فتحي أبو سهيل

عبارات لازالت تصدح حتى اليوم قبل صلاة #الفجر في رمضان، مع ايقاع “الطبلة” ضمن بعض أحياء دمشق الشعبية، بينما اختفت في أحياء أخرى طالها التطور العمراني والتبدل الديموغرافي من ناحية السكان الأصليين، لكن، كثير من السوريين يتمنون مرور المسحراتي ضمن أحيائهم “لما يضفيه من لمسة خاصة على الشهر”.

“يانايم وحد الدايم.. قوموا على سحوركن اجا رمضان يزوركن…” وغيرها من عبارات، اعتاد عليها سكان الصالحية منذ مئات السنين حتى اليوم، يقول أبو صبري المشهور بـ “الخال” وهو بعمر الـ61 عام، إن “المسحراتي شخص متطوع، يندر نفسه للعمل في هذا الشهر حوالي 3 ساعات ليلاً حتى أذان الفجر، ويورث مهنته لأبناءه وأحفاده، لكن طبيعة عمله اختلفت عن السابق”.

ويضيف “سابقاً، كان المسحراتي شخص معروف من #الحي، ليس له مهنة ثابتة خارج شهر رمضان، ووضعه المادي غير جيد، يقوم بإيقاظ السكان على السحور، وفي اليوم التالي يقوم بجولة ضمن الأحياء ويحمل معه (سفر طاس) ويرافقه شخص آخر، يجمع الطعام والحلوى من السكان”.

ويتابع ” المسحراتي كان يطرق أبواب أهل الحي، وينادي باسم رجاله، ولا يبتعد عن الباب حتى يتأكد من استيقاظ رب العائلة”.

تغيير جذري

اليوم، ونتيجة الحاجة المادية، قد يمر بالحي الواحد أكثر من #مسحراتي، وهم أشخاص لا يملكون عملاً، يتجولون لايقاظ السكان، مقابل جولة أول أيام عيد #الفطر، التي يحصلون من خلالها على (عيدية) من المنازل التي مروا من جانبها، وهنا يؤكد “الخال” أن المسحراتي اليوم، غالباً لا يعرف السكان حتى لو كان من أهل الحي، نتيجة النزوح الكثيف، لذلك، لاينادي باسم أحد.

حتى الطرق على الأبواب، لم يعد ضمن مماراسات المسحراتي، هذا ما قاله فراس وهو بعمر الـ 35 عاماً، ويعمل مسحراتي في رمضان ليلاً، وخارج الشهر وضمن الفترة #الصباحية من أيام الشهر الفضيل، يعمل سائق سرفيس على خط جادات سلمية، مضيفاً “ورثة المهنة من والدي الذي ورثها من جدي، لكن، أسلوب العمل اليوم اختلف عن الأيام التي رافقت بها والدي وجدي”.

وأضاف “نتيجة الأحوال الأمنية، واستياء البعض من قرع الجرس أو طرق #الأبواب الذي سبب لي بعض المشاكل مع أصحاب المنازل التي يقطنها مستأجرون غالباً، استبعدنا النداء بالصوت المرتفع، والطرق على الباب، حتى أنني أقوم بإيقاف قرع الطبلة قرب بعض المنازل، بعد عدة شتائم وجهت لي بحجة “الازعاج”.

انتحال صفة

وتابع “ليس هذا فحسب، فقد دخل للمهنة #أشخاص ليس لهم علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الأمر سبب لنا مشاكل أول أيام عيد الفطر، حيث يتوجه أكثر من مسحراتي للمنازل التي أمر بجانبها لأخذ العيدية، إضافة إلى أشخاص ينتحلون صفة المسحر ويطرقون الأبواب في العيد للحصول على عيدية، بأسلوب شبيه بالتسول.

فراس مصرّ على استمراره بالعمل كمسحراتي ضمن الظروف الحالي، رغم توقفه بسبب الأوضاع #الأمنية حتى عام 2014، وعودته بحذر 2016 رغم انتشار الحواجز الأمنية، واستمراره باستقرار نسبي إلى اليوم، وفقاً لحديثه.

الباحث والمؤرخ السوري منير كيال، يقول في تصريحات سابقة عن مهنة المسحراتي، أن التسحير كحرفة كانت تنحصر في أسر دمشقية تحفظ أصولها وفروعها تتوارثها أباً عن جد، مؤكداً أن مردود التسحير حتى أواسط القرن #العشرين كان نقوداً وهبات وطعام وحلوى.

وتعتبر #دمشق، المدينة الأولى تاريخياً التي ظهرت بها هذه المهنة، وانتقلت إلى دول عربية أخرى كمصر والأردن ولبنان، ورغم التطور التكنولوجي ووجود الهواتف الذكية التي يستعان بها للاستيقاظ بوقت محدد، إضافة إلى محاربة البعض للمسحر كونه “مزعج” على حد تعبيرهم، وحديث البعض عن اقتراب اندثار هذه المهنة، إلا أن #الظروف الحالية أعادت احياءها نتيجة الحاجة الاقتصادية، بالتوازي مع تمسك المسحراتية بهذا التراث الدمشقي الأصيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.