سلّط الإعلام الضوء خلال السنوات الماضية على هجرة اللاجئين السوريين نحو الاتحاد الأوربي، والمخاطر التي تعرّضوا إلها وشتى أنواع المعاناة ليحظوا بحياة أكثر أمناً وأماناً، حاملين على ظهورهم بعض متاعهم والكثير من أحلامهم. وتعود اليوم صحيفة ذي تايمز البريطانية لتسلط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها اللاجئين خلال رحلتهم إنما في الاتجاه المعاكس.. إنهم لاجئون يبحثون عن مهرّبين يؤمّنوا لهم طريق العبور من #اليونان متخلين عن مزيد من الحياة الآمنة في #أوربا ليعودوا إلى حياة الفقر في #تركيا أو الصراع في #سوريا، وفق ما ذكرت الصحيفة.

الكثير منهم يموّلون طريق عودتهم من خلال بيع جوازات سفرهم ووثائق السفر التي حصلوا عليها في الاتحاد الأوربي. عن الموضوع أعدت الصحفية اليمنية نوال المغافي تقريراً تناولت فيه حالة الشاب السوري زكريا البالغ من العمر 27 عاماً، فكتبت:

التقيت بزكريا في هيلبرون، جنوب ألمانيا، حيث يعيش في غرفة صغيرة يشاركه فيها خمسة لاجئين آخرين. على المنضدة أطباق متسخة تعود لعشاء الأمس. يقول زكريا: “هؤلاء الشبان لطيفون، لكنني لا أستطيع العيش بهذا الشكل”.

تحدّث زكريا إلى الكاتبة عن خططه للحاق بأصدقائه الذين عادوا إلى سوريا، يقول: “عندما أتصل بهم أجد أنهم أصبحوا أكثر سعادة الآن. اعتقدت دائماً أن ألمانيا سوف تكون أفضل من وطننا. لكن في الواقع العكس صحيح، بلدنا أجمل وأكثر سعادة”.

“أعتقد أن ألمانيا على الأقل توفر لنا الأمان”، يتوقف ليضيف: “نعم، قد نكون آمنين هنا، لكن صحتنا النفسية مهمة أيضاً، فنحن هنا في ألمانيا مرضى.. نفسياً وجسدياً وعقلياً. نحن مكتئبون”.

تضيف الكاتبة، من مطار شتوتغارت في ألمانيا، طرنا معه إلى مطار سالونيك في اليونان، ليتوجه إلى محطة حافلات المطار بحسب التعليمات التي يتلقاها على الواتس آب من المهرب المسؤول عن إعادته إلى الوطن.

في محطة الحافلات، أصبح من الواضح أن زكريا ليس السوري الوحيد الذي يخوض هذه الرحلة. فالعشرات اتخذوا هذا القرار الاستثنائي بتهريب أنفسهم إلى منطقة الحرب. بعضهم كانوا حزينين لترك أوربا، وممتنين للملاذ الآمن الذي قدمته لهم. لكنهم اضطروا للعودة، فبعد سنوات من محاولات البعض جلب عائلاتهم للانضمام إليهم، رفضت السلطات الألمانية ذلك.

البعض ينحدر من خلفيات محافظة، ولا يريدون لأطفالهم العيش في هذا المجتمع الليبرالي. وعند سؤال الكاتبة عما إذا كان قلقاً من أن يحمله أبناؤه مسؤولية عدم اغتنام هذه الفرصة لمستقبل أفضل لهم في أوربا، أجاب: “سوف يشكروني. الله، وليس أوروبا، سوف يرشدهم إلى مستقبل أفضل”.

وعندما سألت الكاتبة كيف سوف يمولون بقية رحلتهم، أشار أحد اللاجئين إلى الثروة الموجودة في حوزته، وهي الوثائق الرسمية التي حصل عليها في أوربا، “سوف أبيعها في تركيا”.

في ظلام الليل، وبالقرب من بلدة لافارا الحدودية الصغيرة، يتجه اللاجئون إلى نهر إفروس سيراً على الأقدام، حيث يشكل الحدود مع تركيا. لسنوات، كان اللاجئون يتجهون نحو الغرب عبر النهر، لكن اليوم يتجه الموكب الصامت شرقاً.

بعد وداع اللاجئين في تلك النقطة، طارت الكاتبة وفريقها إلى #اسطنبول للتحقيق في تجارة جوازات السفر غير القانونية بين العائدين والمهاجرين الذين ما يزالون يريدون دخول أوربا. عبر إحدى المجموعات المختصة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، والذي يضم آلاف الأعضاء النشطين، قام فريق الكاتبة بنشر طلب عاجل للحصول على جواز سفر الاتحاد الأوربي لرجل يبلغ من العمر 30 عاماً، فتتلقى أكثر من اثني عشر رداً.

اتصل الفريق برجل يدّعي أن بحوزته عشرات الجوازات، وبمجرد وصولهم إلى مركز تسوق في اسطنبول حيث اتفقوا على اللقاء، قدّم لهم واحداً. “سوف أريكم صوراً للآخرين على هاتفي، فلا يمكنني أن أثير شكوك الشرطة نحوي بحملهم جميعاً”، أضاف غير مدرك بأنهم صحفيون.

وبحسب التقرير، كان لديه عدد لا يحصى من وثائق السفر وجوازات السفر للاختيار من بينها، تتراوح أسعارها بين ألف يورو وثلاثة آلاف. وعند سؤاله إذا ما كان لديه جوازات سفر بريطانية أجاب: “إنها ثمينة.. تكلف حوالي خمسة عشر ألف يورو، ولكن ليس لدي أي شيء في الوقت الحالي”.

عن رأي السلطات الألمانية بما يحصل من بيع وثائق السفر لمهاجرين عرب عبر أحد المسؤولين قلقه وقال: “إنها مشكلة كبيرة بالنسبة لنا في ألمانيا.. هذا تحدٍّ كبير بالنسبة لنا ولوكالات الأمن الألمانية خاصة المختصة بمراقبة الحدود، لأن مهمتنا منع الإرهابيين من السفر إلى ألمانيا باستخدام وثائق مسروقة أو مفقودة أو مزيفة. إذن فالأمر لا يتعلق فقط بمسألة الهجرة، إنها قضية أمنية “.

أما عن زكريا، فانتهى به المطاف بالبقاء في تركيا، في بلدة تبعد بضعة أميال عن سوريا. وأخبر الكاتبة: “لقد وجدت عملاً هنا وسوف أستقر.. في أحد الأيام، وعندما تنتهي الحرب في سوريا، سوف أعود إليها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.