علي بهلول

أثارت تحركات أجهزة النظام نحو إحداث محاكم مختصة بالنظر في جرائم المعلوماتية، جدلاً حول مشروع القانون الجديد الذي أقره مجلس الشعب في 18 آذار 2018.

ووسع القانون الجديد المقترح من قبل وزارتي العدل والداخلية، دائرة نظر القضاء في هذا النوع من الجرائم، التي عانى القانون السوري من قصور في التعامل معها، رغم محاولات تغطيتها منذ العام 2001، بوضع قانون يتعلق بحماية الحقوق الفكرية لمبتكري البرامج الحاسوبية.

توالت بعدها عدة مراسيم تشريعية وقوانين أضافت في كل مرة قائمة من الممارسات عبر الإنترنت والأجهزة الحاسوبية، التي قد تضع مرتكبها ضمن خانة مرتكبي جرائم المعلوماتية.

لكن الجديد في قانون 2018، هو إحداث محاكم من كل الدرجات بدءًا من محكمة البداية وحتى الاستئناف والنقض، مختصة بجرائم المعلوماتية، فضلاً عن تدريب أول دفعة من القضاة بلغ عددهم 58 قاضياً، على أساليب التحقيق والتفتيش واستقصاء جرائم المعلوماتية.

الحل السوري كان له حديث مع حسن حمادي، وهو مدير مشاريع تقنية مختص مقيم في اسطنبول، حول أبرز القوانين السورية في هذا الصدد ومجالات تطبيقها على أرض الواقع.

قوانين ومراسيم دون تنفيذ

يوضح حمادي أن الوضع السياسي في سوريا منذ ما قبل الثورة، وبسبب العقوبات الدولية، منع الاستفادة الحقيقية من القوانين المسنونة في مجال جريمة المعلوماتية.

فمثلاً قانون حماية الحقوق الفكرية للمبرمجين عام 2001، لم يستفد منه أي مبرمج، بسبب عدم تواجد وكلاء للبرامج العالمية في #سوريا، ما عطل إمكانية إجراء مرافعات في حال تضرر أحد المبرمجين من السرقة لابتكاره.

لهذا السبب عمدت حتى البرامج المحلية مثل “الأمين”، إلى أساليب انتشار معقدة لتحمي نفسها من السرقة، إذ باعت الشركة منتجاتها عبر أجهزة “يو إس بي” (USB)، مشفرة بطرق خاصة، بحيث لا يمكن استخدامها إلا بوجود هذا الجهاز.

ويضيف حمادي أن الشركات لجأت إلى هذه الأساليب بالرغم من صدور قانون 2001، بسبب غياب السلطة القضائية المؤهلة للتفتيش في حال وجود دعوى، حتى بعد تجريم هذه الممارسات قانونياً، وهو ما تأخر ظهوره نحو 17 عاماً.

صدر بعدها قانون رقم 26 عام 2007، والذي ركز على التلاعب بالسجلات المدنية. ثم قانون تنظيم الإعلام الالكتروني عام 2011، الذي حدد بعض “مبادئ” وسائل الإعلام الإلكترونية السورية، والمرتبطة بشكل وثيق بـ”المصالح العليا للدولة”.

وفي عام 2017 صدر المرسوم التشريعي رقم 17، والذي تمحور حول حفظ سرية معلومات المستخدمين لشبكة الانترنت، وعدم الإفصاح عنها إلا للسطات بموجب أمر قضائي، والتعريف بكل من يقدم خدمات عبر الانترنت بشكل تفصيلي.

قانون لحماية الدولة “المطاطية

لأول مرة يسد القانون السوري ثغرة تتعلق بمقاضاة مرتكبي جرائم المعلوماتية، وليس تجريم ممارساتهم فقط، كانت مع إحداث محاكم مختصة بموجب قانون العام 2018.

قبل هذا القانون كان التركيز على محاكمة الصحفيين فقط، بينما ينضم إليهم اليوم المدونين والقراصنة الرقميين وما شابه، بحسب حمادي الذي لا يستبعد استغلال القانون الجديد للتضييق على الناشطين.

وحتى مع التحديثات الجديدة في التعاطي مع هذه الجرائم، يبقى القانون متأخراً عن السجال العالمي حول  حماية بيانات المستخدمين بشكل فعلي، إذ يخلو مثلاً من أي بند يقيد مزودات خدمة الانترنت من بيع البيانات، وفق حمادي الذي اعتبر القانون وكأنه يعالج قضايا تعود لما قبل عام 2010، دون أي اعتبار للمعطيات الحديثة والتقدم التقني.

ويوضح حمادي أن القوانين العالمي، مثل “KVKK” التركي، و”GDPR” في الاتحاد الأوروبي، التي يدور معظم الجدل حولهما الآن، تجاوزت فكرة الجريمة الالكترونية، وتوجهت نحو حماية البيانات الشخصية، ومنع معالجتها لأغراض دعائية مثلاً.

وحتى مع غياب المفردات الحديثة المواكبة عن نص القانون السوري، تبقى مشكلته أساساً مرتبطة بالسلطة التنفيذية نفسها، التابعة لدولة لا تحترم الدستور أو قانون السير حتى، وفق تعبير حمادي.

ويضرب مدير المشاريع التقنية مثالاً على ذلك، من الحادثة التي جرت بين الممثل مصطفى الخاني، ومندوب النظام الدائم إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري، حيث كتب الأول منشور على موقع “فيس بوك” يتهم به الجعفري بالفساد وما شابه، وكان من المفترض أن ترفع على الخاني قضية بشكل شخصي، إلا أن أحد الاتهامات الموجهة إليه كانت “المس بهيبة الدولة”.

ويوضح حمادي أن المفهوم “المطاطي” للدولة في سوريا، يجعل من القانون أداة بيد السلطة للضغط على كل من يعارض رجالاتها.

فضلاً عن ذلك قامت أجهزة المخابرات السورية طيلة السنوات السابقة باعتقالات تعسفية بسبب نشاطات الكترونية لمعارضين داخل البلاد، دون الحاجة لوجود قانون يسمح لهم بذلك أساساً.

أما فيما يتعلق بمعالجة المعلومات، فيشرح حمادي أنها تتحول إلى تدخل في الحياة الشخصية، حين تصل إلى مرحلة عميقة لتوجيه الدعاية بدقة، لكنها لا تعتبر جرماً طالما أنها لا تستخدم بشكل فعلي مع مستخدمي الانترنت، وينطبق نفس الأمر على المجال السياسي، فتجسس الدولة على المواطنين لا يعتبر جرماً، طالما أن المعلومات التي حصلوا عليها لم تستخدم ضدهم أمام القضاء مثلاً، وهذا الجانب برمته غير مغطى من قبل القانون السوري، وممارس من قبل الدولة بشكل دائم.

تحمل القوانين السورية منذ عام 2001 وحتى 2018 طابعاً عاماً يوحي بحماية الدولة من جرائم المعلوماتية، وليس حماية عموم المستخدمين بشكل فعلي، وتنزع نحو معالجة النتائج أكثر من معالجة الأسباب لوقف الجريمة من أساسها، وكأن المشكلة لدى المشرع هي في هوية الجاني وليس في طبيعة جنايته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.