حسام صالح

في كل الحروب التي تعصف بالدول والتغيرات السياسية والاجتماعية التي تطرأ عليها، هناك أطراف تفرض وجهة نظرها وتحاول جلعه المرجعية والأساس، ومن مبدأ “المنتصر يكتب التاريخ”، يصبح التعليم جزءاً من هذه المنظومة، ولعل المناهج الدراسية في سوريا خير دليل على طبيعة هذا التغيير، من حيث المصطلحات المستخدمة، وطبيعة الموضوعات المختارة، فمن كان “فاتحاً” في الأمس، أصبح “محتلاً” في مناهج النظام التعليمية نتيجة موقفه السياسي.

ويُعتبر بناء #المناهج وتطويرها مشروعاً تربوياً وسياسياً مقصوداً ومنظماً، ومعنى ذلك أنَ الأهداف المرجوة واضحة ومُحدّدة وكذلك الخطط والأنشطة والوسائل المناسبة لتحقيق تلك الغايات، وهي مستمدة من السياسة العامة للدولة.

مناهج ما قبل الحرب

لعل العلاقة بين إعداد المناهج الدراسية وسياسة الدولة أمر موجود منذ القدم، وهذا وارد في كتب التاريخ والفلسفة، فيرى الفيلسوف الفرنسي “لوي ألتوسير” أن “الدول لديها جهازين الأول قمعي والثاني إيدلوجي، ولعل المدارس هي جزء من أجهزة الدولة الإيديولوجية، فتضع الدولة هذه المناهج، لتكوين هوية الأفراد واتجاهاتهم السياسية، بشكل يتوافق مع سياستها، وسياسة النظام الحاكم داخلياً وخارجياً”.

هذه العلاقة، كانت متجذرة في النظام السوري، فخلال فترة حكم الأسد الأب التي استمرت حوالي 30 عاماً، كان التركيز في المناهج الدراسية على القومية والعروبة، وسياسة الحزب القائد للدولة والمجتمع، وبطولات “الأب القائد” وصراعه مع “العدو الإسرائيلي”، وكانت مادة التربية القومية هي خير دليل على أدلجة أفكار الأجيال، لكنها مع مرور الوقت أثبتت أنها مجرد مجموعة من الدروس النظرية، التي يسعى الطالب للنجاح بها بغض النظر عن محتواها المفروض.
في مقابل ذلك، بعد استلام بشار الأسد لسدة الحكم في سوريا، كان الشعار الرائج حينها “مسيرة التطوير والتحديث”، فلم يختلف الأمر كثيراً، سوى إلغاء مادة التربية العسكرية من
المناهج، وإدخال الحواسيب إلى المدارس، والإبقاء على مادة التربية القومية والتعديل عليها، وذلك بإضافة “إنجازات الأسد الابن” وخطاباته في مجلس الشعب.

تغيير شبه جذري

مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، وتطورها إلى ثورة مسلحة، بات القطاع التعليمي في سوريا كغيره من القطاعات التي نالت نصيبها من التدمير المادي والفكري، مع هجرة آلاف المدرسين خارج البلاد، أو اعتقالهم أو زجهم في الخدمة الإجبارية والاحتياطية (70 ألف مدرس) بحسب وزارة التربية، وبالتالي بدأ النظام مع بداية العام 2017 بوضع استراتيجية تعليم جديدة في المدارس، فكانت البداية بتعديل وتغيير أكثر من 50 كتاب في التعليم بمراحله المختلفة، اعتبرب أكبر عملية تغيير في المناهج شهدتها سوريا في عام واحد.

هذا التغيير، بحسب مسؤولي النظام، جاء تماشياً مع “طبيعة الحرب والمرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا”، حيث قالت رشا شعبان وهي أستاذ في جامعة دمشق حينها: “سوريا في منعطف حضاري والمناهج تصنع العقول وبالتالي مستقبل البلد، وهو تحد كبير والمناهج تعكس فلسفة الدولة التي تتبعها الفلسفة التربوية لتحديد طبيعة العقل الذي يراد صياغته”.
تواصل موقع الحل مع “أشرف عبد الواحد” وهو موجه سابق في وزارة التربية السورية، للوقوف على أبرز التغيرات في المناهج التعليمية السورية، فقال “التغييرات جاءت بناءً على السياسة الخارجية، المناهج حسنت صورة الدول المؤيدة للنظام، فأدخلت اللغة الروسية إلى المناهج، وسهلت افتتاح المدارس الإيرانية ذات الطابع الديني”.
وأضاف “أصبحت تركيا بمثابة العدو، من خلال تغيير كتب التاريخ، فالفتوحات العثمانية أصبحت احتلال، وتم التلاعب بالكثير من الحقائق التاريخية، بهدف التحريض على الدول التي اتخذت موفقاً معادياً للنظام”.

ولفت إلى أن “التغييرات طالت مادة التربية الدينية، لغايات سياسية أيضاً، ومحاولة النظام الترويج لنفسه كنظام علماني، بعيداً عن التفكير المتطرف، لكسب تأييد الرأي العام العالمي، خصوصاً مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية داعش، في سوريا ومحاولته فرض نظام الخلافة على المناطق التي يستولي عليها”، معتبراً أن هذا التصرف كان جلياً في تصريحات وزير تربية النظام هزوان الوز حينما أكد أن “وزارته تعمل على تعديل منهاج التربية الدينية في المراحل التعليمية، في خطوة للتوعية والابتعاد عن الجهل والتطرف”.

من واقع الحرب

في العام 2014، فوجئ طلاب كلية الفنون الجميلة بأسئلة من نوع آخر تسعى إلى رسم “صورة وردية” عن إنجازات قوات النظام وعكس هذه الصورة من خلال أجوبة الطلبة فكان نص السؤال “ارسم إحدى يديك تلعب بأحد أصابع قدميك… ويشترط في الرسم أن تكون القدم عارية، وكأنك جالس في منزلك مطمئناً لوجود الجيش العربي السوري يحمي ظهرك ويشعرك بالأمان”، والسؤال الثاني ” ارسم جندياً من إخوتنا في الجيش العربي السوري في وضعية الرمي لقنبلة يدوية… قم بالرسم إعتماداً على مبدأ …إلخ”.

إضافة إلى ذلك، ركزت المناهج، على استخدام فكرة الخوف من الألغام المزروعة في مناطق الصراع العسكري، والتأثير غير المباشر على التلاميذ باتجاه فهم الألغام على أنها من مخلّفات خصوم النظام، فقط. لصناعة صورة سلبية عن المعارضة السورية”.

كما أن من أكبر ملامح منهاج النظام الجديد الذي اعتمده، التقليل من أهمية اللغة العربية، وإدخال كلمات وأغاني لمطربين باللهجة العامية في المنهاج، كقصيدة الفيل يستحم: “طش…. طش …. اش …. اش”، وكذلك حذف لواء اسكندرون من خريطة سورية، ليعود بعد موجة الانتقاد لإعادة نسخ الكتب مرة أخرى، وجعل من حزب الله بطل للمقاومة، وإيران الدولة الشقيقة، كنموذج للدولة الإسلامية المعتدلة”.

هذا التسيس، والتلاعب بالتاريخ والجغرافيا والثقافة، لم يكن النظام وحده من عمل عليه، بل شاركت فيه كل القوى المسيطرة على الأرض، حتى أصبح في فترة معينة خلال الثورة، لكل محافظة مناهجها الخاصة التي تتناسب مع تفكيرها وإيدولوجيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.