بين انحسار داعش وانتشار الحشد الشعبي وإيران.. مدنيو ديرالزور قرابين الصراع مجددا

بين انحسار داعش وانتشار الحشد الشعبي وإيران.. مدنيو ديرالزور قرابين الصراع مجددا

عدي العبدالله

لا يعني خروج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من غالبية مناطق سيطرته بـ #ديرالزور وانحساره في جيوب صغيرة متاخمة للحدود مع #العراق انتهاءاً للحرب واستقراراً للمنطقة، فالانقسام الذي تعيشه المحافظة الآن بين ثلاث قوى متصارعة كون ملامح كثيرة عما ستشهده المرحلة المقبلة في عموم المنطقة.

حيث تشهد الحدود السورية العراقية من جهة مدينة #البوكمال، صراعًا دوليًّا إقليميًّا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، عبر تحركات حلفاء الطرفين في المنطقة المذكورة بهدف إحكام السيطرة عليها بشكل كامل ، تنعكس نتائج هذا الصراع على المدنيين المتواجدين بها.

ففي الثامن والعشرين من مايو العام الماضي، أعلنت (قوات الحشد الشعبي العراقية)، المدعومة من إيران تسليحًا وتدريبًا والموالية لقوات النظام السوري، عن نجاحها في الوصول إلى منطقة الحدود العراقية مع سوريا، وذلك في سياق حربها ضد التنظيم آنذاك، وفي الوقت ذاته، وعلى الجانب السوري، تسعى قوات النظام المدعومة أيضاً بفصائل ومليشيات إيرانية وأفغانية وعراقية، لفرض سيطرتها على كامل الحدود مع العراق، الأمر الذي ينذر بمواجهة عسكرية محتملة مع قوات سوريا الديمقراطية (#قسد)، والمدعومة من قبل الولايات المتحدة والتي تسطير على الجهة الشمالية لنهر الفرات وصولاً لريف مدينة #البوكمال آخر معاقل التنظيم في المنطقة.

فوصول قوات الحشد إلى داخل الحدود السورية واستقرارها في مدينة # البوكمال خلال الفترة الاخيرة يمثل تطورًا مهمًا في سياق الحرب على التنظيم، على اعتبار أن تطهير تلك الحدود من جيوب التنظيم كفيل بقطع التواصل بين مقاتليه وبين خطوط الإمداد مع قواعده على طرفي الحدود العراقية السورية، والممتدة من صحراء محافظة الأنبار باتجاه الرطبة وربيعة وصولاً لبلدة الهري السورية (الواقعة بريف البوكمال والتي تعد الأقرب للحدود العراقية)، كما يمثل تطورًا مهمًا أيضًا على مستوى المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في ساحة الصراع بالمنطقة، الأمر الذي يدعو إلى طرح تساؤل مهم حول من سيتمكن من السيطرة على المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، هل إيران؟ عبر حلفائها على الجانبين العراقي والسوري، أم الولايات المتحدة؟ عبر دعمها لقسد، وماهي نتائج استمرار هذه المواجهات على المدنيين في المنطقة والذين ذاقوا مرارة الحرب على مدى ست سنوات متواصلة؟

*دلالات مهمة*

أن دخول قوات الحشد العراقي إلى داخل الأراضي السورية والتقائها بحلفائها النظام واتخاذها من مدينة البوكمال وبعض قراها مركزاً أساسياً لها إلى جانب انتشارها بكافة مناطق الريف الشرقي، يحمل دلالتين:

الأولى: تزامن وصولها مع تصعيد إيران في المنطقة من الناحية الميدانية من خلال إرسال المزيد من المليشيات التابعة التابعة لهم والمساندة لقوات النظام في حربها ضد فلول التنظيم الأخيرة في المنطقة، سعياً منها لتأمين ممراً برياً يمكنها من خلاله تامين التواصل الجغرافي بينها وبين سوريا عبر الأراضي العراقية، وذلك بهدف إعادة ترتيب أوراق مشروعها السياسي في المنطقة ، والذي تعرض لتحديات ميدانية وسياسية نتيجة التدخل العسكري الأمريكي لمواجهة داعش، وما يمثله ذلك من تداعيات سلبية محتملة على مصالح إيران في سوريا، لاسيما في ظل مناصبة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) العداء لإيران وانتقاده لتمدد نفوذها في كل من العراق وسوريا.

أضف إلى ذلك محاولات واشنطن منع قوات النظام حليفة إيران الاقتراب من منطقة الحدود العراقية عبر ضرباتها الجوية في منطقة معبر التنف الحدودية (جنوب محافظة دير الزور السورية) المقابلة لمعبر الوليد على الجهة العراقية وأيضاً استهدافها لمواقع الفصائل الإيرانية المتواجدة بوسط التجمعات السكنية بداخل مدينة البوكمال وقراها وبعض قرى ريف ديرالزور الشرقي، حيث يكون نتيجتها مقتل العديد من المدنيين في المنطقة.

وتزامنت تلك التطورات كلها مع تهديدات شديدة اللهجة وجهتها قسد والتي تحظى بدعم عسكري أمريكي، لقوات الحشد العراقي تحذرها فيها من دخول المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة الحسكة السورية بذريعة ملاحقة فلول داعش، على خلفية تخوفاتها من تصريحات مسؤولي الحكومة العراقية الداعية إلى تأمين وتطهير الحدود العراقية مع سوريا، حتى ولو تطلب ذلك ملاحقة ما تبقى من مقاتلي التنظيم داخل الأراضي السورية.

الثانية، تتزامن مع دخول المعركة بين قسد والتنظيم مرحلتها الأخيرة بديرالزور، وهي المعركة التي تشهد مزيدًا من الانخراط العسكري الأمريكي، والتي بمقتضاها ستتحدد مسارات التسوية المحتملة للصراع الدائر في مناطق الشرق السوري، ومن ثم، فإن سعت إيران والفصائل المدعومة من قبلها إلى التواجد بالقرب من هذه المناطق يستهدف توصيل رسالة للولايات المتحدة مفادها أن حلفاء النظام السوري من الميليشيات العراقية والإيرانية سيواصلون دعمهم العسكري الميداني للنظام، لاسيما محاولته إحكام السيطرة على البادية السورية المتاخمة للعراق، فالحرب مستمرة ووقودها الأكبر مدني المنطقة.

*ليس الهدف ملاحقة داعش فقط*

تتجاوز اهداف الوجود الإيراني في مناطق ديرالزور ملاحقة داعش فحسب، فهناك جملة من الأهداف الاستراتيجية التي يسعى لتحقيقها من خلال دعمهم للمليشيات التابعة لهم وتحركاتها على الجانب العراقي، وتحركات مثيلاتها أيضاً على الجانب السوري ويمكن تلخيصها فيما يلي:

-1 تعزيز قدرة النظام على استيعاب التحديات الميدانية التي فرضها الوجود الأمريكي الجديد في مناطق الشرق السوري (الحسكة والرقة وديرالزور).

فالسيطرة الكاملة على الحدود مع العراق تعني تأمين مسارات نقل الإمدادات العسكرية للنظام ولباقي الميليشيات الداعمة له، وهو ما مكن النظام خلال فترة سيطرته الأولى على مدينة البوكمال من التصعيد في منطقة البادية القريبة من الحدود العراقية.

2- اختبار إيران لقدرة التحالف الدولي على توفير الحماية الجوية لقسد في حربها ضمن نطاق الحدود العراقية السورية، حيث عبرت قوات الحشد العراقي الحدود مع سوريا إلى مناطق تابعة لمدينة الحسكة في شهر مايو من العام الجاري بحجة ملاحقة التنطيم قبل أن تجبرها قوات التحالف على الانسحاب إلى داخل الحدود العراقية مرة أخرى لكن نتيجة ذلك مقتل أكثر من 16 مدنياً في المنطقة نتيجة لضربات الأخير.

3- توسيع إيران لنطاق سيطرة ميليشياتها في المنطقة ليصل إلى مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية، بهدف زعزعة وجود فصائل معارضة للنظام تسيطر على هذا المثلث الحدودي، وتوظيف تلك النقلة النوعية في التفاوض مع الولايات المتحدة عبر المساومات السياسية.

إن إصرار إيران على تواجدها في محافظة ديرالزور من خلال ماتقوم به من تجنيد لشباب المنطقة في صفوف الفصائل التابعة لها مستغلة الوضع المزري الذي تمر به المنطقة ، لضمان استمرار دعمها للنظام وبالتالي تأمين ممرها الاستراتيجي عبر العراق وسوريا وصولا للبحر المتوسط، وهو ما ترفضه واشنطن جملة وتفصيلًا، ما يعني أن واشنطن “قد” لا تكتفي في هذه الحالة بتوجيه ضربات إجهاضية لتحركات الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في المنطقة وإنما ستنقل مواجهتها إلى مرحلة أكثر تصعيدًا قد ترتقي لمرحلة الحرب مع تلك الميليشيات عبر منظومة التحالف الدولي، وسيدفع المدنيين الثمن الأكبر نتيجة لذلك .

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.