فتحي أبو سهيل

تكاد أزمة #النظافة في سوريا، أن تشبه الأزمة التي تعيشها لبنان، فلا حل حالياً يلوح في الأفق، وبدأ السكان يضيقون ذرعاً من هذه الإشكالية، وخاصة بدمشق وريفها، حيث تتكدس #القمامة على أطراف الشوارع والمنصفات وتبقى لأيام بعض الأحيان وخاصة في ريف دمشق.

في جرمانا، القصة كانت أكثر تعقيداً، حيث تحولت إحدى الساحات التي من المقرر أن يبنى فيها مشفى للمدينة، إلى مكب قمامة، بينما ارتمت الأكياس على منصف الشارع العام، وقرب المنازل، واكتظت الحاويات وماحولها بالقاذورات، لتجلب الجرذان والحشرات والكلاب الشاردة.

من زاوية أخرى

لن يناقش موقع “الحل” القضية من الناحية التي ناقشتها ولازالت تناقشها أغلب وسائل الإعلام المحلية، وسنحاول بلغة الأرقام، الوصول إلى سبب المشكلة وعدم حلها، ففي العام 2011، وصل عدد عمال النظافة بدمشق إلى 6 آلاف وكان عدد السكان حينها أقل من 2 مليون مواطن، بينما يعمل بها اليوم لتخديم نحو 8 ملايين مواطن، أقل من 3 آلاف عامل وفقاً لتصريحات مديرية النظافة هناك.

وفي جرمانا التي يقطنها اليوم نحو 1.5 نسمة، يخدمها فقط 20 عاملاً، وفي اللاذقية وريفها، التي تستقبل حالياً الموسم السياحي وعدد سكانها يزيد عن مليون نسمة، لايوجد فيها سوى 350 عامل.

تعزي حكومة النظام انخفاض عدد العمال للالتحاق بالخدمة العسكرية، والوفيات والخطف والهجرة، بينما هناك أسباب أخرى تساهم في عدم قدرة النظام على حل مشكلة عدد العمال، وهي أسباب #اقتصادية بحتة.

مشكلة الرواتب

عمال النظافة القائمين اليوم على رأس عملهم، يشتكون مما وصفوه بـ”غياب حقوقهم، وإلزامهم بالعمل في قطاعات أكبر من السابق بعد تناقص عددهم، مع ذات الراتب، إضافة إلى اجبارهم على #العمل في أيام العطل الجمعة والسبت والأعياد، دون تعويضات أو زيادات تذكر”.

ويبلغ راتب عامل النظافة 15 ألف ليرة سورية كراتب مقطوع عند بدء التعيين، تتبعه 7500 ليرة سورية بدل غلاء معيشة، ليكون الراتب نحو 22500 ليرة فقط، وهي لا تكفي شيء، بينما يصل راتب العامل الذي لازال على رأس عمله منذ 20 عاماً تقريباً، نحو 40 ألف ليرة سورية شاملة لكل شيء.

وكان عمال النظافة يحصلون قبل #الحرب، على 10 آلاف ليرة سورية تقريباً، وعلى طبيعة عمل بنحو 5 آلاف ليرة سورية شهرياً ليكون الراتب 15 ألف ليرة، أما الآن فأصبح الحصول على طبيعة العمل كل 3 – 4 أشهر، والأولوية في منحه لمن يبذل جهداً إضافياً على ماهو مفروض على العمال، وفقاً لتقييم الوحدة الإدارية، وذلك بحسب العديد من العمال.

هذه المعاناة بالراتب الشهري، دفعت الكثير من الراغبين بالتعاقد مع البلديات كعمال نظافة إلى إعادة حساباتهم والتراجع عن ذلك، فقد عرضت عدة بلديات خلال سنوات الحرب على من يرغبون بالتعاقد كعمال موسميين (عقد مدته ثلاثة أشهر)، لكن دون فائدة، فعقود الثلاثة أشهر لا تشملها بدل غلاء المعيشة، ولا طبيعة العمل، ولا أي ميزة أخرى، وبهذا يكون الراتب فقط 16 ألف.

وأوقفت الحكومة التوظيف منذ 6 سنوات تقريباً، وعلقت تثبيت العقود السنوية مهما طالت مدتها، وكل ذلك له تأثير كبير على إقبال الراغبين بالعمل إلى التقدم للتعاقد مع البلديات كعمال نظافة، ولتزيد المشكلة أوقفت حكومة النظام نهائياً خلال الحرب، التعاقد بعقود سنوية في قطاع النظافة، لتعتمد فقط على العقود الموسمية التي لم يقبل عليها إلا البعض.

الإنفاق على الآليات

عدا عن ذلك، لم تقم حكومة النظام بانفاق مايكفي لصيانة الآليات المتعطلة وزيادة عدد الحاويات، أو استيراد سيارات جديدة لتحل محل التي فقدت أو دمرت أو خرجت عن الخدمة، أو القديمة، حيث يبلغ عمر بعض الآليات أكثر من 35 عاماً، تحتاج أكثر من مليون ليرة سورية سنوياً بين الصيانة والمستلزمات.

وأكد أحد سائقي سيارات القمامة بإحدى التقارير في صحيفة تابعة لحكومة النظام عام 2013، صرف أكثر من مليون ليرة سنوياً لإصلاح كل آلية نظافة يعود موديلها لسبعينيات القرن الماضي، واليوم على الأقل يمكن مضاعفة الرقم ببساطة لـ2 مليون ليرة، (علماً أن مديرية النظافة أكدت عام 2016 عملها بـ50% من اسطولها وهي 100 آلية، يضاف إليها 30 كانسة، و21 قلاب)، ولو فرضنا أنه هناك 50 آلية قديمة فقط بدمشق، يعني انفاق 100 مليون ليرة عليها سنوياً، وهذا يبرر عدم استفادة أي محافظة من المنح المقدمة لها ضمن الموازنات العامة لتحسين واقع النظافة، والتي بلغت وسطياً 200 مليون ليرة في العام لكل مايخص قطاع النظافة، كما حصل مع محافظة ريف #دمشق عام 2016 ومحافظة طرطوس 2017.

الانفاق على الترحيل

وبحسب مصدر في مديرية نظافة دمشق، فإن ترحيل نحو مليون طن من #النفايات سنوياً من مدينة دمشق التي زاد عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة، يصل إلى نحو 5 مليارات ليرة سورية، أي بمعدل 625 ليرة للفرد سنوياً، و1.7 ليرة يوميا للفرد الواحد.

وإن كان عدد سكان سوريا 22 مليون نسمة، فإن تكلفة ترحيل القمامة تصل إلى حوالي 14 مليار ليرة سورية سنوياً (تقريباً لو تم افتراض الانفاق على الفرد في دمشق هو ذاته في كل المحافظات)، هذا عدا عن نفقات أجور العمال، وصيانة الآليات التي تكلف الواحدة في السنة مليون ليرة.

وتتجه حكومة النظام اليوم لتولي جل اهتمامها للمشاريع الاستثمارية والسياحية والصناعية والضريبية، مايدر عليها المليارات سنوياً إلى الخزينة، مازاد الإهمال في بعض القطاعات منها الصحية والبيئية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.