رجا أمين

“موازنة #حزب_الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في #إيران”، هذا ما قاله #حسن_نصر_الله في خطاب له قبل عامين، في اعتراف علني بمصدر تمويل حزب الله لم يفاجئ إلا السذَّج.

لكن هذا التصريح لا يعني بأن كل تمويل الحزب يأتي من إيران، فللحزب على ما يقول العارفون استثماراته وتجارته التي تؤمن له دخلاً مستقلاً ومستداماً، فبينما يقدَّر التمويل الإيراني للحزب (باستثناء التدخل في سوريا) بـ 700 مليون دولار سنوياً، يرجح بعضهم أن مداخيل حزب الله من استثماراته قد تجعل الرقم الإجمالي يقارب المليار دولار.

الاستثمارات المحكي عنها متعددة، منها ما هو قديم من عمر الحرب الأهلية في لبنان: إنتاج وتجارة المخدرات، بما في ذلك الحشيش اللبناني المشهور والذي تتم زراعته على نحو رئيسي في البقاع الشمالي حيث السيطرة تامة لحزب الله. وأمسى #نوح_زعيتر صاحب الولاء العلني لحزب الله شخصية تلفزيونية.. هو راعي زراعة الحشيش في المنطقة يرافقه جيش مصغر من الرجال المسلحين بترسانة علنية من الأسلحة الفردية والمتوسطة.

ويلحق بالحشيش صناعة الحبوب المخدرة كالكبتاغون الشهير والذي لا يتطلب الكثير من الجهد كالزراعة، فالأمر يتطلب بعض الآلات وتوفر المواد الكيميائية الأولية بالإضافة طبعاً إلى خبرة تصنيعية لم يكن الحصول عليها صعباً. وتورط في تصنيع الكبتاغون والتجارة فيه هاشم الموسوي شقيق حسين الموسوي النائب في مجلس النواب اللبناني عن حزب الله.

هذه الصناعة امتدت تجارتها لتطال #السعودية و #العراق ومن ثم #سوريا وصولاً إلى أميركا اللاتينية بالإضافة إلى دول أخرى، مما كاد يؤدي إلى مشاكل ديبلوماسية مع الدولة اللبنانية العاجزة عن ضبط هذه التجارة، فنوح زعيتر سابق الذكر، يظهر في برامج تلفزيونية لبنانية متكلماً عن نشاطه متأبطاً سلاحه دون أن يستطيع أحدٌ أن يمس شعرة من رأسه.

استثمار آخر يقوم به الحزب عبر مناصريه وشبكة كبيرة بين أوساط الشيعة اللبنانيين المقيمين في دول أفريقيا مثل ساحل العاج وغانا، هي تجارة السيارات المستعملة التي يتم شراؤها عبر وسطاء مشابهين في الولايات المتحدة لتشحن إلى أفريقيا ثم يعاد شحن جزء منها إلى لبنان والعراق، ما يؤمن أرباحاً كبيرة للحزب وشبكاته ويوفر سبلاً ضرورية للتهريب وتبييض الأموال.

ما يسهل هذه العمليات كتأمين المواد الكيميائية الأولية والآلات لصناعة المخدرات، وتجارة السيارات المستعملة، هو السيطرة الأمنية لحزب الله على مفاصل الدولة وتغلغل موظفيه وموظفي حليفته حركة أمل في سائر دوائر ووزارات الدولة وأجهزتها الأمنية، فسيطرة الحزب على مطار بيروت باتت أمراً مفروغاً منه بين أوساط اللبنانيين وحتى السوريين العابرين عبر هذا المطار والمقيمين في لبنان.

وبالكلام عن السيطرة على المطار، يأتي الحديث عن تجارة أخرى، إذ يمكن بسهولة ملاحظة وجود متاجر تتركز في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، توفر أجهزة كهربائية وإلكترونية كأجهزة الكومبيوتر والكاميرات الاحترافية على سبيل المثال لا الحصر، بأسعار مخفضة توازي تلك الأسعار التي تشاهد على مواقع عالمية مثل “أمازون”. الغريب في الأمر أن الكومبيوتر الذي يباع في أمازون ومتجر في الضاحية بـ 600 دولار مثلاً، يباع لدى وكيله وفي المحلات العادية في لبنان بـ 900 دولار، فمن أين يأتي هذا الفارق؟

الوكيل والمحل العادي يبيع الجهاز بـ 900 دولار بعد أن يستورده شرعياً ويدفع عنه كل الرسوم الجمركية والقانونية الرسمية ليزيد بعدها هامش ربحه، أما في حالة متجر الضاحية فهو يتزود بموجوداته من خلال تاجر أكبر له علاقاته أو ارتباطه بالحزب يستورد هذه البضائع دون أن يدفع الرسوم الجمركية، فهو يدخلها عبر مطار بيروت بما للحزب من سيطرة وعلاقات مع بعض الرشاوى التي لا بد منها لتباع في متاجر معينة بأسعار لا يستطيع التاجر اللبناني العادي أن ينافسها مهما خفض من هامش ربحه.

ويعتقد بشكل شبه أكيد أن شركات تقنية لبنانية سعت بهدف تجنب الإفلاس أو التراجع الحاد في أرباحها، كما بسبب طمعها في الأرباح المرتفعة، إلى التعاون مع شبكات مماثلة، فهي تستورد رسمياً وقانونياً 1000 جهاز كومبيوتر على سبيل المثال ولكنها تبيع 3000 جهاز! معوضة الفارق من شبكة التهرب وبهذا تحقق أرباحاً أعلى، فبضاعتها ستبقى مرغوبة من قبل فئة واسعة من المشترين، كالجهات الرسمية والمنظمات الدولية والمصارف… التي تريد أن تتعامل مع شركات كبيرة تقدم فواتير رسمية وخدمات ما بعد البيع.

كل هذه النشاطات تؤمن مداخيل مستمرة ومباشرة للحزب، ولكن أيضاً هناك فائدة جانبية لا تقل أهمية وهي تأمين “تنفيعات” مجزية ودورية للمستفيدين والوسطاء ومحيطهم الاجتماعي، ما يعزز ولاءهم للحزب وتعلقهم به، وتطال هذه التنفيعات حتى من هم خارج البيئة الشيعية للحزب حيث الحلفاء والمريدون من موظف في المرفأ أو مراقب في المطار… إلخ، فالأمر يتعدى المصالح المالية الحيوية ليطال توريط الحلفاء في الفساد وكسب تعلقهم وولائهم الأمر الذي يبقى ضرورياً بدوره.

بطبيعة الحال دائرة المستفيدين من هذه التجارات بدأت كالعادة من أفراد الحلقة الضيقة الملتصقة برجالات الحزب من أبناء وأشقاء وأولاد عم، فبدأت مظاهر الثراء والترف غير المعتادين بالظهور على هؤلاء، وبات من المستحيل إخفاء التغير في أنماط عيشهم الباذخ، ما أدى إلى تغربهم عن القاعدة الشعبية للحزب التي عرفتهم أصلاً كمقاومين كانوا محدودي الدخل وزاهدين في المظاهر والنفقات.

الولايات المتحدة الأميركية إلى جوار دول أخرى لم تكن غائبةً عن هذا النشاط، فرصده وضبطه تم مرات عديدة وكان الحل المتبع من قبلهم لخنقه والقضاء عليه – باعتباره شريان حياة للحزب الذي يوصف أميركياً بالإرهابي (على الأقل ما يسمى جناحه العسكري) – هو منع حرية الحركة المصرفية للحزب ووسطائه، الأمر الذي سيتم تناوله في المقال القادم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة