الروتين الطبي في ألمانيا.. وجهان متناقضان لتجربة السوريين

الروتين الطبي في ألمانيا.. وجهان متناقضان لتجربة السوريين

علي بهلول – الحل السوري

يشتكي بعض السوريين من البيروقراطية في #ألمانيا، لا سيما في المجال الطبي، إذ تتطلب بعض الحالات إشرافاً صحياً مستعجلاً من قبل مختصين، إلا أن الروتين الألماني يفرض على كل مريض إجراء فحوص لدى #طبيب عام، يقوم الأخير بموجبها بتحويله إلى الطبيب المختص، ومع قلة الكوادر الطبية فإن مواعيد المرضى قد تمتد إلى أكثر من شهر.

“الحل السوري” تواصل مع سالم نجار، وهو شاب سوري #لاجئ في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، مقيم في مدينة ‏بيرغيش غلادباخ‏، ويعاني من آلام في المفاصل والعظام والأعصاب، ولديه تجربة طويلة مع المستشفيات في مدينته.

التباس التشخيص

“طلب مني الطبيب العام القيام ببعض التمارين لفحص عامودي الفقري، وما إن رآني أنجزها حتى طلب مني الانصراف موضحاً أنني بخير” يقول نجار الذي أكد لنا أنه أنجز التمارين مع شعوره بالألم، مشتكياً من عدم أخذ الأطباء بعين الاعتبار قدرة كل شخص في التحمل، وأن هذا التحمل لا يعني بالضرورة أنه “بخير”.

راجع نجار الطبيب عدة مرات حتى وافق على تحويله إلى طبيب عظمية مختص، والذي اكتفى بدوره بسماع شرح المريض عن آلامه ليوصف حالته بـ”التهاب الفقرات اللاصق”، والذي يؤثر على حركة المريض وصحة عموده الفقري وعدة أجهزة حيوية حساسة في الجسم.

إلا أن نجار لم يتمكن من الوثوق بتشخيص الطبيب مرة أخرى، إذ أنه لم يستخدم أي أجهزة أو يطلب منه أي تحليل للتأكد من نتائجه، طالباً منه مراجعته بعد ثلاثة أيام في حال استمر الألم.

حجز المريض موعداً جديداً بعد استمرار آلامه، ليكتشف عند حضوره أنهم ارتكبوا خطأً في الموعد، ما دفعه لانتظار مواعيد جديدة لفحص الشرايين والعظام في مدة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر.

التحايل على المواعيد

لم يتمكن نجار من احتمال آلامه حتى حلول موعده، فاضطر إلى دخول المستشفى في حالة إسعاف لتجاوز هذا الروتين، موضحاً أن التظاهر بالـ”موت”، هو الطريقة الوحيدة للوصول إلى طبيب يعالجه.

وتولى هذه المهمة صديقه الذي أسعفه بعد اضطراب في تنفسه بسبب آلام شديدة بساقه اليسرى، مدعياً أنه مصاباً بالجلطة لإفساح المجال له.

وبحسب نجار فإن هذه المعاناة في المستشفيات لا تقتصر على السوريين أو اللاجئين أو الأجانب فقط، بل أن الألمان أنفسهم يتفادون مواعيد عملياتهم في ألمانيا، بالسفر إلى أمريكا لإجرائها، وهو ما ليس متاحاً للجميع.

عوامل فقدان الثقة

تتمثل أبرز عوامل فقدان الثقة بين بعض المرضى السوريين والأطباء الألمان بحاجز اللغة، إذ يخشى المريض ألا يتمكن من شرح حالته بدقة للطبيب، ما يؤدي إلى وصف علاج لا يناسبه.

وبحسب نجار فإن كل مترجم مختص بالمصطلحات الطبية (وهو ما يطلبه الأطباء وفق المصدر)، يأخذ 50 يورو على كل مراجعة للطبيب، ما يشكل عائقاً مادياً أمامه، إلا أن مصدراً آخراً سينفي حاجة اللاجئين إلى مثل هذه الخدمات كما سنرى لاحقاً.

كذلك مرّ نجار بتجربتين ساهمتا بفقدانه للثقة بتشخيص أطباءه، أولهما كان وصف طبيب مختص لأدوية شقيقة يتناولها نجار بالـ”رديئة”، بعدما كان طبيب عام قد وصفها له، واحاله إلى أدوية مختلفة كلياً.

وثانيهما كان أثناء أخذ خزعة من سائل النخاع الشوكي لفحصه، إلا أن الطبيبة احتاجت إلى خمس محاولات حتى عثرت على المكان الصحيح للحقنة، ما تسبب برجفان لا إرادي لرجله اليسرى، ثم آلام مبرحة لشهر ونصف بعدها.

“هكذا بت أخشى ألا يتم فحصي سريرياً للتأكد من حالتي، وأخشى في نفس الوقت من حدوث أي خطأ كهذا أثناء الفحص السريري”. يختم نجار حديثه معنا.

روتين المشافي ليس “مقدساً” ويمكن تجاوزه

من مدينة أيسن الألمانية جاءتنا شهادة مناقضة إلى حد كبير عمّا هو عليه وضع المستشفيات في ‏بيرغيش غلادباخ‏.

محمد عبد الجليل، أكد أن مراكز الاستقبال في المستشفيات تحول المرضى مباشرةً إلى قسم العمليات في حالة الطوارئ، لكنه لفت إلى أن هذا القسم مزدحم أيضاً، وترتب فيه الحالات بحسب الخطورة والأولوية، متفقاً مع نجار في بعض ما قاله حول قلة الكادر الطبي.

وفي حال اشتكى المريض من ألم في أحد الأجهزة الحيوية الحساسة مثل القلب، فإنه يستطيع التوجه إلى الطبيب المختص مباشرةً، أو يحوله الطبيب العام بشكل مستعجل إلى الكشف والتخطيط للتأكد من سلامته، وفق وصفه.

وذكر عبد الجليل قصة تخص أحد أقاربه الذي عالج طفلته من الحول في أيسن، موضحاً أن والدا الطفلة أبديا انزعاجهما من الروتين في بداية الأمر، إذ رفض ثلاثة أطباء معالجتها لصعوبة الحالة، وحوّلوا ملفها فيما بينهم، حتى وصولوا أخيراً إلى مستشفى العيون المختص في المدينة، والذي أشرف على حالة الطفلة الآخذة في التحسن الآن.

كما أن المستشفيات مزودة بمترجمين ما يزيل عائق اللغة، فضلاً عن وجود أطباء سوريين في بعضها كذلك، وفيما إذا كانت هذه الميزة متاحة في جميع المستشفيات الألمانية لم يتمكن عبد الجليل من الجزم.

وفيما يتعلق بالثقة بتشخيص الأطباء فإن محامين مختصين يتكفلون بمتابعة مثل هذه القضايا في حال حدوث خطأ، كما أن التأمين الصحي الذي يُعتبر شرطاً أساسياً لمعظم المعاملات في ألمانيا، خاصة بالنسبة للاجئين، يغطي هذه المصاريف، وفق عبد الجليل.

تُعتبر المعرفة بهذه الإجراءات والقوانين سواء كانت مفعلة في جميع المدن والمؤسسات الطبية، أو متغاضى عنها في بعض المؤسسات، جزءاً أساسياً من برامج “إدماج اللاجئين” في المجتمع الألماني، وسواء كان الجهل بها ناتج عن “كسل” لدى بعض اللاجئين، أو بسبب إهمال المستضيفين التأكد من وصول هذه المعلومات بدقة لجميع اللاجئين، فإن مشاكل كالتي يعاني منها نجار أو غيره قد تستمر بالتفاقم وقد تهدد حياة آخرين منهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.