رجا أمين

 

قد يظن الكثير من الشباب أبناء أجيال اليوم أن مقاومة العدو الإسرائيلي هي لطالما كانت جهداً ونضالاً استلمته وتصدت له المقاومة الإسلامية في #لبنان أي #حزب_الله، ولكن التاريخ يروي حقائق مخالفة لهذا.

الصفحة الأولى المؤسسة للمقاومة في لبنان تمثلت في اتفاق القاهرة 1969 الذي تضمن بنودًا سرية تسمح للمقاومة الفلسطينية باستعمال الأراضي اللبنانية لشن الهجمات ضد #إسرائيل عبر الحدود اللبنانية.

في الوقت حينه كانت ملامح الانقسام اللبناني-اللبناني المؤسس للحرب الأهلية قد بدأت تتوضح، وقد زاد النشاط اللبناني المسلح المستجد انطلاقًا من الأراضي اللبنانية هذا الانقسام تعمقًا بين معسكري ما سيصبح لاحقًا الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية.

تشكلت الحركة الوطنية من أحزاب وحركات وتيارات قومية ويسارية كالحزب التقدمي الاشتراكي (كمال جنبلاط)، والحزب الشيوعي اللبناني، منظمة العمل الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث بفرعيه السوري والعراقي بالإضافة إلى الناصريين.

عوامل كثيرة ساهمت في نشوء المقاومة اللبنانية، منها التعاطف مع القضية الفلسطينية المحقة الذي زادته الضربات الإسرائيلية للفلسطينيين في لبنان عقب اتفاق القاهرة وأيلول الأسود قوةً وتماسكًا، إذا صار استهداف الأراضي اللبنانية من قبل الإسرائيليين دوريًا وممنهجًا ولم يطل بتأثيراته اللاجئين الفلسطينيين فقط بل طال اللبنانيين أيضًا بطبيعة الحال.

العامل الطائفي كان له دور ما أيضًا رغم التوجهات العلمانية المعلنة لأغلب الجهات المشاركة في المقاومة، خاصة مع النظر إلى موقف الجبهة اللبنانية (المسيحية) الذي بدا معاديًا للمقاومة الفلسطينية.

لاحقًا تحالفت الحركة الوطنية مع منظمة التحرير الفلسطينية في إطار أقرب في مصالحه إلى حسابات الحرب الأهلية اللبنانية التي كان الفلسطينيون جزء أساسيًا منها، ثم ولدت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي عرفت اختصارًا بـ جمول، ردًا على الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان سنة 1982.

تأسيس جمول تم على يد جورج حاوي ومحسن إبراهيم بشكل أساسي، لتضم الجبهة الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي فرع لبنان، وبدأت الجبهة بتنفيذ عمليات مقاومة مسلحة منها النوعي والجريء ضد القوات الإسرائيلية وجيش لبنان الجنوبي المتعامل مع إسرائيل.

بغض النظر عن موقفنا اليوم من المكونات الحزبية والسياسية المؤسسة لـ جمول لا يمكننا تجاهل أنها كلها أحزاب لا دينية بل أن بعضها شبه معاد للدين، لم يكن الدين دافعًا في تأسيسها للمقاومة.

بعد نجاح جمول في عمليات المقاومات التي أدت لاحقًا إلى جانب أسباب أخرى إلى انسحاب الإسرائيليين من بيروت، والشعبية التي تمتع بها هذه المقاومة الوطنية العابرة للطوائف رغم ما اعتراها من شوائب، يبدو أن التخطيط الإيراني والسوري لحزب الله جديد النشأة حينها أراد للأمور أن تكون على غير ما هي عليه.

في النصف الثاني من الثمانينات بدأت موجة من الاغتيالات تطال شخصيات من الصف الأول في جمول، فميشال واكد خطف في نهايات 1985 ثم عثرت على جثته مرمية على شاطئ البحر مطلع 1986، وحسن حمدان المعروف بمهدي عامل الذي اغتيل في طريقه إلى الجامعة وقال حينها غازي كنعان في اعتراف مبطن بالاغتيال مخاطبًا قيادة الحزب الشيوعي: “أكان من الضروري أن تدفعوا ثمنًا كهذا؟” إشارة إلى رفضهم طلبه السابق إليهم تنسيق عمليات المقاومة مع المخابرات السورية وإعلامها بها قبل تنفيذها.

حسين مروة لم تشفع له سنواته التي تجاوزت الثمانين ووجوده على فراش المرض فاغتيل في منزل على فراشه… وأيضًا لبيب عبد الصمد وخليل نعوس ونور طوقان… كلها اغتيالات متتالية يعرف الكل من وراءها، ضربت العمود الفقري للحزب الشيوعي ولحركة المقاومة… حتى الشخص المحوري في المقاومة جورج حاوي والذي نجا من سلسلة الاغتيال حينها، اغتيل لاحقًا سنة 2005 على يد الجهات عينها.

لا يمكن نكران أن عوامل أخرى حزبية وطائفية قد أثرت في هذه الاغتيالات التي لم تكن أغلبها بأيد سورية مباشرة، بس كثيرًا ما تمت على أيدي وكلاء كحركة أمل وحزب الله وغيرهما.

أفرزت هذا المتغيرات على أرض الواقع سيطرة حزب الله وحركة أمل، ثم الحزب لوحده عمليًا على “خطوط التماس” مع جيش لبنان لجنوبي ومع الإسرائيليين، فأداروا عمليات مقاومة منسقة ومدعومة من إيران والنظام السوري مع عمليات أدلجة ونشر الفكر الخميني في الجنوب، حتى وصلنا إلى عام 2000 عام الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان الامر الذي اعتبر انتصارًا لحزب الله وداعميه.

لكن الانسحاب الذي صوّر نصرًا أربك النظام السوري الذي كاد أن يعترض عليه علنًا فقد حذر الشرع من أن “الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب بدون حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سيسبب توترًا في الشرق الأوسط”.

خلال ذلك وأثناء سحب سلاح الميليشيات اللبنانية عقب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، تم الحفاظ على سلاح حزب الله وحده بذريعة دوره المقاوم.

هذا محطة اتضح فيها أن المقاومة ما هي إلا واجهة للحزب، أو دور واحد من أدواره ومهمة سلاحه، فالانسحاب الإسرائيلي أنهى حجة المقاومة وبالتالي استجلب ضغوطات جديدة داخلية وخارجية لسحب سلاح حزب الله، ولكن خبث النظام السوري استنبط حجة مزارع شعبا التي هي في الحقيقة وعلى ما يعترف به الإسرائيليون أرض سورية واقعة على مثلث الحدود السوري اللبناني الفلسطيني، ولذا هم لم ينسحبوا منها باعتبار انسحابهم هو فقط من لبنان، لكن النظام السوري وحزب الله ادعوا أنها أرض لبنانية للإبقاء على المقاومة وسلاحها، خاصة مع امتناع النظام السوري لعقود عن ترسيم الحدود مع لبنان، وحين طلبت الحكومة اللبنانية غير الحليفة لحزب الله من الحكومة السورية تسليم تصريح خطي بأن مزارع شبعا غير سورية، تم رفض الطلب!

هنا تفرغ الحزب بسلاحه أكثر وأكثر إلى الشأن الداخلي اللبناني، فانخرط أكثر في مظاهر الحياة السياسية، واغتيل الحريري ثم جاءت حرب تموز فالمحكمة الدولية وباقي الاغتيالات لشخصيات معادية للنظام السوري ومناهضة لحزب الله، وبعدها التحالف العوني مع حزب الله الذي منحه شرعية مسيحية، وشيئًا فشيئًا استتبت السيطرة للحزب على كل مفاصل الدولة اللبنانية حتى بات اليوم الحاكم الفعلي للبنان حتى إشعارٍ آخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.