق، كما قضى فريق من الصحفيين 15 شهراً في ترجمة وتحليل الوثائق واحدة تلو الأخرى.

وبحسب التقرير، كل وثيقة تمثل تفاعلاً روتينياً واحداً، مثلاً: نقل ملكية أرض بين الجيران، أو بيع طن من القمح، أو غرامة لباس غير شرعي. لكن جميعها سوية تكشف عن العمل الداخلي لنظام الحكم المعقد. كما تظهر الوثائق أن المجموعة وصلت إلى حلمها ولو لفترة محدودة وهو: إقامة دولتها الخاصة، وهي دولة دينية تعتبرها خلافة تعمل وفق تفسيرها الدقيق للإسلام.

وأوضح التقرير أن الدولة الإسلامية التي عرفت بوحشيتها لم تكن تحكم بالسيف وحده، فقد استخدموا اثنين من أدوات السلطة التي تكمل بعضها وهي: الوحشية والبيروقراطية.

أسست داعش حالة من الكفاءة الإدارية من خلال جمع الضرائب ونقل القمامة. وأدارت مكتباً للزواج أشرف على الفحوصات الطبية لضمان تمكن الأزواج من إنجاب الأطفال. أصدروا شهادات ولادة مطبوعة على أوراق ممهورة بختم الدولة الإسلامية للأطفال المولودون تحت راية الدولة السوداء.

وبحسب لقاءات أجرتها الصحيفة مع أشخاص عاشوا في ظل حكم المجموعة، أوضحوا أنها في بعض الأحيان أثبتت قدرتها على الإدارة، كما قدّمت خدمات أفضل من الحكومة التي حلّت محلها.

كما رجّحوا أن المسلحين تعلّموا من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العام 2003 بعد غزوها للعراق، بما في ذلك قرارهم بعزل أعضاء حزب صدام حسين من مناصبهم ومنعهم من العمل بعد سقوطه. القرار الذي نجح في محو الدولة البعثية، إلا أنه أدى أيضاً إلى تدمير المؤسسات المدنية في البلاد، ما خلق فراغاً في السلطة سارعت جماعات مثل داعش إلى ملئه. فقد بنوا دولتهم على ظهر الدولة التي كانت من قبل، واهتموا بالخبرة الإدارية لمئات الكوادر الحكومية. كما تبين من النظر إلى الطريقة التي حكمت بها المجموعة على وجود نمط من التعاون القسري بين المسلحين والمدنيين.

ويكشف التقرير أن أحد مفاتيح نجاح المجموعة هو تنوع المصادر التي استمدت عائداتها منها، حيث لم تكن الضربات الجوية وحدها كافية لشل قدراتها.

بحسب سجلات الحسابات، ووصول الاستلام والميزانيات الشهرية، استفاد المقاتلون من كل شبر من الأراضي التي سيطروا عليها. فرضوا ضرائب على كل كيس من القمح، وكل ليتر من حليب المواشي، وكل بطيخة بيعت في الأسواق. فمن الزراعة وحدها حصدوا مئات الملايين من الدولارات. وعلى العكس مما يعتقد الجميع، فإن المجموعة اعتمدت على التمويل الذاتي ولم تكن معتمدة على متبرعين خارجيين.

وأكثر ما يدعو للدهشة، أن الوثائق تقدم أدلة على أن إيرادات الضرائب التي حصدتها الدولة الإسلامية تجاوزت بكثير إيرادات مبيعات النفط. فكانت الزراعة والتجارة هي الداعمة لاقتصاد الخلافة وليس النفط.

وقد قصف الائتلاف الذي تقدوه الولايات المتحدة المنشآت النفطية في مناطق سيطرة الدولة الإسلامية في محاولة لخنق المجموعة وطردهم. كان من الصعب جداً قصف حقل الشعير، فتمكنت المجموعة من الصمود حتى الصيف الماضي حيث تخلى المسلحون عن الموصل بعد معركة ضارية وصفت بأنها أسوأ قتال وقع بعد الحرب العالمية الثانية.

وبحسب فواز جرجس، مؤلف كتاب “داعش: تاريخ “، قال: “نحن نرفض الدولة الإسلامية على أنها وحشية، إنها متوحشة. نحن نرفضها على أنها بربرية. إنها بربرية. لكن في الوقت نفسه فقد أدرك هؤلاء الأشخاص الحاجة إلى الحفاظ على المؤسسات” . وأضاف: “إن قدرة الدولة الإسلامية على الحكم هي خطيرة تماماً كما مقاتليها”.

أراضٍ للأسر

بعد يوم من الاجتماع الذي حضره السيد حمود _ السني المذهب _ عاد إلى عمله ليجد نسبة العاملين السنة في القسم 100%، وهي ذاتها طائفة المسلحين. في حين فرّ جميع زملائه الشيعة والمسيحيين الذين كانوا يشاركونه المكتب.

ويوضح التقرير أن السيد حمود والموظفين الذين كان يشرف عليهم في قسم الزراعة عملوا لفترة بالجهد ذاته الذي كانوا يمارسونه من قبل. حتى الأوراق الرسمية التي كانوا يستخدموها للتدوين لم تتغير، لذا أمروا أن يضعوا علامة تغطي شعار الحكومة العراقية المطبوع على الورق.

إلا أن الرجال الملتحين والذين كانوا يشرفون على إدارة السيد حمود جاؤوا بخطة بدؤوا بتفعيلها ببطء. فقد كان تأسيس الخلافة حلم الجهاديين لأجيال متتالية، وكان أسامة بن لادن قد تحدث مراراً وتكراراً عن ذلك. كان هدفهم إعادة بناء المجتمع الذي كان موجوداً منذ ألف عام في عهد النبي محمد.

ويشير التقرير إلى أن مديرية الزراعة في الموصل تحول اسمها إلى ديوان الزراعة، والذي يمكن ترجمته إلى وزارة الزراعة، حيث يعود مصطلح “ديوان” إلى أحد الخلفاء الأوائل الذين حكموا في القرن السابع.

طبع تنظيم داعش أوراقاً جديدة وسمت لـ 14 مكتباً إدارياً على الأقل، حملت اسم ديوان ليتبعه اسم مثل التعليم والصحة، ثم افتتحت دواوين لأقسام لم يسمع بها الناس من قبل. مثل ديوان الحسبة: الذي تعلموا بعدها بأنه شرطة الأخلاق المرعبة، ديوان آخر لنهب الآثار والمخصص لـ “غنائم الحرب”، فالأشياء التي تغيرت في ديوان السيد حمود كتغييرات تجميلية سرعان ما تحولت إلى تغييرات شاملة.

بحسب التقرير، فقد أغلق المسلحون مركز الرعاية النهارية وأرسلوا الموظفات الحكوميات إلى منازلهن للأبد. كما أغلقوا القسم القانوني للمكتب بذريعة أن النزاعات سوف تتم معالجتها بعد الآن وفق قانون الله وحده، كما تخلّوا عن أحد المهام اليومية لجهاز موضوع في الخارج مهمته قياس هطول الأمطار، بحجة “من نحن لكي نقيس هبة الله لنا؟”

تحدث الموظفون أنه لم يعد بإمكانهم الحلاقة، وكان لا بد لهم من التأكد أن ساق بنطالهم لم يصل إلى الكاحل، حيث طبع بعض القائمين على هذه التفاصيل في داعش كراسات تشرح تفاصيل ومسميات أجزاء الأرجل، ليحددوا من خلالها الحد الذي يجب أن تصله الملابس كتلك التي كان يرتديها حاشية النبي قبل 1400 سنة. ما استدعى من حمود وزملائه التوقف عن شراء شفرات الحلاقة. وإخراج الملابس التي كان قد أهمل ارتدائها في العمل وطلب من زوجته تشذيبها 5 سنتمترات.

التغيير الأكبر _ بحسب الصحيفة _ كان بعد خمسة أشهر من الحكم، حيث تحول المئات من الموظفين المكرهين على العمل تحت ظل الجماعة إلى شركاء مباشرين في جرائمهم. فقد تضمن التغيير الإدارة ذاتها التي ترأسها حمود، والتي كانت مسؤولة عن أيجار الأراضي التي تعود ملكيتها للدولة للمزارعين. ولزيادة العائدات، أمر المسلحون الإدارة الزراعية بتسريع عملية استئجار الأراضي، فتعرضوا لضغوط العمل في فترة بعد الظهيرة لينجزوا أعمال تستلزم أسابيع لإتمامها. تلك كانت فقط البداية.

إلا أن تأجير الأراضي لم يتوقف عند تلك التي تمتلكها الحكومة. فبحسب التقرير، وضعت تعليمات في دليل مكون من 27 صفحة عنون باسم “الخلافة على طريق النبوة”، لخص خطط المجموعة للاستيلاء على أملاك المجموعات الدينية التي طردتها داعش واستخدمت أملاكهم كرأس مال لبذرة الخلافة. ويوضح الدليل أن: “المصادرة” سوف تطبق على ممتلكات كل فرد شيعي أو مرتد أو مسيحي أو نصيري أو يزيدي اعتماداً على أمر قانوني صادر بشكل مباشر من وزارة القضاء.

يرى أعضاء الدولة الإسلامية أنفسهم المؤمنين الحقيقيين الوحيدين، وهم حصراً من السنة. أمروا مكتب السيد حمود بإعداد قائمة شاملة للممتلكات التابعة ملكيتهم لغير السنة، والسيطرة عليهم ليتم إعادة توزيعها.

ويشير التقرير إلى أن المصادرة لم تقف عند حد أراضي ومنازل العائلات التي طردوها، إنما أنشؤوا وزارة بأكملها أطلقوا عليها اسم “وزارة غنائم الحرب” لجمع وإعادة توزيع الأسرّة والطاولات ورفوف الكتب، حتى الشوك التي أخذها المسلحون من مطابخ المنازل التي استولوا عليها.

كان مقر الوزارة مبنى حجري يقع غرب الموصل، أصابته غارة جوية لتلتهم النيران معظم ما فيه، إلا أن الهياكل المتفحمة تحكي قصته. فكل غرفة من المبنى كانت بمثابة مستودع للأغراض المنزلية العادية مثل: مستودع لسخانات الكيروسين، وآخر لمواقد الطبخ، مكيفات الهواء وخزانات المياه في آخر.

وقد أوضحت الوثائق القليلة التي نجت من الحريق كيف كانت تمنح تلك الأغراض كمكافئة لمقاتلي التنظيم.

تعهّدت الدولة الإسلامية بالاعتناء بأفرادها. من ضمن ذلك تقديم السكن المجاني للمجندين الأجانب، الأمر الذي كان يجذبهم للخلافة.

حصلت الصحيفة على تقرير المحكمة الجنائية في باريس يتضمن رسائل الكترونية كتبتها شابة فرنسية إلى معلمها في الثانوية تدعى كاهينا الحدرة، التي انضمت إلى التنظيم عام 2015، جاء فيها: “لدي شقة مفروشة بالكامل، أنا لا أدفع إيجار ولا فواتير ماء أو حتى كهرباء. إنها حياة طيبة، لم أشتر أي شيء ولا حتى شوكة طعام. وعندما ردّ عليها المعلم بأن تلك الشقة قد تكون مسروقة من عائلة أخرى أجابته: “شيعي قذر !!”

وبحسب سجلات الشرطة، فإن السيدة الحدرة هي الزوجة الحامل لأحد الانتحاريين الذين فجرا نفسيهما في قاعة حفلات باتاكلان خلال هجمات باريس عام 2015.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة