حسام صالح

#الغوطة الشرقية أو “خاصرة دمشق” من أوائل المناطق التي انتفضت ضد النظام السوري وتحررت مدنها تباعاً، فاستخدم ضدها كافة أنواع الأسلحة التقليدية والكيماوية وسط حصار خانق لسنوات، وبقيت الغوطة آخر معقل كبير للمعارضة قرب العاصمة، وأصبحت اليوم بشكل شبه كامل تحت سيطرة قوات النظام، وسط اتفاق على تهجير سكانها إلى الشمال السوري برعاية روسية، لتطوى بذلك صفحة من تاريخ الثورة السورية بعملية تغيير ديموغرافي، ويدخل النظام وقواته على أنقاض مدنها المدمرة.

بذلك تبدأ الغوطة بالدخول في مرحلة جديدة من الصراعات على النفوذ بين الدول الحليفة للنظام، فمالذي يحدث حالياً في الغوطة الشرقية؟ ومامصير ماتبقى من سكانها المحليين؟ وهل سيبداً النظام بمرحلة إعادة الإعمار كما صرحت مجلس وزرائه قبل أيام ؟

اعتقالات وبحث عن الأنفاق

معظم الناشطين في المنطقة امتنعوا عن الحديث عما يحدث في الغوطة حالياً خوفاً من النظام المسيطر، وفضلوا السكوت إلى أن يخرجوا إلى المناطق المحررة، ومن خلال التواصل مع الناشط عبد السلام الدمشقي الذي وصل إلى #إدلب مع “دفعات الأوسط” كما أسماها، قال لموقع الحل “هناك غياب لأشخاص مدنيين من داخل الغوطة بعد أن بقوا فيها ورفضوا الخروج إلى الشمال، نحاول التواصل بشكل يومي مع العديد منهم، ولا نحصل على رد وذلك بعد استدعائهم للتحقيق من قبل سلطات النظام”.

وأضاف الدمشقي “بمجرد دخول عناصر النظام لتسلم النقاط داخل الغوطة الشرقية، كان هناك أشخاص ملثمون يدلون قوات النظام على أماكن الأنفاق ومخابئ الأسلحة، إلا أن فصائل المعارضة التي خرجت حرقت تقريباً كل ماتملك من وثائق وأوراق تخصها”.

حلب ثانية

لم يخف النظام نيته في تهجير كل من ثار ضده، وبالأخص سكان الغوطة الشرقية لقربهم من العاصمة دمشق، وتشكيلهم تهديداً مستمراً على أمن النظام، فبدأ مسلسل التهجير في داريا، تلتها كل من الزبداني ومضايا في ريف دمشق الغربي، وصولاً إلى منطقة وادي بردى وبيت جن وبذلك استطاع النظام إفراغ ريف دمشق الغربي بأكمله، ثم تفرغ لغوطة دمشق، لتهجير سكانها.

ويجمع المحللون السياسيون والعسكريون على حد سواء على أن هذه العمليات تتم بتنسيق روسي كامل ومن ورائه إيران، فلا ترغب إيران بالظهور مباشرة في أية مفاضات لكونها مرفوضة من الشعب السوري، فيما روسيا هي أخف وطأة ويمكن التفاوض معها.

يرى المحلل العسكري العميد أحمد رحال أن “النظام وروسيا يرفضان خروج أية من الفصائل إلى الجنوب السوري أو القلمون، على الرغم من تعثر المفاوضات أكثر من مرة مع جيش الإسلام في دوما، فروسيا لاترغب في وجود أي قوة عسكرية تهدد وجود النظام بالقرب من دمشق، وبالتالي أي وصول لأي قوة عسكرية للجنوب سيصعب المهمة وحسم المعركة في الجنوب السوري، على الرغم من التحفظات على جبهة الجنوب ومدى قدرة النظام وروسيا على شن حملة عسكرية على المنطقة لقربها من الحدود الإسرائيلية”.

إعادة إعمار وتعفيش!

قبيل انتهاء عملية تهجير لسكان الغوطة الشرقية، روّجت وسائل إعلام النظام لمسألة إعادة إعمار الغوطة الشرقية، وجاء في الاخبار الواردة أن “مجلس وزراء النظام وضع خطة لإعادة إعمار تنموية وخدمية وعمرانية وتنظيمية واستثمارية شاملة”، حيث أكد المجلس على أن ” إعادة الإعمار يجب أن تكون بالشكل الذي يحافظ على هويتها الزراعية والحرفية ويتوافق مع محددات التخطيط الإقليمي، بالإضافة إلى وضع خطة منظمة لعودة الأهالي المهجرين مدنهم وقراهم”.

في هذا السياق يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق “ز. ع” لموقع الحل إن “اجتماع الوزارة لبحث مسألة إعادة الإعمار أمر مضحك، البنى التحتية شبه مدمرة، ولايوجد شيء اسمه مؤسسات دولة ليعاد تفعليها والعمل بها، كما إن المدن أصبحت شبه خالية من المدنيين، فلمن ستقدم الخدمات”.

وأشار إلى نقطة أساسية وهي “إلى أن سيذهب كل هذا الركام وآثار الدمار؟ وكيف سيعاد تدويرها، ورفع الأنقاض؟ هذه مسألة تحتاج لسنوات ومئات الملايين من الدولارت، وكل ما يقال عن إعادة إعمار هو كلام للاستهلاك المحلي، فلا النظام لديه الإمكانات المادية لهذه المسألة، ومدينة داريا هي خير دليل على ذلك، فماذا فعل النظام منذ أن سيطر عليها وهجر سكانها؟”.

على الجانب الآخر، باتت مناطق الغوطة الشرقية بعد تهجير سكانها، مستباحة لجنود النظام والمليشيات الموالية له، حيث أشارت مصادر من داخل الغوطة الشرقية لموقع الحل أن “عمليات السرقة التي تمت كانت ممنهجة، فكل مجموعة من جنود النظام استلمت حياً أو شارعاً وقامت بسرقته كاملاً، وتم نقل المسروقات إلى ضاحية الأسد وجرمانا”.

ماسبب سقوط الغوطة الشرقية؟

في هذا السياق عرضت المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، في دراسة مفصلة لها حملت اسم “”بعد الغوطة الشرقية.. الثورة لم تربح والنظام انتصر على نفسه”، أسباب سقوط الغوطة الشرقية بأيدي النظام بعد 7 سنوات من الثورة، ولخصتها في أسباب فكرية “تتمثل بالصراع الإيديولوجي بين فصائل الغوطة الشرقية بنموذجيه (السلفي والإخواني) ومبتعداً في نفس الوقت عن التيار الثوري الجامع الأمر الذي أدى إلى اختلاف وتناحر بين فصائل الغوطة أوقع بينها العديد من المواجهات الدامية”

ويضاف إلى ذلك سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها النظام وحلفاؤه في السيطرة على المليحة والقطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية بين عامي 2014-2016، وأخيراً استخدام سياسة الأسد الزاحف مع حلفائه الروس التي تتفوق على سياسية الأرض المحروقة لناحية العنف والإجرام، وهي السياسة التي استخدمها الروس ضد النازيين الألمان في الحرب العالمية الثانية.

وأضافت الدراسة “أما الأسباب الخارجية المباشرة لسقوط الغوطة فتعود إلى الاتفاق الروسي التركي الأخير حول #عفرين، حيث سكتت تركيا عن الحملة العسكرية المشتركة من قبل روسيا والنظام في سوريا ضد فصائل الغوطة الشرقية، في مقابل السكوت الروسي عن العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها تركيا مع بعض فصائل المعارضة في مدينة عفرين ضد القوات الكردية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.