نشرت #لوفيغارو تقريراً عن جمهورية #الشيشان التي باتت منذ تسعينيات القرن الماضي “بؤرةً للتطرف الإسلامي وحتى للجهاديين”. فالهجوم الإرهابي بالسكين ليلة السبت الماضي في #باريس، والذي نفذه شاب فرنسي الجنسية لكن شيشاني الأصل، قد أعاد لفت الأنظار لهذه الجمهورية الصغيرة من #القوقاز الروسي والتي أمست معقلاً للمتطرفين والجهاديين المنتشرين في بقاع الأرض وفق التقرير.

جمهورية الشيشان هي جزء لا يتجزأ من روسيا الاتحادية، وكذلك جزء من الاتحاد السوفيتي سابقاً، ومن قبله جزء من الإمبراطورية الروسية منذ القرن السادس عشر؛ لكنها تتمتع اليوم باستقلال كبير تحت قيادة رئيسها الاستبدادي جداً رمضان قاديروف. والغالبية العظمى من سكان هذه المنطقة الصغيرة القريبة من بحر قزوين والبالغ تعدادهم مليون وأربع مئة ألف نسمة هم من المسلمين السنة، حيث شهد الإسلام السني في هذه المنطقة تطوراً كبيراً منذ القرن الثامن وهو مثال على الطابع التعددي العرقي والديني في #روسيا. لكن في سنوات التسعينيات من القرن الماضي والتي شهدت حربين في الشيشان، شهد هذا الإقليم من القوقاز ظهور الإسلام الراديكالي المستوحى من الوهابية والسلفية مبتعداً بذلك عن الإسلام المعتدل المرتبط تاريخياً بهذه المنطقة.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، أعلن الانفصاليون الشيشان استقلال ما سموه اشيكيريا. الأمر الذي عارضته موسكو بشدة رافضةً التنازل عن هذا الإقليم المركزي في القوقاز والذي يعتبر مفترق الطرق التجارية إلى الشرق الأوسط لاسيما #إيران. كما أنه إقليم غني بالبترول والغاز الطبيعي. مما دعا روسيا إلى التدخل عسكرياً في حرب مميتة. لكن الجيش الروسي تعثر في مواجهة المقاتلين الشيشان، بالرغم من أنه تمكن في النهاية من استعادة غروزني عام 1996. وفي العام ذاته، تم التوصل إلى اتفاق سلام. وإن لم يتم الاعتراف باستقلال الشيشان، إلا أن الانفصاليين تمكنوا من الحصول على حكم ذاتي واسع النطاق.

لكن في عام 1999، عاد الوضع في الشيشان إلى التدهور ثانيةً بما في ذلك الوضع في داغستان الجمهورية الجارة. حيث أعلن فلاديمير بوتين، الذي تم تعيينه للتو رئيساً للحكومة الروسية، الحرب الثانية في الشيشان، مصرحاً: “سنلاحق الإرهابيين في كل مكان، وإن اضطر الأمر سنستهدفهم حتى في المراحيض”. وكانت هذه الحرب أكثر دموية من سابقتها حيث استمرت ستة أشهر وانتهت بانتصار #موسكو؛ وليتم انتخاب هذا الشخص رئيساً للاتحاد الروسي بعد بضعة أشهر حيث أيد السكان الروس موقفه في هذا الصراع والذي برر فيه استخدام القوة لمكافحة الإرهاب والإسلام المتطرف. فمنذ الحرب الأولى في الشيشان سنة 2004، ظهرت حركة إسلامية وحتى جهادية في صفوف الانفصاليين الشيشان الذين كانوا يتنافسون بشدة مع الحركات المعتدلة. ولعل أقرب مثال على ذلك كان الزعيم الانفصالي شامل باسييف الذي قتل عام 2006 والذي كان يعرّف عن نفسه بأنه مجاهد، ممثلاً بذلك التحول الإسلاموي لحركة استقلال الشيشان.

ويبين التقرير كيف أنه وانطلاقاً من الشيشان، تطورت الحركة الجهادية في جميع أنحاء القوقاز وروسيا والجمهوريات السوفيتية والاشتراكية السابقة. وهكذا وفي عام 2017، باتت روسيا الدولة الأولى في تصدير المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، لتسبق بذلك كل من المملكة العربية السعودية والأردن وتونس. حيث يكشف التقرير بأن تنظيم داعش يضم أكثر من 3400 روسي أغلبهم من الشيشان، مستحضراً إلى الذاكرة طرخان باتيراسيفيلي المعروف بأبو عمر الشيشاني بلحيته الحمراء وغطاء رأسه الأسود والذي كان حتى مقتله عام 2016 وزيراً للدفاع في دولة الخلافة. وحتى بالنسبة للفرنسيين الذين غادروا بلادهم للقتال إلى جانب داعش في سوريا والعراق، فإن هذه الظاهرة لا يستهان بها. فبحسب تقرير صادر عن الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي، فإن ما بين 7 إلى 8% من الفرنسيين المتورطين في شبكات جهادية في سورية والعراق، ما بين مقاتلين على الأرض وداعمين لهم، هم من أصول شيشانية.

وفي سياق توسع الإسلام في القوقاز، منح فلاديمير #بوتين بعد حرب الشيشان الثانية حكماً ذاتياً موسعاً لجمهورية الشيشان تاركاً للإسلام الجديد التطور شريطة ولاء السلطة هناك للكرملين. هذا التوازن كان يمثله أحمد قاديروف المفتي الكبير والقائد السابق في حرب الانفصال والذي أصبح رئيساً للحكومة الشيشانية عام 2000 ثم رئيساً عام 2003، قبل أن يتم اغتياله عام 2004 من قبل الإسلاميين الذين اعتبروه خائناً للقضية الشيشانية. ليأتي بعده ابنه رمضان قاديروف ويستلم زمام الأمور والذي أرسى نظاماً استبدادياً يشجع الإسلام الملتزم لكنه يعارض وبشدة النفوذ الوهابي القادم من المملكة العربية #السعودية، مظهراً ولاءً لا مثيل له لفلاديمير بوتين. وهو رهان محفوف بالمخاطر بالنسبة للكرملين.

وتختم لوفيغارو تقريرها بالقول بأن رمضان قاديروف يلعب دوراً مهماً في الصراع في سوريا. حيث تدعم مليشياته، المكونة من بضعة آلاف من الرجال، قوات النظام السوري والجيش الروسي. وهي طريقة يلجأ إليها الكرملين حيث يتحكم فيها أكثر من تحكمه في جيشه النظامي. ومختبئاً وراء إدعاءاته بالدفاع عن الإسلام، يلعب رمضان قاديروف اليوم دوراً دبلوماسياً سرياً كوسيط مع الدول السنية في المنطقة. فمن خلال مؤسسة قاديروف الغامضة، قدم رجل الشيشان القوي مبلغ 14 مليون دولار لترميم المسجد الأموي الشهير في مدينة #حلب والذي دُمّر بشكل كبير خلال المعارك. وهذه طريقة أخرى لخدمة فلاديمير بوتين من خلال المشاركة في القوة الروسية الناعمة في المنطقة وإن كان ذلك على حساب الإسلام المُتبنى في القوقاز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة