منار حداد 

أجهزت “المعابر الداخلية” على المواطن السوري، وزادت من حالة الفقر التي يعيشها خلال سنوات النزاع في سوريا، وذلك عن طريق المساهمة المباشرة لهذه #المعابر في رفع الأسعار الأساسية على المستهلك السوري.

وبعد تقسيم المناطق السورية إلى نقاط نفوذ على أساس مناطق السيطرة بين فصائل المعارضة السورية من جهة و”هيئة تحرير الشام” من جهةٍ أخرى، والنظام من جهة ثالثة ومناطق الإدارة الذاتية من جهةٍ رابعة، عمل كل طرفٍ منهم على إنشاء حواجز تفصل مناطق سيطرته على مناطق سيطرة الطرف الآخر، ومع مرور الوقت، تحوّلت هذه الحواجز إلى معابر تجارية متكاملة، تتقاضى رسوماً جمركية، لكنّ دون حدود دولية بل هي معابر “سورية – سورية”.

ويضطر التجّار إلى دفع إتاوات على هذه المعابر، لضمان المرور الآمن لبضائعهم، ما يزيد كلفة هذه البضائع، ويدفع التجّار إلى تعويض ما دفعوه عن طريق زيادة سعر السلعة الأمر الذي يضر بالمواطن السوري المستهلك بشكلٍ مباشر.

انخفاض عدد المعابر

يقتصر وجود المعابر السورية الداخلية اليوم، بشكلٍ رئيسي في شمال سوريا، فهي تفصل مناطق سيطرة النظام عن مناطق سيطرة المعارضة، ومناطق سيطرة المعارضة عن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”

أمّا سابقاً، فكانت هذه المعابر تنتشر في جنوبي سوريا، وتحديداً في ريف درعا الشمالي مع النظام، وفي ريف درعا الشرقي الفاصل مع السويداء، إضافةً إلى وجود معابر وأنفاق في الغوطة الشرقية، ومعابر أيضاً في ريف حمص الشمالي.

وبعد سيطرة النظام على درعا والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، بقي الآن عدّة معابر، يأتي على رأسها معبر “أبو دالي” الواقع بريف حماة الشمالي، وتأسّس عام ٢٠١٥، بعد سيطرة “جيش الفتح” على إدلب وريفها، ويشرف عليه من جهة النظام “جماعة الشيخ” ويُقصد بها (الشيخ أحمد مبارك الدرويش) العضو السابق في مجلس الشعب، والذي أسّس ميليشيا في أبو دالي لتهريب البشر وفرض إتاوات على البضائع العابرة من ريف حماة نحو الشمال السوري، ويشرف على المعبر من الجهة المقابلة “هيئة تحرير الشام” التي تحصل على إتاوات مماثلة لقاء مرور البضائع.

ومن المعابر المهمّة أيضاً، معبر “قلعة المضيق” ويقع أيضاً في ريف حماة الشمالي، حيث يفصل بين مناطق #النظام والمعارضة، وتأسس عام ٢٠١٥، وتمر عبره الكهربائيات والسلع الغذائية، ويُعتبر الطريق المعتمد لنقل المهجّرين وتمرير قوافل الأمم المتحدة والمساعدات.

وبعيداً عن هذين المعبرين، هناك معابر تصل بين مناطق الجيش الحر، ومناطق الإدارة الذاتية، ومنها معبر “عون الدادات” قرب منبج، حيث بدأ المعبر على أنه إنساني ولكن سرعان ما تحول إلى معبر تجاري وانتشرت الفصائل عليه من الجهتين وبدأت بتحصيل الرسوم.

ومن معابر ريف حلب أيضاً، هناك معبر “أم جلود” في منطقة الحمران، ويصل مناطق الجيش الحر “درع الفرات” بمناطق الإدارة الذاتية، وهناك أيضاً “معبر الشط” الذي يُعتبر أحد أكبر المعابر بين المعارضة والإدارة الذاتية وهو نقطة تمرير #النفط الخام بين الطرفين، وتشرف عليه “حركة أحرار الشام” و”الجبهة الشامية”.

ضرائب دون عائدات تنمية

يقول الباحث المحلّل الاقتصادي السوري (يونس الكريم)، “إن مناطق قوات سوريا الديمقراطية أو حتّى المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، لم يتشكّل فيها إدارة دولة حقيقية قادرة على تنظيم الضرائب، واستخدامها لتقديم خدمات للمدنيين وتنظيم البنية التحتية”.

واعتبر الكريم، أن إنشاء معابر تتقاضى رسوم جمركية خارج البلد الواحد هو أمراً غير قانوني، ولكن في الحالة السورية وحالات الحروب الأهلية من الطبيعي أن يحصل ذلك، لافتاً إلى أن عدم استخدام الإتاوات في تنظيم وتطوير البنى التحتية وتقديم الخدمات للناس هو ما أثار غضبهم.

وأضاف، “الضرائب حالة طبيعية لتمويل مصاريف الحكومة، ولكن ما يحصل في الشمال أنه تم استخدام تسميات اقتصادية مشروعة للتغطية على الإتاوات، موضحاً أن ما تسميه الفصائل والنظام والوحدات الكردية بالضرائب هو عبارة عن عمليات نهب ولكن بتسمية اقتصادية، والسبب أن عائداتها تعود لملكية قادة الفصائل ولا يرى المواطن أي أثر لهذه الأموال.

وأوضح أنَّ هناك أموال تقدّر بملايين الدولارات تم جنيها من معابر وأنفاق الغوطة، ولم ينعكس هذا الأمر على المدنيين المحاصرين داخلها، بل ظهر أن الأموال كانت تعود لشخص القادة العسكريين، ولتمويل فصائلهم.

أما “الإدارة الذاتية” فرأى الكريم أنّها أكثر تنظيماً، حيث تقوم باستخدام جزء لا بأس به من هذه #الأموال من أجل تأسيس مؤسّسات صغيرة تحقّق نوع من الاستقرار للمدنيين.

تمويل الفصائل المتقاتلة

تُعتبر هذه المعابر، أحد أهم مصادر التمويل بالنسبة للقوى المتصارعة، كما تستخدم بشكلٍ مباشر في تغذية #الحرب، حيث تعكف الجهات المتحاربة على استخدام عائدات المعابر لإدخالها بالتمويل بما في ذلك دفع رواتب المقاتلين وشراء الأسلحة والتجهيزات اللوجستية للمعارك مرتفعة التكلفة، والتي يصعب تأمينها من مصادر أخرى.

وسبق أن دارت معارك عنيفة بين فصائل تنضوي تحت المعارضة السورية من أجل السيطرة على المعابر، وذلك بسبب أنها تدر أرباح خيالية على الفصائل.

ويقول الباحث الاقتصادي، “إن الفصائل تتكتم على الأرباح التي تجنيها من #المعابر خوفاً من طمع فصيل آخر أكثر قوة منها، وأن يقوم بالهجوم على هذا المعبر والسيطرة عليه بالقوّة العسكرية”، موضحاً أن معظم الحروب التي جرت بين الفصائل في شمال وجنوب سوريا سابقاً كان الهدف منها المعابر بشكلٍ رئيسي.

وأشار الكريم، إلى أنّه باستثناء “حركة أحرار الشام”، فإن الفصائل لا تستخدم عائدات المعابر بشكلٍ مؤسّساتي لتمويل نفسها، موضحاً أن “أحرار الشام” تقوم باستثمارات خارج #سوريا من أجل تمويل مؤسّساتها العسكرية والإدارية داخلها، بينما تقوم “جبهة النصرة” بإرسال الأموال للأمير الذي يستخدمها لتمويل الجبهة حسب رؤيته الشخصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.