الإيكونوميست: انتقال الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى إفريقيا

الإيكونوميست: انتقال الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى إفريقيا

مع اكتساب الجماعات الإسلامية العنيفة مزيداً من القوة في منطقة الساحل الإفريقي, سلطت الإيكونوميست الضوء على هذا الموضوع في تقرير أعدته من نيجيريا والنيجر. متناولة جماعة بوكو حرام, نشأتها وأعمالها الشنيعة, وانضمامها لتنظيم الدولة الإسلامية.

مايدوجوري, المدينة الشمالية الشرقية الرئيسية في نيجيريا والتي تتعرض لسلسلة من الحملات الجهادية, حيث أصبح مشهد الضمادات البيضاء حول الأطراف المبتورة لضحايا التفجيرات أمراً مألوفا. إلا أنه بحسب الصحيفة, بالكاد يتم الإبلاغ عن الكثير من العمليات الإرهابية بالرغم من أنها أودت بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص العام الماضي, معظمهم من المدنيين. وقد وصف الجنرال مارك هيكس, قائد القوات الخاصة في إفريقيا, الجماعات الإرهابية هناك بأنهم أكبر مجموعة ينتمي أعضائها لتنظيم الدولة الإسلامية خارج العراق وسوريا. فقد جذبت الحرب ضدهم قوات من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا, كما أنها تجتذب بقايا تنظيم داعش.

الكآبة الإفريقية
وأشار التقرير إلى القلق من كسب الجهاديين لهذه الحرب. “إن الحملة تحقق تقدماً كبيراً, لا يمكني القول إن الوضع يزداد سوءاً”, قال الجنرال برونو غيبرت والذي يشرف على جهود مكافحة الإرهاب الفرنسية في المنطقة, إلا أنه في الواقع تشير الإحصائيات إلى خلاف ذلك: فقد ارتفع عدد حوادث العنف التي تورطت بها الجماعات الجهادية في إفريقيا إلى أكثر من 300 % بين عامي 2010 و2017, كما ازداد عدد الدول الإفريقية التي تشهد نشاطاً متشدداً إلى أكثر من الضعف حيث بلغ 12 دولة خلال ذات الفترة, هذا بحسب مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية والذي يعد قسم من وزارة الدفاع الأمريكية. لذلك عبّر ضابط فرنسي كبير عن يأس الضباط الغربيين حيال الوضع قائلاً: “لا شك أننا سوف نخسر المعركة ما لم يتم تزويدنا بمزيد من القوات”.

وعن الجماعات الجهادية في الدول الإفريقية أوضح التقرير أن الكثير منهم يتعهد بالولاء لتنظيم القاعدة أو داعش. من ضمنهم جماعة “الشباب” في الصومال و “بوكو حرام” وفصائلها في نيجيريا و “نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي. كما أوضح التقرير أن الصراع قد يكون مدفوعاً إلى حد كبير بالمظالم المحلية في كل منطقة, لكن المتمردين يشتركون في بعض السمات الإيديولوجية. وقد عزز وجودهم بشكل كبير انهيار ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011, فتسربت الأسلحة عبر إفريقيا من مخازن الأسلحة الليبية. كما نشطت شبكات التهريب المختلفة من تهريب البشر إلى تهريب المخدرات في جميع أنحاء الصحراء. وهناك مؤشرات تفيد بأن الجهاديين يتعلمون من بعضهم البعض, ويمتصون الأموال والدعم من الجماعات المسلحة المتواجدة في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً: “التحدي بالنسبة لنا هو إدارة النزاعات, ومنع الجماعات الجهادية من التوحّد والانضمام”.
أهم المعارك الدائرة ضد الجماعات الجهادية هي حملة نيجيريا ضد بوكو حرام, حيث تعد نيجيريا أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان وأقواها اقتصاداً. فإذا كان بلداً بهذه الموارد غير قادر على احتواء فيروس الجهاد, فما هو الأمل المنشود من الدول الإفريقية الأفقر والأقل قدرات؟ ” إذا سقطت نيجيريا فإنها سوف تشكل فجوة عملاقة تمتص ستة أو سبعة بلدان أخرى إلى الهاوية”, قال جنرال متقاعد كان يشغل منصب كبير في القيادة العسكرية لإفريقيا.

إلا أن الحكومة النيجيرية تصّر على انتصارها في الحرب على بوكو حرام. ومع ذلك يبدو الأمر غير صحيحاً في قرية كيريبيري الواقعة على بعد نحو 12 كم من مايدوجوري, حيث تحدد الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة بخندق ضحل, ويشير شرطي من المنطقة إلى ما هو أبعد من ذلك قائلاً: “هناك انعدام للأمان, إنها بوكو حرام”.
مايدوجوري كانت مسقط رأس بوكو حرام التي تشكل فصائلها أكبر مجموعة إرهابية في العالم, حيث تعد أخطر من تنظيمي داعش والقاعدة. وبحسب التقرير: أسست المجموعة من قبل أتباع الداعية الإسلامي محمد يوسف الذي أنشأ مدرسة دينية ومسجد في مايدوجوري عام 2002. ويشير أحد مخبري الشرطة الذي حضر خطب يوسف إلى أنه “كان مقنعاً للغاية, جعلني أتفق مع كل شيء قاله”.

انطلاقة بوكو حرام
حرّض يوسف أتباعه على رفض الدولة بذريعة أنها خلقت من قبل الإنسان وليس الله, ورفض أي معارف ومفاهيم تتناقض مع الإسلام, كتلك التي تتحدث عن جولة حول العالم أو تعلل نشأة المطر من التبخر. وبالرغم من أن الولايات الشمالية في نيجيريا قد فرضت الشريعة الإسلامية منذ فترة طويلة, إلا أن تفسيرها لم يكن يتناسب بما فيه الكفاية مع فكر يوسف. ومن بين مطالبه كان فرض حظر على التعليم العلماني, لذا أطلق على المجموعة اسم بوكو حرام ما يعني: “التعليم الغربي هو خطيئة”.

وكان رجال يوسف يهاجمون الشرطة والجيش, ويقتلون رجال الدين ممن لا يتفقون مع تفسيره للإسلام, ذلك بحلول العام 2009. إلى أن ألقت الشرطة النيجيرية القبض على يوسف وقتله أمام حشد خارج مقر الشرطة في مايدوجوري, وأصرّت الحكومة على أنها أطلقت عليه النار أثناء محاولته الهرب.

احتجب أتباع يوسف قبل أن يظهروا مجدداً بقيادة أبو بكر شيكاو, حيث قاموا عام 2011 بتفجير مقر للشرطة النيجيرية ومبنى تابع للأمم المتحدة في العاصمة أيوجا. وبحلول نهاية عام 2014 انتشروا في أجزاء كبيرة من ثلاثة ولايات تقع شمال شرق نيجيريا, وحققوا شهرة دولية بعد اختطافهم ما يقارب 300 تلميذة من شيبوك متجهين إلى مايدوجوري مستغلين ضعف الجيش النيجيري الذي نهشه الفساد وفي حالة من الفوضى, فيذكر أحد الضباط كيف أن المؤسسة التي يجب أن يتراوح عدد أفرادها بين 100 و150 جندياً كانت تتألف فقط من 20 رجلاً.

لم تحاول بوكو حرام في البداية السيطرة على الحكم كما فعلت داعش في سوريا والعراق حيث أسست إدارات مدنية لإدارة الخلافة التي أسست نفسها بنفسها. بل فضّلت الفوضى, فقصفت المساجد والأسواق, ذبحت القرويين واختطفت النساء والأطفال, استعبدت بعض الفتيات وقامت ببيعهم, ضغطوا على آخرين ليكونوا قنابل بشرية, وبحسب دراسة قام بها مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت, وهي اكاديمية عسكرية, فإن القنابل البشرية التي استخدمتها المجموعة والتي بلغت 434 بين نيسان 2011 وحزيران 2017 كانت معظمها من الإناث, أما اليونيسيف أعلنت أن العام الماضي فخخت بوكو حرام 135 طفلاً على الأقل.

ويوضح التقرير أن هذا العنف يعكس شخصية شيكاو الغامضة والوحشية والتي أثبتها أيضاً لداعش التي أعلن ولاءه لها في عام 2015, حيث غيّر اسم بوكو حرام ليصبح الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (ISWAP). وفي عام 2016 أعلنت داعش أبو مصعب البرناوي زعيماً لـ (ISWAP), ما أدى إلى قسم المجموعة إلى فصيلين.
في هذه الأثناء, حمل آلاف القرويون وسكان مايدوجوري المناجل والمسدسات وانضموا إلى ميليشيا للدفاع عن النفس, وهي فرقة العمل المدنية المشتركة (CJTF) والتي كانت تضبط مداخل المدينة. في حين أمر الرئيس النيجيري محمد بخاري, وهو يساري ودكتاتور عسكري سابق, جنرالاته بنقل مقرهم إلى مايدوجوري. وساهمت دول الجوار مثل تشاد والنيجر والكاميرون من خلال قوات متعددة الجنسيات في التصدي للوضع. وفي غضون أشهر استعاد الجيش السيطرة على معظم المدن الكبرى ودفع بالمتمردين إلى الغابات أو بحيرة تشاد, وهي مجموعة مستنقعات تلتقي بحدود أربعة بلدان.

ومنذ ذلك الحين يسيطر الجيش على المدن الرئيسية وبعض الطرقات فيما بينها, في حين يسيطر المتمردون على الريف والقرى. ويعتقد الأمريكان أن بارناوي يقود حوالي 3500 مقاتل ( كان لدى شيكاو 1500 جندي تقريباً) مما يعني أن بارناوي قد يكون مسئولاً عن أكبر قوة لداعش في العالم, ويعتقد أن بضعة آلاف من رجالات داعش غادروا سوريا والعراق للانضمام إليه.
يعاني الجيش النيجيري من الضغوط الزائدة وانخفاض الروح المعنوية أكثر مما كان عليه عام 2015, كما أنه لا يصرّح بالأرقام الحقيقية لخسائره, إلا أن مطلعين قالوا أن أكثر من 300 جندي نيجيري قتلوا وجرح 1500 آخرين خلال العام الماضي.

لم تكلّف بوكو حرام نفسها عناء السيطرة, إلا أن على عكس ISWAP التي تعزز السيطرة على القرى الحدودية وتفرض الضرائب على السكان المحليين وتنشأ حواجز على الطرق لابتزاز الأموال من المارّين وتقدم الأمن والعدالة الخاصة بها في المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الدولة. وبالرغم من عدم قدرتها على الاحتفاظ بالأراضي في معركتها أمام الجيش النيجيري, إلا أنها تقوم ببناء الخلافة الأولية. فيقول أحد ضباط الجيش: “يمكنك رؤية العلم الأسود لداعش على أكواخ في القرى”.

وبحسب التقرير, يفعل الجنرالات النيجيريين عكس ما يقولون من كسب القلوب والعقول. فقد قام الجيش بإخلاء الناس من الريف بشكل ممنهج وحرق قراهم وتمت حشدهم في مخيمات مزرية في مايدوجوري وغيرها من البلدات التي يسيطر عليها الجيش النيجيري. فقد نزح نحو مليون شخص بسبب القتال في نيجيريا والبلدان المجاورة.

ويرى معظم المراقبين أن عمليات القتل العشوائية التي يقوم بها الجيش وإجبار الناس على الدخول إلى بلدات الحاميين تغذي التمرد. وتقول منظمة العفو الدولية أن العديد من النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب في المخيمات وأن المئات (إن لم يكن الآلاف) من المحتجزين في المخيمات ماتوا بسبب الجوع أو نقص الرعاية الطبية.
ويتجاوز فشل الحكومة النيجيرية حدود المخيمات, فبحسب التقرر, لا يكاد أحد يحصل على التعليم أو الرعاية الصحية أو الخدمات العامة الأخرى في المناطق المتضررة من بوكو حرام. ففي واقع الأمر, يعتبر شمال شرق نيجيريا دولة فاشلة داخل دولة محتلة.

ويعرب التقرير عن قلق الجيوش الغربية التي لا ترغب في الانجرار نحو حرب أخرى وسط الأوضاع الإنسانية السيئة. فتقوم كل من أمريكا وبريطانيا بتدريب القوات النيجيرية وتقديم المشورة لهم, كما تقوم القوات الأمريكية الخاصة بدوريات مشتركة مع الجيش في النيجر, وتقوم فرنسا بعمليات واسعة عبر الساحل. كما تقوم الدول الغربية بتمويل مجموعة الخمسة, وهي قوى إقليمية تضم قوات من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر لمكافحة الإرهاب.

لكن تلك القوات لا تلعب دوراً مباشراً في الحرب ضد ISWAP في نيجيريا كما يحصل في الصومال, حيث لدى أمريكا هناك 500 حوالي جندي على الأرض وتشن هجمات وغارات بطائرات بدو طيار لقتل أو أسر الجهاديين. وبحسب المقال, فإن مقتل أربعة جنود أمريكان في النيجر في تشرين الأول الماضي يثير الشكوك حول حجم مشاركة أمريكا في إفريقيا. وكان هذا الحادث الأكبر في خسارة الأرواح الأمريكية في القتال في إفريقيا منذ مقتل 18 رجلاً في مقديشو قبل 25 عاماً, الأمر الذي دفع بها لسحب قواتها.

يرى البعض أنه يجب تعزيز الجهود العسكرية بدلاً من تقليصها, فيمكن لغارة جوية غربية إلحاق خسائر فادحة بالمجموعة وتعيد قدرة ISWAP على التنظيم لمدة عام أو أكثر. لكن بحسب أحد الضباط البريطانيين: “يمكننا القضاء على القيادة, لكن هل هذا سيجعل الأمور أفضل؟” حيث يرى أن الغارات وحدها لن تكون كافية لهزيمة المجموعة, فيتحدث ضباط غربيون عن الحاجة إلى التزام طويل الأمد لتدريب القوات المحلية وتجهيزها ومساعدتها ومنحهم الدعم الجوي عند الحاجة.

ويقارن الجنرال هيكس تصاعد الجهاد في إفريقيا بحركة طالبان في أفغانستان عام 1993, فالتهديدات التي تشكلها حركة الجهاد على الغرب لا تزال في مراحلها المبكرة ويمكن التعامل معها بخسائر مادية وبشرية أقل. ويقول إن السماح للخطر بالتفاقم قد يؤدي إلى نمو التهديدات لدرجة تضطر القوى الغربية بالتدخل المباشر وعلى نطاق أوسع. لكن تجربة الغرب في أفغانستان منذ العام 2001 منحتهم درساً آخر: التدخل العسكري وحده لا يمكن أن يحل المشكلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.