موقع الحل – خاص

منذ اتفاقيات أستانا التي أوجدت ما يسمى “مناطق خفض التصعيد”، استطاع النظام الاستفراد بمناطق سيطرة فصائل المعارضة الواحدة تلو الأخرى، إما باستخدام القوة العسكرية المدعومة روسياً أو بالترهيب بهدف الوصول إلى اتفاقيات “التسوية”، وفي كلا الحالتين انتهت المناطق بسيطرة قوات النظام عليها وإخراج “رافضي التسوية” من معارضيه إلى محافظة إدلب.

إنهاء قوات النظام ومن خلفها روسيا، لكافة جيوب المعارضة في دمشق وريفها، وضعها على أبواب محافظة #درعا التي استبقت فصائلها الحملة العسكرية الأخيرة باستعراض قوتها وملاحقة واغتيال “عرابي المصالحات”، ما أعطى انطباعاً بأن الحملة العسكرية على جنوب #سوريا لن تكون سهلة، إلا أن ما حصل خالف كل التوقعات، ففصائل المعارضة لم تُهزم عسكرياً فقط، بل التحق العديد منها في صفوف قوات النظام وقاتلا معاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية #داعش في منطقة حوض اليرموك، لتصبح محافظة درعا أمام علامة استفهام كبيرة جداً، كيف تحولت فصائل درعا من عدو النظام إلى حليف له؟

المشاهد التي أظهرت لقاءات بين قادة فصائل المعارضة (الجيش الحر) وضباط النظام الأمنيين والعسكريين، ثم ما تلاها من تنسيق على أعلى المستويات في القتال معاً وتحريك القوات وضبط الحواجز، دون وقوع أي خروقات، لا تدع مجالاً للشك بأن هذه الثقة المتبادلة بين الطرفين ليست حديثة العهد أبداً، بل قد أُسس لها على مدار عدة سنوات، وسبقها العشرات من الاجتماعات، لذلك فإن فهم ما حصل في درعا منذ 19 حزيران الماضي تاريخ بدء الحملة العسكرية على جنوب سوريا، لا يمكن أن يصح بمعزل عن فهم ما جرى على مدار السنوات القليلة الماضية.

“الجمود العسكري” الذي أصاب جبهات المنطقة الجنوبية عموماً، باستثناء مدينة درعا، لم يكن نتيجة ضغوط إقليمية ودولية فقط، فقد سبقها معطيات محلية أكدت رغبة العديد من الفصائل بعدم إشعال أي جبهات للقتال، كما حصل في بلدة #خربة_غزالة التي امتنعت الفصائل فيها عن شن أي عمليات حقيقية للسيطرة عليها، رغم أهميتها الكبيرة، وعندما تجد الفصائل نفسها مضطرة، تحت ضغط الشارع، لبدء أي عمل عسكري، فإنه ينتهي بعد ساعات قليلة دون أي نتائج، هذا إن بدأ أساساً ولم يُقتل بالتسويف والتأجيل.

يقول محلل سياسي ومراقب للأوضاع في درعا حالياً (يفضل عدم ذكر اسمه كونه مقيم في درعا حالياً) لموقع الحل: “نستطيع الاستنتاج أن امتناع قادة الفصائل عن أي عمليات عسكرية، رغم ما تملكه من ترسانات ضخمة من الأسلحة والذخائر، هو جزء من التنسيق غير المعلن بينها وبين قوات النظام، الأمثلة التي بالإمكان ذكرها وربطها مع ما جرى مؤخراً كثيرة، فصائل داعل وابطع كانت أول من مهد دخول النظام إلى هاتين البلدتين وهي ذاتها أيضاً من عطلت ومنعت أي أعمال عسكرية على مواقع النظام القريبة منهما، في مدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان وتل الخضر، وصولاً إلى خربة غزالة والأوتوستراد الدولي، الأمر ذاته ينطبق على فصائل منطقة الجيدور عموماً وإنخل خصوصاً، التي امتنعت عن أي هجوم على اللواء 15، بل وعقدت اتفاقيات سرية لتثبيت هدنة في المنطقة منذ عدة سنوات، وهو ما ينطبق على فصائل منطقة اللجاة وريف درعا الشرقي عموماً”.

نجاح أجهزة النظام الاستخباراتية والعسكرية في السيطرة على الفصائل، أتى من نجاحها في “تجنيد” قادة هذه الفصائل نفسها وفق المصدر، التجنيد الذي تم من خلال إغراءات مالية عبر فتح المنافذ التجارية بين مناطق سيطرة الطرفين، أو عبر منح مكتسبات مستقبلية ضمن قواته مستقبلاً.

ما يؤكد هذه الفرضية وفق مصدر آخر من درعا هو “انقلاب الأفكار والمواقف للعديد من هذه القيادات خلال أيام فقط، ليتحول أحمد العودة من قيادي في صفوف المعارضة إلى قيادي في تحالف دعم النظام، ويظهر مشهور الكناكري القيادي في مدينة داعل إلى جانب ضباط أفرع النظام الأمنية بكل أريحية، وتظهر مقاطع الفيديو ترحيباً من ضباط النظام بالقيادي محمود البردان في مدينة طفس، رغم أنه ظهر قبل تلك المقاطع بأيام قليلة يهدد النظام وجيشه، ويظهر خالد الرفاعي القيادي في بلدة الغارية الشرقية متحدثاً عبر إعلام النظام عن المعاملة الجيدة لجيشه، ويوفر مهران الضيا القيادي في مدينة نوى الحماية لضباط النظام وإعلامه عند التجول داخل المدينة رغم إعلانه عن تأسيس جيش جديد لمحاربة النظام قبل أيام قليلة فقط من تسهيل دخوله، ويصف ياسر الدنيفات المتحدث الرسمي باسم جيش الثورة، روسيا بأنها الدولة الصديقة، على الرغم من التاريخ الطويل للفصيل الذي يتحدث باسمه في محاربة واغتيال أي شخص يحاول فتح قنوات للتواصل مع الجانب الروسي، والأمثلة التي ظهرت لتؤكد انقلاب قادة الفصائل كثيرة”.

في السياق ذاته لا يمكن فصل “هروب عدد من أبرز قادة فصائل الجنوب نحو الأردن، خارج سياق الخطة المعدة لتسهيل سيطرة النظام على محافظة درعا، حيث اختار قادة بارزون كأبو سيدرا، بشار الزعبي، عماد أبو زريق، أبو عمر الزغلول، معاذ النصار، علاء الحلقي، وآخرين غيرهم، ترك فصائلهم ومقاتليهم وترساناتهم من الأسلحة غنيمة سهلة للنظام، وإنقاذ أنفسهم وعائلاتهم وأموالهم” وفق المصدر.

إلحاق فصائل المعارضة بصفوف قوات النظام في محافظة درعا، لم يكن مشهداً جديداً في عموم سوريا، بل تكرر سابقاً في القلمون الشرقي، وريف حمص الشمالي، وجنوب دمشق وبيت جن، لكن المشهد الجديد الذي تمخض في درعا، كان خوض الطرفين وبغطاء جوي من الطائرات الروسية لمعارك مشتركة بالكامل ضد تنظيم جيش خالد بن الوليد التابع لتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة حوض اليرموك، في مشهد كان من الصعب تصوره قبل عدة أسابيع من معركة جنوب سوريا، هذا المشهد لم يكن وليد صدفة هو الآخر، بل تم التخطيط له على مدار أشهر وربما سنوات مضت، وفق المصادر.

اتفاقية أستانا، التي وقعت الفصائل عليها، تضمنت شرطاً رئيسياً يفرض عليها قتال “الإرهاب” المتمثل بتنظيمي داعش وهيئة تحرير الشام المسمى الجديد لجبهة النصرة، إلا أن “هذا الاتفاق لم يجد طريقاً له إلا في محافظة درعا، التي كان من السهل جداً تجنيد فصائلها لمثل هذه المعركة، فهي خاضت على مدار السنوات القليلة الماضية، العشرات من المعارك ضد تنظيم الدولة المتمثل بجيش خالد، التي انطلقت في معظمها على أساس مكتسبات مالية تحظى بها الفصائل وقادتها من استمرار المواجهات بين الطرفين، مستغلين حالة الثأر التي تولدت لدى عناصرهم، لتأتي قوات النظام وحليفها الروسي، مستفيدين من الأسس ذاتها في استغلال المئات من المقاتلين لخدمتهم في ذات المعركة” يضيف المصدر.

بالاطلاع على أسماء الفصائل التي تم تحريكها لخدمة قوات النظام في معركة حوض اليرموك، وهي بشكل رئيسي قوات شباب السنة، جيش المعتز بالله، جيش اليرموك، فرقة الحق، فرقة أحرار نوى، لواء الكرامة، ألوية مجاهدي حوران، ألوية الفرقان، غرفة عمليات صد البغاة، يتضح أن غالبيتها “من الفصائل ذاتها التي استطاعت قوات النظام تجنيد قادتها على مدار السنوات الماضية، وهي الفصائل التي مهدت لانهيار جبهات جنوب سوريا وكانت السباقة في إتمام اتفاقيات التسوية في مناطق سيطرتها” وفق الصمدر.

هذه المعطيات، وما خُفي من اتفاقيات وتفاهمات دولية ومحلية، مهدت للمشهد الذي أفضت إليه محافظة درعا خلال الأسابيع الماضية، “فصائل المعارضة في صف قوات النظام، ويحظى كلاهما بدعم الطائرات الروسية، مشهد قد يكون قابل للتكرار في أماكن أخرى فالمعطيات التي ظهرت جنوباً قد تتوفر شمالاً” يختتم المصدر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.