بسام الحسين – دمشق

قبل توجهه إلى محله، يشد رباطاً حول معصميه، ألم عمره سنوات لا يفارق مفاصل أبو عمار الديرعطاني، يسند الرجل الخمسيني العصا التي يستند لها أثناء الانتقال من منزله في نهر عيشه إلى محله على استراد دمشق درعا، أي أن المسافة لا تتجاوز 150 متر في حدها الأقصى، إلا أن #الدواء الذي اعتاد أن يأخذه قبل اندلاع الثورة كان يجعله لا يشعر بالآلام التي يعاني منها اليوم.

يقول أبو عمار، “صفعة جديدة تلقاها المواطن بعد رفع سعر الدواء منذ 2011 وحتى اليوم بنسبة تتراوح بين 75- 400% وكأن الحكومة لا تعتبر أن الدواء سلعة أساسية كما الخبز، واللافت في الموضوع أن وزارة #الصحة نفت رفع سعر الدواء رغم أن السعر الجديد أصبح ساري المفعول في الصيدليات منذ سنوات”.

أبو عمار اعتاد أن يأخذ دواء “سيلكوكسيب” والذي كان يصنع محليا، وكان الدواء ذو فعالية ممتازة ويخفف من #آلام المفاصل بشكل فعال، إلا أن هذا الصنف الدوائي بات مفقودا في السوق مع توقف معمل #تاميكو عن العمل بداية 2012، لكن البديل الأوروبي فالديكوكسيب المستور من السويد مرتفع الثمن جدا لكنه فعال بنفس الوقت ويتم ادخاله من لبنان، العملية توقفت بعد ثلاثة شهور من الاعتماد على الدواء الجديد حيث صدر قرار من وزارة الصحة في حكومة النظام بوقف استيراد الدواء الأوروبي من لبنان قطعيا والاستعاضة عنه بالدواء الإيراني.

انخفضت نسبة صناعة الدواء السوري التي تغطي السوق المحلية من 93% في 2010 إلى 17% في 2017، وذلك فقاً لتقارير وزارة الصحة التابعة للنظام، وأدى ذلك إلى خلق مشكلة صحية، نتيجة نقل غالبية المعامل أنشطتهم إلى دول أخرى.

الصيدلاني (مصطفى عبد الرحمن) يشرح لموقع “الحل السوري” كيف عملت #إيران على ضرب صناعة الدواء في سوريا بعد أن باتت منافساً رئيسيا للدواء الإيراني في الأسواق المجاورة سيما في العراق حيث أن السوق العراقية واسعة جدا ومدرة للأرباح وتمكنت #الأدوية السورية من اكتساح السوق، لكن إيران أجبرت العديد من المعامل السورية على تجميد إنتاجها وحولت مقر أكبر معمل للدواء في سوريا معمل تاميكو إلى معسكر للقوات الإيرانية في الغوطة الشرقية، كما بلغ عدد معامل الدواء المتوقفة عن العمل أكثر من 80 معملاً، وهذا ما انعكس سلباً على توفر الأدوية في السوق المحلية والسوق العراقية، مما أدى بالمحصلة إلى قيام تجار الدواء والصيادلة في العراق إلى العودة إلى المنتج الإيراني.

بينما المخبري (سعد الناصر) يشرح لنا سياسة إيران المدمرة لهذه الصناعة التي نمت في الآونة الأخيرة بشكل ملفت للنظر حيث عمدت إيران على تزويد معامل الأدوية التي تكافح للاستمرار في هذه الصناعة بعقاقير ومواد أولية ضعيفة الفعالية للإجهاز على ما تبقى من معامل صامدة أمام الهجمة الإيرانية الممنهجة، وأكد الناصر أن “ثمّة نقصاً عانت منه السوق المحلية في مضادات الصرع والمهدئات والمسكنات وعقاقير علاج الجهاز التنفسي والهضمي وأدوية علاج السرطان، وأدوية التهاب الكبد والفيتامينات والمراهم الجلديّة وأدوية الالتهابات البوليّة والأنسولين، تم الاستعاضة عنها بأدوية إيرانية نستطيع شراءها بأعداد محدودة جداً من المستودعات لكن فعاليتها شبه معدومة بحسب النتائج التي تظهر على #المرضى بعد تناولها، وهذه الأدوية غير موثوقة على الإطلاق وقد تتسبّب بأذية المرضى، وكثيرون توقفوا عن العلاج بسبب ضعف فعالية الدواء الإيراني، وهم ذاهبون باتجاه الموت للأسف”.

الحرس االثوري الإيراني وقطاع الأدوية

يتدخل الحرس الثوري الايراني بكل مفاصل الحياة في إيران بدءاً بالجامعات وليس انتهاءً بالصناعات الدوائية، ويملك مصانع خاصة لانتاج الدواء في بندر عباس وأصفهان، وخودرو، واستطاع استغلال خطوط الائتمان الايرانية السورية لتمرير دفعات من الدواء والمواد الأولية لإنتاج الدواء وإدخاله السوق السورية، ووقع رئيس حكومة النظام السابق (وائل الحلقي) ورئيس مجلس إدارة شركة أبرار، (محمد تقي حسيني)، في العام 2012 على اتفاقية بهذا الخصوص.

صناعة الأدوية في غرفة الانعاش

يبدو أن صناعة الدواء السورية من القطاعات التي أجهزت عليها إيران بشكل غير ظاهر للعيان، بحسب ما أكده سليم صايغ وهو صاحب مخزن دوائي، حيث أكد لنا، أن “وزارة الصحة السورية تتحمل جزء كبير من مسؤولية عرقلة إنتاج الدواء المحلي، فهي تشجع الاستيراد الذي يجب أن نقلل منه كوننا في ظرف استثنائي، وهذا الدواء المستورد تكلفته تكون أعلى من انتاج الصنف محلياً بحوالي 9 أضعاف”.

صرخة المنظمات الدولية لوقف التدهور الصحي

حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تدهور الوضع الإنساني والصحي في سوريا، وقالت، “يحاول مئات الآلاف من الأشخاص العيش بأبسط الموارد الأساسية في ظل انعدام الرعاية الصحية السليمة، وقد تسبب النزاع الدائر منذ ثمانية سنوات تقريباً في تدمير جزء كبير من البنية التحتية للمراكز الصحية في البلاد أو ألحق أضراراً شديدة بها”.

يحتاج أكثر من 12 مليون سوري، بمن فيهم 5,5 ملايين طفل، إلى المساعدة الإنسانية العاجلة بما في ذلك الرعاية الصحية، وفر أكثر من 6 ملايين شخص إلى خارج البلد وتشرد حوالي 8 ملايين شخص داخلياً، وأجبر الكثيرون على الرحيل لمرات عدة.

وكأن حرب الثمانية أعوام لم تكفِ سوريا وأهلها، ليأتيَ الموت والمرض أيضاً عن طريق الأدوية الإيرانية وغياب الرقابة الصحية، كأحد طرق الانتقام من هذا الشعب، فتلتقي الحرب والأدوية الخلبية، متكاتفةً، لنشر الموت والرعب والخوف بين المدنيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.