بسام الحسين – دمشق

الطريق من مدينة حماة إلى مدينة حلب يشد المسافرين بجماله وخضرته، أشجار الفستق الحلبي والتين وأشجار اللوزيات لا تسمح لمن يشاهدها أن يشرد ذهنه خارج هذه اللوحة الربانية، إلى أن يقطع شريط الخيال صوت مرافق البولمان بكلمة ركاب (إيكاردا) للتحضر والنزول قبل الولوج إلى حلب، والكثير لا يعرف بأن هذه الكلمة اختصار لـ”المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة” وما لهذا المركز من أهمية عالمية تتجاوز حدود سوريا.

بداية الهجوم على إيكاردا.. خبر غير مثير

في عام 2012 تناقلت وسائل إعلام النظام وروجت كثيراً لخبر مفاده: “أن مسلحين في محافظة حلب استولوا على المركز الدولي للبحوث #الزراعية في المناطق الجافة، وسرقوا سيارات وتجهيزات ومعدات منه” دون الخوض بتفاصيل هذه التجهيزات والمعدات وكان هذا التجاهل مقصودا منهم حيث كان الهدف وقتها فقط تلفيق تهمة خطيرة ضد المعارضة، والتهمة تكشفت لاحقاً بأن من ضمن المفقودات أهم السلالات الوراثية لبذور #القمح القاسي في العالم.

وحاولنا في “الحل السوري” إماطة اللثام عن هذه الجريمة من خلال الحديث للمهندس الزراعي (بشير المصري) الذي قال: “تم تأسيس المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة 1977، ويُعدّ واحداً من ستة عشر مركزاً حول العالم هدفهم الرئيس إنتاج سلالات تتناسب مع التغيرات المناخية، والعمل على حفظ السلالات النادرة، والذي حصل في إيكاردا أن النظام عمل على نهب تلك السلالات ونقلها إلى إيران، بشكل غير رسمي، وألقى بتهم السرقة ضد الفصائل المناوئة له”.

الحرب السورية عند الإيرانيين فوائد

وتعاني الزراعة الإيرانية مصاعب كثيرة خلال السنوات الأخيرة، جراء انتشار أمراض تصيب النباتات، وارتفاع درجة الحرارة في المناطق الشرقية للبلاد، لما بين درجة ودرجتين فهرنهايت، وهو رقم يفوق المعدل الطبيعي للقرن العشرين، كما أن المدة الفاصلة بين هطول الأمطار فتزداد تباعدا، حيث تقع إيران في منطقة جافة ومقدار التبخر السنوي فيها كبير، مع تراجع مواردها المائية يوما بعد يوم.

ويضيف المصري: “عملت في إيكاردا منذ آواخر الثمانينات حتى عام 1998 حيث تم إعادتي إلى مديرية زراعة الغاب، وأنا أعلم أن قيمة تلك #السلالات أهم من الذهب والأحجار الكريمة والآثار، وكان بنك إيكاردا يضم أكبر مجموعة عالمية من محاصيل الشعير والفول والعدس، إضافة إلى أنواع أصلية من القمح القاسي والقمح الطري، والقمح القاسي هو مادة مطلوبة عالمياً للصناعات الغذائية ليس فقط للخبز وخصوصا السباغيتي، حيث القمح الطري لا يصلح لتلك الصناعات، وكان في البنك نحو 130 ألف عينة، 58% منها سلالات محلية من الحبوب والبقول والأعلاف، تم جمعها من مختلف مناطق القطر وخارجه مثل إثيوبيا، ووادي النيل، والقوقاز، والتي عرفت أقدم ممارسات تدجين المحاصيل في الحضارات الإنسانية”.

ويسهب المصري في كلامه بالقول: “إن أهمية السلالات القمحية الموجودة في سوريا والتي تم نهبها تنعكس من خلال الأخبار التي نسمعها اليوم حول النتائج التي توصل لها باحثون أميركيون تثبت أن بذوراً قادمة من سوريا تستطيع حماية حقول القمح في الولايات المتحدة من الأضرار الناجمة عن التغير المناخي، حيث تمت التجارب في حقل مغطى بولاية كانساس، فأطلقوا سربا من ذباب هيشيان على نحو 20 ألف نبتة، وفي نهاية المطاف، وجدوا أن الحشرة لم تقترب من النبات السوري”.

يؤكد محمد دياب الرحال (رئيس جمعية فلاحية في اللطامنة)، أن 32% من مساحة الأراضي السورية صالحة للزراعة، ويعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الحيوية في الناتِج المحلي الإجمالي السوري، وكان النظام ممثلا بوزارة الزراعة يعمل على التنسيق مع الجمعيات الفلاحية عبر المؤسّسة العامة لإكثار البذور لحفظ سلالات البذور، حيث تمتلك المؤسّسة مراكز غربلة، ومحطات حقلية، ومستودعات تخزين للبذور، ومختبرات أنسجة ومختبرات جودة.

وأشار الناشط أحمد خطاب، إلى أن النظام متورط بشكل واضح بسرقة تلك الثروة الوطنية ويؤكد كلامه بتصريح مدير إكاردا وقتها الذي أعلن أن لصوصاً أقدموا على نهب مقدرات مركز #إيكاردا دون أن يسمي الجيش الحر بذلك رغم أنه كان تحت تهديد النظام، وبنفس الوقت لايوجد أي فصيل تبنى هذه العملية وقتها، ولم يكن النظام وقتها أوجد داعش التي تنقذه عادة من تلك المواقف.

العراق تجرع السم قبل سوريا

وبالعودة إلى المهندس بشير الذي استذكر حوادث مشابهة للدور الايراني بهذا الخصوص مع العراق خلال الفترة التي تلت حرب 2003، حيث قال، “كانت ضربات المليشيات التابعة لايران موجهة ضد بنك البذور الأكبر في العراق والذي يقع في أبو غريب، وبعد تأسيس مجلس بريمر، صدر قرار بمنع المزارعين العراقيين من استخدام بذور محلية للزراعة، وأن عليهم استخدام بذور مستوردَة من شركات عالمية منها إيرانية وكان الهدف استبدال البذور العراقية الأصيلة، بالبذور المستوردة، واليوم يعاني المزارعون العراقيون من شحّ مخزون البذور، حيث استورد العراق بعد الحرب بعض الجينات الوراثية لبذوره المُخزّنة في الخارج”.

ويختم المهندس الزراعي (بشير المصري) قوله: “قدّرت منظمات تابعة للأمم المتحدة إنتاج القمح في سوريا 2015 بنحو 2.445 مليون طن، بعجز مرتقب قدره 800 ألف طن، ويعتبر القطاع الزراعي من أكثر القطاعات التي أنهكتها #الحرب الشعواء التي فرضها النظام على الشعب السوري، وهذا ما يجعل تلك المخاطر تمتد للمستقبل ولا تقف عند هذا الحد إن لم تتدخل المنظمات المعنية والأمم المتحدة لإيقاف تلك الانتهاكات ضد هذه الارث البيولوجي الحيوي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.