تضاربت الأنباء خلال العام الماضي عن صحة خبر مقتل أبو بكر #البغدادي, خليفة تنظيم #داعش, من عدمه. ليعود البغدادي بعد غياب أحد عشر شهراً بخطابه الأطول من خلال تسجيل فيديو أطلقه بمناسبة عيد الأضحى متحدثاً من خلاله عن الأحداث الأخيرة ليؤكد أن التسجيل قد تم في غضون الأسابيع القليلة الماضية.
عن الخطاب المذكور, نشرت مجلة The Atlantic مقالاً تحليلياً تناولت فيه خطاب أبو بكر البغدادي الأخير, حيث أوضح المقال مدى ثقة البغدادي بقوّة مجموعته وعودتها وإن كانت بهيئة جماعة متمردة لا دولة خلافة.

حيث يشير المقال إلى أن داعش فقد حوالي 98 % من المناطق التي كان يسيطر عليها خلال السنوات الماضية. إلا أن خطاب البغدادي جاء وسط تقارير تفيد بولادة التنظيم من جديد في ديالي وصلاح الدين وكركوك في العراق بعد أن خسر سيطرته عليهم. وتبع الخطاب تقديرات بأن لدى تنظيم داعش أكثر من 30 ألف مقاتل في كل من سوريا والعراق. إضافة إلى أن الجماعات الموالية للتنظيم في دول أخرى مثل مصر وأفغانستان كانت في الأشهر الأخيرة أكثر نشاطاً. وعليه يشير المقال إلى أنه على ما يبدو فقد مرت داعش بمرحلة انتقالية منظّمة من الخلافة إلى التمرد.
وقد رسم البغدادي في خطابه خطّة طريق لأعضاء داعش ليعيدوا تنظيم صفوفهم. كما دعا في خطابه إلى هجمات فردية في الدول الغربية بما فيها التفجيرات أو عمليات الدهس أو الهجمات بالسلاح الناري أو السكاكين. حيث كانت مثل هذه الدعوات في السابق تأتي من المتحدث السابق باسم التنظيم, أما أن تأتي من “الخليفة” نفسه, فإن ذلك يمنحها مزيداً من التأثير والثقل, كما ترى The Atlantic.

وبحسب تقديرات البغدادي, فإن هجمة واحدة في الغرب تعادل ألفاً منها في الشرق الأوسط! حيث تذكّر هذه النسبة بحملة الجيش الجمهوري الأيرلندي الإرهابية في بريطانيا منذ عقود ماضية والتي كانت تدعي أن قيمة قنبلة واحدة في بريطانيا تساوي 100 قنبلة في أيرلندا الشمالية. تدرك داعش تماماً أن مثل هذه الهجمات سوف تحقق دعاية أكبر وتثير ردود فعل أعظم مما أثاره ذبح 200 مدني من الدروز في جنوب سوريا أو تفجير سيارة مفخخة وسط بغداد.

من جهة أخرى, زعم البغدادي في خطابه أن أمريكا التي يقودها دونالد ترامب تعاني من اضطراب عصبي نتيجة لحرب دامت عقدين من الزمن ضد المجاهدين في المنطقة. كما استشهد البغدادي بالتوترات بين واشنطن وأنقرة نتيجة سجن تركيا للقسيس آندرو برونسون والعقوبات الأمريكية ضد تركيا ورفض حكومة أردوغان الالتزام بنظام العقوبات الأمريكية ضدّ إيران. مشيراً إلى أن كل ذلك يحدث بينما “رقعة الجهاد في توسّع”. ومن وجهة نظر The Atlantic, فإن البغدادي في خطابه هذا بدا واثقاً من قدرة تنظيمه على الصمود خلافاً لخطاباته السابقة التي كان يغتاظ من خلالها من خلل داخلي ضمن المجموعة والخسائر الإقليمية للتنظيم.

وفي توضيح من البغدادي لكيفية انتقال داعش إلى التمرد, عاد إلى الماضي مكرراً كلمات أبو مصعب الزرقاوي –المؤسس الأصلي للجماعة عام 2006- قائلاً: “أوقدت الشرارة هنا في العراق, وستشتدّ حرارتها حتى تحرق جيوش الصليبيين في دابق”. فوفقاً لبعض التفسيرات الإسلامية سوف تشهد دابق الواقعة في شمال سوريا معركةً ملحمية بين الجيوش الإسلامية والمسيحية. حيث تشير داعش في كثير من الأحيان إلى بيان الزرقاوي على أنه نبوي, ففي الوقت الذي أصدر فيه البيان لم تكن هناك أية علامات تشير إلى عدم الاستقرار في سوريا. وقد أشار البغدادي في خطابه إلى العراق مرتين: كونها مصدراً للشرارة, واستئناف الحرب فيها بعد فقدان الأراضي.

إضافة إلى ذلك فقد أشار البغدادي في خطابه إلى المقاتلين العشائريين السنة الذين ساعدوا الولايات المتحدة في حملتها ضد دولة العراق الإسلامية, التي تطوّرت إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”, في المدن والبلدات السنية عام 2007. وبالرغم من عدم التكافؤ في العدد, إلا أن دولة العراق الإسلامية أطلقت حملة ناجحة دامت سنوات قضت من خلالها على المقاتلون السنة استخدمت خلالها إستراتيجية محددة: رصاصة واحدة ضد المحتل الأمريكي وتسعة رصاصات ضد المرتدين. وأشار البغدادي أيضاً في خطابه إلى ضرورة تركيز معظم قواته على العدو الداخلي/ الضمني.

هذا وقد سبق وأن أكد البغدادي مرات عديدة بأن وسيلة داعش الناجحة في تفتيت الفصائل السنية يكون من خلال عمليات القتل المستهدف والتجنيد. وأكد المقال وعد البغدادي للثوار السوريين بذات المصير, وأنه ناشد المجاهدين وذوي الرتب أن يهجروا مناصبهم القيادية حيث اتهمهم بالخيانة بعد سلسلة من صفقات الاستسلام مع النظام السوري.
وترى The Atlantic قوة التنظيم في إشارة البغدادي إلى أن القوات العراقية لا تزال حتى اليوم تعتمد على نيران القوات الأمريكية في تصديها لداعش. وأن مقاتليه قاموا بمطاردة أعضاء القبائل العراقية الكبيرة في وضح النهار, ذلك بالرغم من النداءات المتكررة من زعماء القبائل للميليشيات الشيعية والحكومة العراقية في بغداد لحمايتهم. وخلال الصيف, تصدر داعش استهداف قادة المجتمع والمقاومة الشعبية وقوات الأمن بدون تعرضه للعقاب, بينما غارات جوية أمريكية تطلق للسيطرة على هجمات صغيرة من قبل داعش. ففي الآونة الأخيرة تم تحييد 20 مقاتلاً للتنظيم – كانوا قد سيطروا على منشأة نفطية ضخمة في دير الزور – من خلال الضربات الأمريكية فقط.

وتؤكد The Atlantic في مقالها على نية داعش نشر نفوذه من جديد في المنطقة. فقد حاول التنظيم مناشدة السعوديين من خلال التحدث بلغة الإسلام الأصولي المقبولة لديهم, كما استخدم حملة السيسي السياسية في مصر لمناشدة المصريين. وفي حزيران 2017, نفذت داعش ضربة داخل العاصمة الإيرانية طهران في هجوم كان الأول من نوعه في تاريخ الجهاد السني. فقد هاجم مسلحون البرلمان الإيراني وضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله روح الله الخميني ما أسفر عن مقتل 17 شخصاً. كانت تلك العملية جزءاً من محاولة داعش إضعاف القاعدة التي تجنّبت المواجهة مع إيران, ولتضع نفسها كمدافع عن السنة ضد كل الأعداء وعلى رأسهم الشيعة.

ويختم المقال تحليله باستنتاج أن البغدادي لم يعد اليوم الخليفة الناقم الذي يرثي خلافته الضائعة. بل يبدو أنه تقدّم, ويريد من خلال تركيزه على نجاحات التنظيم إلهام أعضائه بالقوة ورسم طريقهم المستقبلي نحو المجد. فداعش اليوم تتذكر دروس العقدين الماضيين بشكل جيد سواء كان أعداؤها أيضاً يفعلون ذلك أما لا, وهذا ما يحدد الفرق بين النصر والهزيمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.