نشرت صحيفة لوموند منذ يومين تقريراً عن وحدات الكوموندوس الفرنسية التي تم تعزيزها لمساندة الوحدات الكردية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية #داعش. ففي شمال #سوريا، قالت فيه إن معمل شركة لافارج القديم للاسمنت بات قاعدة لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش. حيث أنشأت القوات الفرنسية المنتشرة على الأراضي السورية في هذا الموقع الاستراتيجي، الذي كان لفترة معينة مقراً لداعش، مقراً لها منذ عام 2015 إلى جانب نظيراتها الأميركية والبريطانية.

وعلى الرغم من التزام القوات الخاصة الفرنسية بالتحرك بشكل موحد، إلا أنها تتصرف بحرية تامة في الميدان. حيث تلعب دوراً محورياً في استراتيجية #فرنسا في سوريا. وعلى الصعيد العسكري، فإن هذه القوات تشارك ومنذ الأول من شهر أيار في الهجوم الذي استأنفته قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية لتطهير ما تبقى من الجيوب الجهادية في شمال شرق البلاد. لكن هذه القوات الخاصة تعمل على المستوى السياسي أكثر! فموقف فرنسا من الأزمة في سوريا يتوافق تماماً مع رؤية هؤلاء الرجال على الأرض حول كيفية خدمة المصالح الفرنسية في سوريا وفق تقرير الجريدة.

في السادس والعشرين من شهر نيسان الماضي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بأن الوحدات الخاصة الفرنسية قد تعززت في سوريا. ففي #منبج مثلاً، كانت فرنسا قد أرسلت تواً 50 مقاتلاً من الكوموندوس بينما أرسلت واشنطن 300. هذا الإعلان كان بالتشاور مع فرنسا التي التزمت الصمت كعادتها. وبعد هذا الإعلان، اكتفت فرنسا بالتعليق بأن استخدام القوات الخاصة الفرنسية في الخطوط الأمامية يأتي ضمن عمليات خارجية لمكافحة الإرهاب، متجنبةً بذلك أي جدل سياسي. وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه وزير الدفاع الأمريكي، تم تسريب مقاطع فيديو مقرصنة على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر عربات مدرعة تحمل العلم الفرنسي إلى جانب سيارات أمريكية، تأكيداً لوجود القوات الخاصة الفرنسية في محيط مدينة منبج.

ويكشف التقرير بأن قرار استخدام هذه القوات الخاصة قد تم اتخاذه على أعلى مستوى في قصر الإليزيه، وبأن إيمانويل #ماكرون يبدو أكثر اقتناعاً من سلفه فرانسوا #هولاند بالقيمة المضافة للمشاركة في مكافحة الإرهاب إلى جانب الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي (DGSE). فقد تم تعزيز هذه الوحدات في الجيش الفرنسي منذ عام 2013. حيث تضم قيادة الوحدات الخاصة اليوم 4300 مقاتل بما في ذلك 600 مقاتل يتم استخدامهم في الخارج في ساحتين رئيسيتين هما منطقة الساحل والشرق الأوسط. ويؤكد التقرير بأن ما من التزام عسكري فرنسي في الخارج اليوم دون هذه القوات الخاصة؛ فهم أول الواصلين إلى مناطق العمليات لمهام الاستخبارات وتحييد المنطقة، وهم كذلك آخر الراحلين عنها. فأول عسكري فرنسي قتل في عملية سرفال في #مالي في شهر كانون الثاني عام 2013 كان من قوات الكوموندوس وكذلك الحال بالنسبة لأول عسكري قتل في سوريا في شهر أيلول عام 2017 وفق ما ورد.

إن الذراعين العسكريين للسياسة الفرنسية في سوريا هما الإدارة العامة للأمن الخارجي وقيادة العمليات الخاصة اللذين يعملان يداً بيد مع نظيرهما الأمريكي. ففرنسا منخرطة في تحالف يضم كذلك البريطانيين والسعوديين والأردنيين. وتتمثل المهمة الرئيسية للكوموندوس الفرنسي في المساهمة في القضاء على داعش ومنع عودة جهادييها إلى فرنسا. ونوعية المعلومات المقدمة إلى التحالف في هذا الإطار تشكل أساساً للعلاقة بين #باريس وقوات سورية الديمقراطية التي تحتجز اليوم عشرات الجهاديين الأجانب ومئات الجهاديين السوريين والعرب.

وفي #العراق، ظهرت القوات الخاصة الفرنسية للعلن في صيف عام 2014. وقد قامت قوات الكوموندوس بتعديل مهامها عدة مرات. ففي #أربيل، بدؤوا بتدريب قوات البيشمركة في مجال مكافحة المتفجرات والإنقاذ في أرض المعركة. ثم تعدلت المهمة لتصل إلى إدماج قوات النخبة العراقية وصولاً إلى معركة الموصل. وبعد تحرير المدينة، تم تخفيض عدد هذه القوات، بينما أكملت وحدات من فيلق مشاة البحرية المخطط الفرنسي هناك.

أما في سوريا، فيكشف التقرير كيف تأقلمت قوات العمليات الخاصة الفرنسية مع الوضع هناك. ففي بداية عام 2015 وفي الوقت الذي أخذت فيه القوات الكردية مكانها كشريك في التحالف من خلال مقاومتها الشرسة لداعش في #كوباني، استطاع القادة العسكريون إقناع فرانسوا هولاند بضرورة استمرار التعاون على الأرض مع الأكراد وذلك بالرغم من تردد الدبلوماسيين الحريصين على عدم تخريب العلاقات مع الحليف التركي في حلف الناتو. وفي شهر شباط من العام ذاته، التقى الرئيس لفرنسي كل من القياديتين الكرديتين نسرين عبد الله وآسيا عبد الله ليكون بذلك أول رئيس دولة يستقبل ممثلي القوات الكردية في سوريا. وحتى يومنا هذا، فإن إيمانويل ماكرون هو الوحيد من فعل الشيء ذاته، وفق ما يقول التقرير.

وفي نهاية عام 2015، كانت قوات العمليات الخاصة الفرنسية قد وضعت قدمها في سوريا إلى جانب نظيرتها الأمريكية. وبحسب تقرير لوموند، فقد كان لهجمات الثالث عشر من تشرين الثاني 2015 في باريس دوراً أساسياً في اتخاذ قرار الانتشار في سوريا. حيث شاركت قوات الكوموندوس الفرنسية في معارك مدينة منبج في شهر آب 2016 وكذلك في عمليات تحرير #الرقة ما بين حزيران وتشرين الأول من عام 2017. وإن كان دور القوات الأمريكية لا يضاهي من خلال العمليات وراء خطوط العدو، فإن عناصر من قوات العمليات الخاصة الفرنسية قد انضموا إلى الوحدات الكردية في قلب تلك المدن.

في صيف عام 2017 وبعد انتخابه مباشرةً، طلب ماكرون إعادة تقييم استراتيجي حول السياسة الفرنسية في سوريا. وكان اقتراح الخلية المكونة من دبلوماسيين وقيادة الأركان بمواصلة دعم قوات سوريا الديمقراطية بعد تحرير الرقة لتعزيز حصتها من الأراضي والمتمثلة بالضفة اليسرى من الفرات. وبعد الاعتداء التركي على #عفرين وخوفاً من تعليق قوات سورية الديمقراطية لعملياتها ضد الجهاديين، أقنع القادة العسكريون ماكرون بإعادة الانتشار في محيط مدينة منبج كون #أردوغان لا ينوي التوقف عند هذا الحد. وبالرغم من أن التحالف كان قد وعد أردوغان بالانسحاب من منبج بعد تحريرها، فإن الفرنسيون لم يجدوا من المقبول لا أخلاقياً ولا استراتيجياً التخلي عن قوات سورية الديمقراطية كونها الوحيدة القادرة على إدارة شمال شرق سوريا على المدى الطويل، حسب الصحيفة، لذلك اتفقت فرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية على حماية الأراضي لتي تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية بدءاً من منبج. فاستقبل ماكرون في نهاية آذار الماضي وفداً من ممثلي هذه القوات وأقنع ترامب بعدم الانسحاب خلال ستة أشهر مثلما كان قد أعلن.

وبحسب ما ورد في تقرير لوموند، فإن لدى الجيش الفرنسي إعجاب صادق بالقوات الكردية التي هي نواة قوات سورية الديمقراطية، وأن الشراكة مع هذه القوات قد أثمرت “ما فاق التوقعات”. من جهة أخرى، فإن ضرورات مكافحة الإرهاب تفرض على قوات العمليات الخاصة الفرنسية أن تتكيف مع الواقع. ويحسب الأدميرال اسنارد، فإن التزامات فرنسا مستمرة على المدى البعيد وبالتالي فإن نهاية المعركة مع داعش لا تعني المغادرة الفورية لقوات العمليات الخاصة من سوريا. هذا وقد وعدت باريس قوات سورية الديمقراطية بالدعم الطبي والإنساني كما أنها خصصت مبلغ 50 مليون يورو لمساعدتها في إدارة أزمة لاجئي عفرين، إضافة إلى مساعدتها في إدارة شؤون المعتقلين الجهاديين لديها.

وبالتالي فإن مهمة فرنسا في سوريا تتطور تدريجياً نحو التزام سياسي أكثر قائم على التزامها العسكري، فهي تعتزم الاستفادة من علاقاتها مع شركائها لمحليين لتحقيق أهداف طويلة المدى. وتظهر البرامج العسكرية التي وقعها ماكرون للأعوام 2019-2025 الطموح في استخدام قوات العمليات الخاصة لتصبح قوات تدخل عالية المستوى إضافة إلى فرقة عمل تضم 300 فرداً مع ما يلزم لدعمهم جوياً. الأمر الذي يعزز مكانة هذه القوات في جهاز الأمن في يد الرئيس الفرنسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.