عشوائيات العسكر على التلال: كيف نشأ حي المزة 86 بالعاصمة دمشق؟ وكيف تغيرت ديمغرافيته مؤخراً؟

عشوائيات العسكر على التلال: كيف نشأ حي المزة 86 بالعاصمة دمشق؟ وكيف تغيرت ديمغرافيته مؤخراً؟

منار حداد – الحل

بمجرّد سيرك في حي شارع “سوق الشيخ سعد” في حي المزّة الدمشقي، ينتهي بك الطريق أمام حاجزٍ ضخم معلّقة عليه مجموعة صور لرئيس النظام بشار الأسد، وتشعر أنّك انتقلت من منطقة إلى أخرى، إذا ما قارنت التنظيم في حي الشيخ سعد، والعشوائية في ما بعد الحاجز، إنّك لازلت في المزّة، ولكنّك وصلت إلى حي “المزة ٨٦” العشوائي، المتربّع على مجموعة قمم صغيرة غرب دمشق.

عن تاريخ الحي
في السابق، كانت ملكية الحي تعود إلى أهالي المنطقة الدمشقيين الذين يعيشون في المزّة، وكانت منطقة “المزة ٨٦” عبارة عن قمم عليها بعض الأحراش والصخور والأراضي الزراعية، أمّا القمم الممتدّة من قمة الجبل نحو قاسيون فتعود ملكيتها إلى وزارة الدفاع السورية.

يتبع الحي إدارياً لمدينة دمشق، وهو عبارة عن كتلة عشوائيات تتوسّط مناطق تنظيمية كالمزة فيلات غربية وأوتستراد المزة وحي الشيخ سعد.
في مرحلة لاحقة، أسّس رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، ما عُرف بـ “سرايا الدفاع” التي كانت من أكثر فرق الجيش السوري شراسة، واتخدت سرايا الدفاع من منطقة “المزة ٨٦ حالياً” مقرّاً لها، حيث أطلق عليها حينها اسم “اللواء ٨٦”.

بعد التأسيس، سُمح للضبّاط والعناصر من الفرقة أن يقوموا بتشييد منازل لهم هناك بشكلٍ عشوائي لتكون منازلهم قريبة من القطعة العسكرية، ويُنيت غرف ومنازل صغيرة بشكلٍ عشوائي من الطين واللبن، ومع مرور الوقت تحوّلت هذه المنطقة إلى ما يشبه حيّاً سكنياً لضبّاط وعناصر “اللواء ٨٦” وعائلاتهم التي أتت من الساحل السوري.

يُقسم الحي، إلى المزة ٨٦ مدرسة، والمزة ٨٦ خزان. تعود ملكية الخزان لوزارة الدفاع والمدرسة للقصر الجمهوري بعد أن كان يملكها سكّان “دمشق خارج السور”.

فقر ومسروقات

تُعتبر الغالبية العظمى من سكّان الحي من الطبقة الفقيرة، فمعظم السكان المقيمين في المنطقة هم إما من طبقة العسكريين المقاتلين في جيش النظام السوري، أو من الموظّفين في مؤسّساته.

تتوضّح مظاهر الفقر على الحي من خلال العشوائية في مبانيه، ونمط الحياة للسكّان، حيث لا تتوفّر لدى القاطنين هناك أدنى متطلّبات الحياة الكريمة، بسبب دخلهم المحدود.

فما إن تمشي في شوارع حي المزة ٨٦، حتّى تشاهد الحالة المزرية للمباني السكنية، وحالة العشوائية في تمديدات الخدمات حيث تتفرّغ أسلاك الكهرباء في أماكن عبور المدنيين، كما أنَّ الطرقات غير منظّمة ومليئة بالحفر والمطبّات.

وقبل عدّة أشهر، شهد الحي خسفاً أرضياً في شارع القطاع بعمق سبعة أمتار أدت لأضرار مادية دون أية اصابة بشرية.

وتتراوح رواتب الموظّفين أو العسكريين في صفوف قوات النظام بين ٦٠ – ٨٠ دولار بشكلٍ وسطي، وهو ما جعل البنية العامة لسكّان الحي من الفقراء.
ولكن الباحث الاقتصادي يونس الكريم، قدّم تفسيراً منطقياً لحالة الرضا على الرغم من سوء الخدمات والمستوى الاقتصادي المتدنّي.

وقال الكريم لموقع الحل، إن سكّان الحي “لا يتذمّرون من حالته لعدّة أسباب، يأتي على رأسها أن المزة ٨٦ تقع في قلب العاصمة دمشق، وفي منطقة قريبة على مركز المدينة، كما أن غالبية السكّان هناك يتعدّون على مؤسّسات الدولة، حيث يقومون باستجرار غير قانوني للمياه والكهرباء والخدمات الأخرى، التي تعتبر باهظة الكلفة في الأحياء العادية، ومن هذا المنطلق فإن كلفة الخدمات في هذا الحي منخفضة كونها قائمة على السرقات والاستجرار غير الشرعي”. موضحاً أنّ المياه والكهرباء بينما تنقطع عن معظم أحياء العاصمة فإنّها لا تنقطع في هذا الحي بسبب وجود عناصر وضبّاط محسوبين على النظام يعيشون داخله.

غير أنَّ هناك مصدراً آخر يتعيّش عليه بعض قاطني المنطقة ولا سيما عناصر الميليشيات المحلية التي تقاتل مع النظام السوري، حيث يوضّح أحد قاطني الحي، وهو نازح من ريف دمشق، أن معظم المسروقات التي تتم عبر “التعفيش” يتم نقلها إلى حي “المزة ٨٦” ويتم بيعها هناك بمبالغ زهيدة، ما جعل السرقات أحد المصادر الرئيسية للدخل لمقاتلي النظام الذين يعيشون هناك.

تغيّر البنية الديموغرافية

وعلى الرغم من أنَّ الغالبية الساحقة لسكان حي “المزة ٨٦” هم من الطائفة العلوية، إلّا ان موقع الحل لاحظ بعد التواصل مع عدّة قاطنين هناك، وجود تغيّرات في البنية الديموغرافية له، حيث أصبح هناك سكّان من عدّة مناطق ومحافظات سورية، ويعود هذا التنوّع الذي طرأ على حي المزة ٨٦، إلى عمليات النزوح الكبيرة، والتي أجبرت عدداً كبيراً من النازحين على اللجوء إلى استئجار منازل هناك، بسبب رخص ثمنها كونها عشوائية ولا تكلّف آجارات باهظة.

وفي هذا الصدد، يوضّح الباحث الاقتصادي يونس الكريم أنه “في السنوات الثلاث الأولى لاندلاع الثورة السورية، خاف كثير من الموالين للنظام من سكّان الحي من تمدّد المعارضة، ولا سيما بعد انتشار التظاهرات المسائية في الشوارع المتاخمة لهم، وبدء ظهور الجيش السوري الحر لذلك بدأت عمليات العودة إلى الساحل السوري، وتأجير المنازل للنازحين الذين يضمنون أنّهم لن ينقلوا أي أصوات معارضة إلى داخله”.

وأشار إلى ان العسكريين المقيمين هناك “خافوا على أولادهم من المعارضة السورية، فقاموا بنقلهم مع عائلاتهم إلى الساحل، وأقاموا هم في القطع العسكرية، ثم أجّروا منازلهم”. لافتاً إلى أنه حالياً ومع إنهاء النظام لوجود المعارضة بدمشق وريفها فإنّه “من المحتمل أن تبدأ عودة العائلات إليه وإعادة بنيته الديموغرافية كما كانت سابقاً”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.