رجا أمين – بيروت

بعد أن تكلمنا في الجزء الأول عن بعض الوسائل والتجارات التي يتبعها #حزب_الله في #لبنان لتمويل نشاطاته دون الاعتماد كلياً على التمويل الإيرني، يأتي اليوم دور الحديث عن القطاع المصرفي كقطاع لا يمكن تجاهله عند الحديث عن هذا النوع من الأعمال.

اشتهر القطاع المصرفي اللبناني بتقدمه وريادته في المنطقة العربية قبل النمو الخليجي وخاصة في #الإمارات، ولطالما اعتبرت #بيروت مقصداً للمتمولين العرب وواحتهم المصرفية، ويشكل المتمولون السوريون أكبر مثال على ذلك، فحتى اليوم تقدر إيداعاتهم المعروفة في المصارف اللبنانية بأكثر من 700 مليون دولار.

لندرك أهمية القطاع المصرفي في بلد كـ لبنان علينا أن نتذكر أن قسماً كبيراً من الدين العام اللبناني الذي يقارب 100 مليار دولار هو دين لهذه المصارف على الدولة اللبنانية، وأن القطاع العمراني الكبير في هذا البلد الذي يستقطب مشترين أجانب يعتمد بدوره على قدرة القطاع المصرفي التمويلية والإقراضية. وعلى صعيد آخر لهذه المصارف قدرة توظيف كبيرة، إذ يكفي لمن يجول في شوارع بيروت والمدن اللبنانية أن يلحظ تنوع المصارف وتعدد فروعها بما لا يتناسب مع حجم البلد وعدد سكانه (أكثر من 60 مصرف عامل في لبنان حوالى 50 منها يعد مصرفاً لبنانياً خالصاً)، ويمكن هنا ذكر أن بنكاً لبنانياً واحداً هو #بنك_عودة، أحد أكبر البنوك في لبنان تتخطى موجوداته موجودات كل المصارف السورية قبل 2011.

ولكن مع تقدم الحرب على الإرهاب في العالم، ومركزية دور الدولار الأميركي، والتحكم الأميركي بمختلف شرايين المصارف والتحويلات حول العالم خاصة تلك التي تجري بالدولار، العملة الأولى في العالم، باتت الرقابة والشروط المصرفية تزداد صعوبة ودقة يوماً بعد يوم. ففي لبنان على سبيل المثال لا يمكن لشاب سوري يعمل في الإمارات أن يحول مصرفياً 100 دولار إلى حساب أبيه المصرفي في بيروت! يكفي أن يكون أحد الطرفين سوري الجنسية وعملة التحويل هي الدولار، ليمتنع المصرف عن أداء العملية (أي تحويل مصرفي بالدولار بين أي دولتين في العالم، أو داخل الدولة الواحدة، يجب أن يمر عبر أميركا حيث تطبق عليه الرقابة).

اعتمد حزب الله دوماً على وسائل بديلة وغير تقليدية في تسيير أموره وفرت له النجاح والقدرة على المناورة، بما في ذلك أحياناً استراتيجياته العسكرية، وهو ما يمكن قوله على سياساته التمويلية والمصرفية، ولكن مهما قيل عن وسائل بديلة وعن نقل فيزيائي مادي للأموال يبقى القطاع المصرفي ضرورة لا بد منها ولا استغناء عنها للبقاء على قيد الحياة.

الصراع الأميركي مع حزب الله في شأن المصارف بدأ منذ زمن طويل، وإحدى محطاته الهامة قبل سنوات كانت قضية البنك اللبناني الكندي، ولكن بداية هذا الصراع كانت مع قانون سمي بقانون “توحيد أميركا” وقعه الرئيس الأميركي جورج بوش ليسمح بتوفير ما يلزم لمحاربة الإرهاب في كافة المجالات، بما في ذلك تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ولو على حساب السرية المصرفية في حال وجود ما يدفع للشك في وجود تعاملات غير سليمة.

البنك اللبناني الكندي كان مصرفًا لبنانيًا بـ 35 فرع في لبنان ومكتب في #كندا، ويعتبر من أول 10 مصارف لبنانية لجهة الأصول، حتى جاء يوم رصدت فيه السلطات الأميركية الأمنية والمصرفية نشاطات تبييض أموال مرتبطة باللبناني الكندي لحساب أشخاص متورطين في تجارة المخدرات وأيضًا تجارة السيارات المستعملة عبر مصرف شريك له في أفريقيا.

سنة 2011 فرضت السلطات الأميركية بالضغط على مصرف لبنان إغلاق البنك اللبناني الكندي فتم الاستحواذ عليه من قبل مصرف آخر هو “سوسيته جنرال”، وبهذه الطريقة لم يعد للمصرف المتهم من وجود، وصارت هذه الحادثة درساً لكل المصارف الأخرى في لبنان، لتجنب تورط الإدراة أو فشل المراقبة الداخلية وتطبيق المعايير المصرفية الأميركية.

في سنة 2016 بدأت مصارف لبنانية بتطبيق بعض بنود العقوبات الأميركية بما فيها إغلاق حسابات مصرفية مرتبطة بحزب الله، وفي الحقيقة هذه المصارف لا تملك الخيار في ذلك خاصة مع الدرس الذي تلقته قبل 5 أعوام. على كل حال جاء الرد سريعاً وقوياً، عبوة ناسفة وضعت أمام بنك لبناني شهير هو بنك لبنان والمهجر، أدى انفجارها لخسائر مادية كبيرة وإصابة شخصين. العبوة مدروسة الحجم والتي تم تفجيرها يوم الأحد كانت مصممة لتوصل رسالة لا لتوقع ضحايا بشرية. وطبعاً كانت هناك اتهامات علنية للحزب بوقوفه وراء هذا التفجير.

مؤخراً عاد الحديث بقوة أيضًا عن “الحرب” المصرفية ضد الحزب، فكان كلام لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن اختراق حب الله للقطاع المصرفي اللبناني، وعادت اجتماعات مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية لتتكثف مع مصرف لبنان حول أمور تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

يعرف حزب الله والمصرفيون المحسوبون عليه أن مقاومة العقوبات الأميركية على ساحة المصارف اللبنانية خطر وغير مجدي، وتأتي في هذا الإطار تصريحات للحزب على عدم ارتباط تمويله بالقطاع المصرفية وتلميحه إلى أن كل تعاملته المالية تتم عن طريق الـ “كاش” وهو أمر يصعب تصديقه نظرًا لضخامة المبالغ التي يتم التحدث عنها وحركتها في دول تمتد من أميركا اللاتينية مرورًا بأفريقيا وصولًا إلى لبنان فإيران. ولكن هذه التصريحات إلى جانب دورها في تطمين الداخل اللبناني توحي بأن الحزب متضرر من هذه العقوبات وتطبيقاتها اللبنانية فهي لم تضييق عليه فقط في عمليا ت التبييض والتمويل بل أيضاً ضيقت على رجالاته من الصف الأول التي باتت حساباتهم المصرفية وعائلاتهم محل شبهة ومراقبة، كما امتد الأمر إلى “تجار حزب الله” الذين يديرون تجارات واسعة في لبنان لا يمكن لهم الاستمرار فيها دون الاستعانة بالقطاع المصرفي.

من هنا يمكن فهم تصريحات حسن نصر الله عقب عقوبات أميركية طالته مؤخراً ونائبه نعيم قاسم وشخصيات مقربة من الحزب بالإضافة إلى محافظ بنك إيران المركزي وبنك عراقي، فهو قال إن العقوبات لن تؤثر على الحزب ولكنها تهدف إلى الضغط على بيئته الحاضنة.

يبدو أن لعبة القط والفأر ستستمر ولكن هذه المرة يكاد القط الأميركي يمتلك مفاتيح كل لعبة الصراع، فسيطرته على القطاع المصرفي حول العالم كبيرة ولا يمكن الاختباء طويلًا دون وقوع عينيه على ما تفعله بأموالك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة