رجا أمين

تبدو بيئة #حزب_الله و #حركة_أمل في #لبنان، أو ما يسمى بالثنائية الشيعية التي يبدو أنها تشمل معظم شيعة لبنان، بيئة صلبة محصنة ضد الاختراقات، ونهائية الولاء للسيد والأستاذ، أي لحسن نصر الله أمين عام حزب الله، ونبيه بري رئيس حركة أمل.

للخوض في نقاش مقولة الولاء وتبيان دقتها يجدر بنا العودة إلى الماضي قليلًا وتذكر الرواية التي تقول بأن بعض شيعة جنوب لبنان استقبلوا الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 بالترحاب بعد أن ضاقوا ذرعاً بتجاوزات المسلحين الفلسطينيين حينها، ثم كان تأسيس جيش لبنان الجنوبي الذي عُرف أيضاً بميلشيات لحد في فترة لاحقة بتعداد فاق 6000 مقاتل من لبنانيي الجنوب، كان الشيعة هم الطائفة الأكثر عدداً فيه رغم حرص الإسرائيليين بخبث على إبقاء قيادة الميليشيات بيد ضباط مسيحيين مثل سعد حداد وأنطوان لحد. ما يمكن أن يستدل به أن مصالح الناس وهمومهم وتأقلمهم مع المتغيرات وأرض الواقع، فاقت حينها التبعية الطائفية أو الحزبية الحالية لهم.

من جهة أخرى وبالعودة في التاريخ أكثر من ذلك، في أيام سيطرة المارونية السياسية على مقدرات السلطة في لبنان منذ ما بعد الاستقلال، لطالما كان الشيعة ومناطقهم محرومين من التنمية ومن تقديمات الدولة في مناطق الجنوب والبقاع، الأمر الذي حرض على وصفهم بالمحرومين دون أن يجانب هذا الوصف الحقيقة في الواقع، ليأتي مكملاً لروايات المظلومية الشيعية دينياً عبر التاريخ. وبهذا يشبه شيعة لبنان علويي سوريا، أي أنهم استمروا منبوذين ومحرومين بمعنى ما في ظل الدولة التي دعيت بالوطنية، حتى حان الوقت المناسب ليتصدروا الواجهة، العلويون في سوريا عبر الجيش والانقلابات، والشيعة في لبنان عبر السلاح والمقاومة. هذا يفسر جزئياً التماسك الظاهر لهذين المجتمعين (العلوي السوري والشيعي اللبناني) إذ ما زالت ذاكرته مثقلة بظلم الماضي، وبأن التخلي عن السلطة والسلاح اليوم سيعيدهم إلى ظلم الماضي، بغض النظر عن صحة هذه المخاوف.

بعد أن أقصت مقاومة حزب الله بدعم من النظام السوري العناصر المقاومة الأصلية، المنتمية على نحو رئيسي إلى الأحزاب الشيوعية والحزب القومي السوري في لبنان، بدت قياداته السياسية والعسكرية وعائلاتهم  غير غريبة عن مجتمعاتها الشيعية الأصلية من حيث التواضع والزهد وفقر العيش، الأمر الذي تمت المحافظة عليه بدرجة مقبولة حتى تحرير جنوب لبنان سنة 2000، وما تبعها لاحقًا من انخراط حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية أكثر وأكثر وتورطه في صفقات الفساد والمحسوبية المعتادة في لبنان، فبدأت علامات الثراء والترف تبدو واضحة على القيادات وعائلاتهم والأشخاص المرتبطين بهم، ما شكل لبنة أولى في بناء جدار يفصلهم عن بيئتهم الأصلية. هذا المؤشر على عكس مؤشر التاريخ والمظلومية يصب في خانة ضعف الولاء والتماسك في بيئة الحزب.

منذ بداية الثورة السورية اتجهت الأنظار في لبنان إلى سوريا لتراقب بقلق تطور الأوضاع في البلد الجار المؤثر بقوة في لبنان، ثم ما لبث حزب الله أن اتجه بمقاتليه إلى الداخل السوري لدعم صمود النظام في وجه شعبه تحت ذرائع شتى بدأت بحماية اللبنانيين الشيعة في القرى الحدودية، إلى حماية المراقد والمزارات الشيعية، وصولاً إلى محاربة داعش.

مع تدخل حزب الله في سوريا وبدء سقوط قتلى وجرحى وأسرى له هناك ازداد التعويل من قبل معارضي النظام السوري على ثورة ما داخل المجتمع الشيعي في لبنان ضد هذا التدخل والتضحية بأبنائه في سبيل نظام عانوا –رغم كل شيء- طويلاً منه.

ولكن تطور الأحداث ومرور الوقت أثبت ضعف التعويل على رفض المجتمع الشيعي لهذه المشاركة، ففزاعة داعش باعتبارها تطرفاً سنياً متوحشاً ساهمت في تثبيت الشيعة على موقفهم، ولا ننس هنا أنه في ظل ضعف وغياب الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية للشعب، استطاع المال الإيراني المقدم لحزب الله أن يسد حاجات أساسية للمجتمع الشيعي من طبابة وتعليم مدرسي وجامعي وفرص عمل مباشرة وغير مباشرة ما قوى الارتباط بين الشيعة في لبنان ورأس جسر النفوذ الإيراني في لبنان أي حزب الله.

رغم كل ما سلف، وفي خلال أقل من سنة برز احتجاجان فاقعان في الشارع الشيعي ضد حزب الله، الأول إثر قيام أجهزة الدولة بهدم وإزالة مخالفات في حي السلم الشعبي في ضاحية #بيروت الجنوبية، والثاني بعد قيام الأجهزة الأمنية للدولة بالاشتباك مع تاجر مخدرات مطلوب الأمر الذي أدى إلى مقتله وأفراد من عائلته ومرافقيه.

في الحالتين وجه الغاضبون نقمتهم باتجاه حزب الله وقياداته دون أن يستثنوا حسن نصر الله نفسه، ومستحضرين قتال الحزب في سوريا، متهمينه بالتخلي عنهم بصفتهم قاعدته الشعبية وبالتضحية بشبابهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لا بل لمحوا إلى تورط مسؤولين حزبيين في مطالب جنسية (زواج متعة) لقاء الخدمات التي يقدمونها.

خلاصة القول، أنه وعلى الرغم من تذمر هنا وتململ هناك في أوساط شيعية مهمشة وفقيرة تجاه سياسات الحزب وممارساته، والمنافسة الجنوبية البقاعية داخله، والذكريات الأليمة بين حزب الله وحركة أمل، حلفاء اليوم أعداء الأمس، الأمور ظهرت كلها خلال التحضير للانتخابات النيابية الأخيرة، يبقى ولاء أغلب الشيعة في لبنان لهذه الثنائية السياسية الطائفية، وخاصة لحزب الله، ولو عن غير اقتناع أحيانًا، فمع غياب الدولة، وانتفاء مفهوم المواطنة، يمسي الانتماء إلى الجماعة الطائفية أو السياسية أو الميليشياوية هو الضامن الوحيد للحماية وللحصول على بعض الحقوق التي تتحول بمرور الوقت إلى مكتسبات وامتيازات.

تبقى هنا وهناك أصوات متفرقة لا تكاد تعلو لشيعة مستقلين يعارضون حزب الله بشجاعة ويأخذون مواقف معارضة علنية وحازمة تجاه النظام السوري، أصوات لا يمكن التعويل عليها في الوقت الحالي، ليبقى الاستقطاب السني الشيعي فارضًا ظلاله على شيعة لبنان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.