دراسة: الدفاع الوطني متورطون وتجارة الفحم تهدد ما تبقى من الغطاء الأخضر في سوريا

دراسة: الدفاع الوطني متورطون وتجارة الفحم تهدد ما تبقى من الغطاء الأخضر في سوريا

بسام الحسين 

دمار هائل لحق بمناطق واسعة من سوريا لا يستوعبه العقل البشري والخسائر المادية تفوق الـ500 مليار دولار، إلا أن هناك خسائر من نوع آخر لا يمكن إحصاءها في الوقت الراهن وستظهر آثارها الكارثية على المدى الطويل منها على سبيل المثال لا الحصر #الحرائق المفتعلة للغابات البيئية الطبيعية في جبال الساحل السوري وباقي المسطحات الخضراء، حيث قدرت الأمم المتحدة أن نصف غابات العالم قد تم تدميرها بالفعل خلال الثلاثين سنة الماضية .

لعل سبب تكرار حرائق الغابات للاستفادة منها في تجارة #الفحم بالدرجة الأولى، لكن السلطات تنسب دائما السبب لجهل وإهمال المزارعين الذين يحرقون مخلفات المحاصيل الزراعية ما يؤدي لامتداد ألسنة اللهب إلى الغابات والأحراج. حيث تشكل مساحة الحراج من 350 إلى 530 هكتاراً ما نسبته 3% من مساحة #سوريا بين مساحات طبيعية وتحريج اصطناعي.

الدفاع الوطني و”تعفيش الحزام البيئي”

أبو ياسر (مراقب أحراج في جبال مصياف) يقول لموقع الحل: “أصدرت وزارة الزراعة قانون الحراج وما تضمنه من إجراءات رادعة بحق العابثين بالثروة الحراجية، إلا أن الإجراءات معطلة أمام مجموعات مسلحة تابعة للدفاع الوطني، فكيف لموظف حراج أن يقف أمام من يقدمون إلى الأحراج بسيارات تحمل على ظهرها الدوشكا ويفتعلون الحرائق أمام أعيننا، خاطبنا الوزارة مراراً وتكرارا وشرحنا لهم الوضع بكل شفافية فكان الرد بأن نطلب مؤازرة مخافر الشرطة المجاورة، ورفعا للمسؤولية لم نكذب خبر فقد اتصلنا بقسم شرطة مصياف وشرحنا لهم ما يحصل بالتفصيل، فكان الرد منهم، أنها ليست مسؤوليتهم ومرة أحد العناصر أجابنا بالقول، خلينا بالشجر أحسن ما تصير بالبشر!”.

ويعبر ياسر عن ألمه في عدم مقدرته فعل أي شيء لحماية هذه الأحراج التي أمضى فيها نحو 23 سنة، حيث عاش في كنف هذه الغابات أكثر من الوقت الذي أمضاه بالقرب من عائلته ويقول بحرقة: “كان موكب الخليفة العباسي هارون الرشيد يسير من مدينة #الرقة إلى #دمشق تحت ظلال الغابات، أما الآن فقد تحولت سوريا إلى بلد أجرد، حيث شاهدت في السنوات  الأخيرة من عملي نحو 250 حريق، أتت على  نحو 2000 دونم من #الأشجار الحراجية التي عمرها نحو مئات السنين، هذه الخسائر لا تعوض مثلها مثل الإنسان”.

تطبيق مقولة “الأسد أو نحرق البلد”

الخبير البيئي (عادل الإدلبي) يقول: “تمثل غابات مصياف وكسب والفرنلق رئة سوريا الحقيقية، والحرائق الهائلة التي نسمع بها بين الفينة والأخرى تأكل آلاف الدونمات من غاباتنا النادرة بما تحويه من أصناف نباتية لاتوجد غير في منطقتنا مثل الأشجار عريضة الأوراق والبلوط الذي يغطى 57%، والمخروطيات 29% وأشجار السنديان بأنواعه والبطم حيث تشكل 9%، وأشجار اللزاب والشوح والأرز التي يزيد عمرها على آلاف السنين”.

ونبه الإدلبي من المخاطر البيئية التي ستنتج لاحقا من افتعال حرائق الغابات حيث أنه من الممكن أن ينتج  بسبب تصرفات بشرية، أو بفعل كوارث طبيعية مثل البراكين، لكن الثابت أن حرائق الغابات الناتجة عن تصرفات بشريه تسبب دماراً شاملاً للنظام البيئي داخل الغابة وحولها، والحرائق التي تنتج بفعل الكوارث الطبيعية تكون أضرارها أقل بكثير لأنها لا تكون عامة كما أن الطبيعة قادرة أن تصلح ذاتها وتكون الأتربة المرافقة للبراكين بفعل الأسمدة للغابات وبالتالي تساعد على إعادة انتاج ذاتها بشكل أكبر فهي سلاح ذو حدين.

جريمة منظمة برعاية النظام

حاولنا الاقتراب أكثر من #التجار الذين يعملون في هذا المجال، حيث تمكنا من الحديث مع أبو هاني، (تاجر فحم في مصياف) حيث قال لنا: “لا يمكننا فصل الانتهاكات التي تحصل بحق الغابات عن الوضع بأكمله، أي عندما يحل فصل الشتاء يصبح الإقبال كبير على شراء الفحم، ويبلغ سعر الطن الواحد نحو 55 ألف ليرة وهو متوفر على عكس باقي وسائل التدفئة التي تكون مقطوعة طيلة فصل الشتاء وبالتالي من الطبيعي أن يلجأ بعض التجار لتوفير هذه المادة للناس بشتى الطرق ومنها افتعال الحرائق”.

ويتابع أبو هاني حديثه بإلقاء اللوم والمسؤولية على حكومة النظام حيث يقترح حلولا لإنقاذ الغابات منها مثلا استيراد الفحم  الحجري، مشيراً إلى أن هذا الشيء يحصل في المناطق القريبة من الحدود التركية ويتم جلب الفحم الحجري وتوزيعه من قبل منظمات إنسانية إلى قاطني المخيمات المجاورة للحدود التركية، ومن ثم يتم بيعه من قبل الناس هناك بعد اكتفائهم بجزء من الكمية وبهذه الطريقة نجد أن غابات إدلب لا تزال تحافظ على خضرتها على عكس غابات مصياف”.

ويختم أبو هاني كلامه بالقول: “وصلنا إلى قناعة مفادها أن الجهات المعنية غير قادرة على حماية وتأمين الأشجار، ولا حتى أراضي أملاك الدولة، بل حتى أبعد من ذلك جزء من المسؤولين شركاء في المتاجرة بأخشاب #أشجار_الغابات، لذلك لن يتم إيقاف المعتدين، ومن يحاول إيقافه من قبل الموظفين الصغار قد يدفع حياته  ولدينا أمثلة على نواطير الحراج ممن تعرضوا للضرب وأحدهم لا يزال إلى اليوم مستلقياً في فراشه، وتجار الفحم معروفين للجميع وكل الطرق مسهلة أمامهم أينما أرادوا نقل بضائعهم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.