نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً لكاتبه تامر الغباشي، يتحدث فيه عن رحلةٍ قام بها إلى مدينة #الرقة السورية، المعقل السابق لتنظيم الدولة الإسلامية #داعش، تلك المدينة التي شهدت صراعات مختلفة وتبعت لسيطرة عدة جماعات مسلحة وفق الصحيفة، فكتب:

كانت مدينة الرقة السورية ساحةً لحرب مكثفة بين الأطراف الرئيسية في الحرب الأهلية المدمرة التي دامت سبع سنوات في سوريا. فقد شهدت المدينة خلال تلك الفترة ثلاث مراحل مختلفة، أولها عندما سقطت المدينة من يد الحكومة السورية ليحكمها الثوار، وثانيها عندما سيطر فدائيو الدولة الإسلامية عليها ليعلنوها عاصمة لهم، وأخيراً قوات سوريا الديمقراطية، المكونة من المقاتلين العرب والأكراد، حيث تمكنوا بدعم من السلاح الجوي الأمريكي من دحر داعش وتسوية المدينة إثر عمليتهم.

أما عن الأوضاع في المدينة، فأوضح الكاتب أن الرقة الآن معزولة بشكل استثنائي عن بقية المدن، فلا خطوط هاتف تعمل، ولا أبراج الهواتف النقالة تعمل. أما المسؤولون عن إدارة المدينة فهم مجلس مدني منحاز إلى قوات سوريا الديمقراطية، مركزهم الإداري في مدينة #عين_عيسى التي تبعد مسافة ساعتين عن الرقة، والتي لا يستطيع سكانها تحمل تكاليف السفر إليها. فيما أعضاء المجلس المدني لا يمكنهم التواصل مع نظرائهم في الرقة إلا من خلال اللقاء الشخصي مع القيادات، الأمر الذي يستغرق منهم 4 ساعات سفر وأحياناً يمتد ليصل إلى يومين .

حتى بالنسبة لي – أضاف الكاتب – كمراسل أجنبي ذو موارد جيدة كانت الرحلة اليومية إلى الرقة من مدينة كوباني الكردية مرهقة جسدياً ومليئة بالقلق، خاصة عند نقاط التفتيش الأمنية. فالرحلة تستغرق أربع ساعات تقريباً مع العلم أن عين عيسى تقع في منتصف الطريق.

أما بالنسبة للمقيمين في الرقة، وخلال سنوات احتلال الدولة الإسلامية لمدينتهم، فكانت الرحلة شاقة وعجيبة وكأنهم ينتقلون إلى الجانب الأخر من الكرة الأرضية. لكن اليوم يتعين على سكان الرقة العرب تحمّل البيروقراطية المكثفة للحصول على إذن من السلطات التي يهيمن عليها الأكراد لمغادرة المدينة، ليواجهوا بعدها أزمة تكاليف النقل الباهظة لمن لا يملك وسيلة نقل خاصة به، وليواجهوا بعدها صدمة ثقافة، إن لم يكن حضارة، إثر الحصار والانقطاع عن العالم الخارجي لسنوات.

بحسب الكاتب: البطريرك يحيى الهيون البالغ من العمر 60 عاماً من عمع ائلة مكونة من 22 فرداً، اضطروا لبيع كل ما يملكونه لجمع مبلغ 25000 دولار لإعادة بناء منزلهم ومطعمهم المعروف باسم “أبو حيون” الذي يقدم وجبات المشاوي منذ 50 عاماً، حيث صمم يحيى على إعادة إحياء مطعم العائلة. وبعد تأمينه المبلغ اللازم واجه صعوبة أخرى وهي عدم توفر مواد البناء في الرقة.

أمضى أسابيع وهو يسعى لتأمين الأوراق التي يحتاجها لمغادرة الرقة والتوجه إلى كوباني، حيث جهّز له أحد الأصدقاء المواد. وخلال الـ 4 ساعات التي أمضاها على الطريق بين المدينتين، دهش لما رآه، حيث تغيرت أمامه المناظر من أكوام من الركام والحطام في الرقة إلى التلال الخضراء المحيطة بعين عيسى. وكلما اتجه نحو الشرق وكوباني، تعجب من القرى الريفية على الطرقات، كيف تحتضن وديانها قطعان الجمال والأغنام بسلام. فالتذكارات الوحيدة التي بقيت من الحرب هي قوافل القوات الأمريكية الخاصة المنتقلة على طول الطريق السريع على متن سيارات الدفع الرباعي الضخمة ذات الألوان الترابية.

وعن موقفه مما رآه قال للكاتب: “لقد كان عالماً مختلفاً”، وأضاف: “في عالمي، كنا نبيع خمسة كيلو غرامات من الكباب أو عشرة، ثم نغلق المطعم بقية اليوم بسبب غارة جوية في مكان قريب. لقد اعتدنا على الحرب، واعتقدنا أن كل السكان في البلاد يعيشون حياتنا ذاتها وبالأسلوب ذاته”.

بالرغم من انقطاعه عن العالم الخارجي بسبب القيود الصارمة التي تفرضها الدولة الإسلامية على القنوات الفضائية والإنترنت، عرف يحيى من خلال نشرات الأخبار الدعائية التي تديرها الدولة الإسلامية وقوع معركة “ملحمية” في مدينة كوباني في العام 2015، فتوقع أن يرى أشياء مألوفة هناك: الأنقاض والدمار.

لكن وبحسب المقال، فقد صدم لما وجد المدينة عليه. فبالرغم من شدة القتال في كوباني، إلا أن المدينة استطاعت أن تلتقط أنفاسها واستعادت الحياة، فلم تكن العلامات النموذجية للحرب موجود،, كالمباني المحطمة والمثقّبة بالرصاص.

كما صدم يحيى لرؤيته اثنين من الحانات ومحلات الخمر. فقرر البقاء وتناول المشروب بعد تأمينه مواد البناء التي يحتاجها. وقال ضاحكاً: “لقد أطلقت النار على الويسكي وشربت هاينكن” وأضاف: “كان يتوجب علي أن أتغلب على الصدمة بطريقة ما، فلسنوات كان كل ما نسمعه هو كوباني، كوباني، كوباني، وأرى اليوم كوباني وكأنه لم يحدث بها شيء”.

بعد عشرة أيام في الرقة وما حولها، بدأت رحلة الكاتب نحو الحدود بين سوريا والعراق، والتي استغرقت يومين. وكلما اتجه شمالاً، أصبح المحيط أكثر معاناة من الصراع، فكانت مضخات النفط تنتشر عبر الطرقات بين التلال وفي المزارع.

وأشار الكاتب أنه بمجرد وصولهم إلى الحدود، وفي انتظار لحظة عبور نهر #دجلة من المناطق الكردية في سوريا إلى كردستان العراق بقارب خشبي، كان هناك مشهد آخر مثير نُقش في ذاكرته لإحدى الصراعات السورية الكثيرة. فقال: “تجمع حشد كبير من الشعب الكردي والمقاتلين لإحياء حفل تكريم رجل كردي عراقي مات بسبب القتال في بلدة #عفرين الواقعة شمال غرب سوريا خلال الهجوم التركي على المدينة. فتوقفت جميع القوارب المتجهة إلى العراق، وترك موظفو الحدود مكاتبهم إلى أن وصل جثمان الرجل الميت إلى العراق، وقد حان الوقت لتكريمه كشهيد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.