إبقاء داعش في جيوبه الأخيرة بدير الزور ورقة صراع بيد القوى المسيطرة على المنطقة

إبقاء داعش في جيوبه الأخيرة بدير الزور ورقة صراع بيد القوى المسيطرة على المنطقة

عدي العبدالله

ينشط تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) في منطقة البادية السورية، وفي جيوب صغيرة بريف ديرالزور الشرقي، حيث يمكن ربط هذا النشاط، بتشابك قواعد الصراع في المنطقة والمتمثلة بالقوى المسيطرة عليها، وتعاظم الخلافات فيما بينها.

هجمات التنظيم المتواصلة، ولاسيما على الطريق الممتدة بين ديرالزور وتدمر، وصولاً إلى أطراف السويداء، إلى جانب العمليات المستمرة التي يقوم بها في مختلف الاتجاهات بريف ديرالزور، تدل على استفاقة التنظيم من جديد في المنطقة رغم انحساره في مساحات صغيرة.

حيث وجب التذكير هنا بالعملية التي نفذها التنظيم في مايو/أيار الماضي، في محيط مدينة الميادين (ريف ديرالزور الشرقي) على الرغم من الرقابة الإيرانية الشديدة على رصد حركته وتنقلاته في البادية السورية ذات السهول المستوية الواسعة، فقد تمكن عناصر التنظيم من اجتياز نقاط حراسة تابعة لحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني بالقرب من المكان المستهدف وهاجموا موقعاً عسكرياً مشتركاً للنظام والروس، أسفر عن مقتل ستة جنود للأخير بينهم مستشارين، اعترفت موسكو بذلك، إضافة لتدميره عتاد كبير في ذات الموقع، تزامنت تلك العملية مع اقتحام آخر لمجموعة من مقاتلي التنظيم، مواقعاً للنظام بالقرب من منطقة #السخنة، تمكنوا خلاله، من قتل وأسر عدة عناصر واغتنام أربعة آليات متنوعة منهم.

الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لموسكو وحلفائها والتي أعلنت في وقت سابق انتصارها على التنظيم وطرده بشكل كامل من المنطقة الشرقية.

فما سبق يفتح احتمالات متنوعة أمام ازدياد نشاط التنظيم في المنطقة وهو في حالة انحسار كبير سواء في سوريا أوالعراق، وكيف تمكن من اجتياز نقاط الحراسة التابعة لحزب الله وإيران باتجاه تجمع الجنود الروس وعناصر النظام على أطراف مدينة الميادين؟

يطرح الاحتمال الأول تساؤلاً مهماً عن سبب غياب الطيران الروسي عن منطقة البادية وغضه البصر عن تحركات التنظيم فيها، فهل عجز عن متابعة مئات من عناصر التنظيم وهو الذي دمر في وقت سابق معظم مدن وبلدات ريف دير الزور الشرقي، وقتل أعداداً كبيرة من أبنائها، حيث يتوقف الاحتمال على تركيز الماكينة الإعلامية الإيرانية باعتبارها المصدر شبه المنفرد لما يجري في المنطقة الشرقية، على الرسالة السياسية الإيرانية الموجهة للقوى الفاعلة في المنطقة من خلال نشاط التنظيم الأخير.

فإيران تركز دائما في إعلامها على استمرارية وجودها في المنطقة الشرقية لطالما هنالك إرهاب مستمر فيها على حد زعمهم، وفي تصريح مباشر للمتحدث الرسمي باسم خارجيتها بهرام قاسمي خلال مؤتمر صحفياً له في مايو الماضي، قال ، إن “إيران ستبقى متواجدة في سوريا مادامت الحكومة السورية تريد ذلك، و لا يمكن لأحد إجبار إيران على القيام بعمل ما، وإيران ستبقى في سوريا ما دام هناك إرهاب ولطالما تريد الحكومة السورية ذلك، من ينبغي أن يخرج هو من دخل من دون إذن الحكومة السورية”.

*تواطؤ من تحت الطاولة*

تمكن التنظيم من استعادة نشاطه في منطقة البادية السورية وفي مناطق محاذية للحدود العراقية من جهة البوكمال، على الرغم من انحصاره وتقهقره في جيوب صغيره في المنطقة، إثر قصف الجو الروسي العنيف الذي تعرض له في وقت سابق والذي مهد لتقدم الآلاف من العناصر الإيرانيين وعناصر من جنسيات أخرى تتبع لهم، والذين تمكنوا من بسط سيطرتهم على أجزاء كبيرة من المنطقة حيث عبّروا عن انتصاراتهم بإقامة حفلات موسيقية روسية، ولطميات أشرف عليها قاسم سليماني شخصياً في مدينة البوكمال.

وفيما تواجه إيران مأزقها السياسي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المقترن بالقصف الإسرائيلي، بغية طردها من سوريا، فاجأ التنظيم العالم بعملياته الأخيرة والتي تضمن آخرها مقتل عناصر روس والعديد من عناصر النظام والمليشيات الموالية له، رغم الرقابة الإيرانية الدائمة على حركة التنظيم في البادية، حيث يفسر ذلك بوجود تواطئ روسي إيراني في ازدياد نشاط التنظيم العسكري الأخير وخاصة في منطقة صحراوية مترامية الأبعاد تقع تحت وطأة الفصائل الإيرانية وحزب الله والتي تمتلك عتاداً عسكرياً مطوراً، إلى جانب طيران الاستطلاع الإيراني والروسي الذي لا يفارق سماء المنطقة

ورغم ما يبدو بين روسيا وإيران من تحالف في الحرب السورية، فالتنافس بينهما يتجلى في تحديد من هو صاحب اليد العليا في سوريا، وتزيد من حدّته عوامل دولية مجتمعة على طرد إيران من سوريا، ورغبة روسيا بالتخلي عن حليفها المختلف عنها استراتيجيا وإيديولوجيا.

*ازدياد نشاط التنظيم*

يستغل التنظيم فجوات التصدع الحاصلة بين القوى المتصارعة في المنطقة، ليزيد بها من قوته ويستثمرها في إعادة وضعه الميداني إلى التوازن، ما يمكنه من اعتماد حرب الاستنزاف الطويلة الأمد في صحراء تتبدل تشكلاتها التضاريسية حسب مناخ العلاقات الدولية والإقليمية، في السباق المحموم للسيطرة على منطقة وادي الفرات الغنية بنفطها وثرواتها، ويمكن إجمال نشاط التنظيم الأخير لعدة أسباب نذكر منها:

ربط الولايات المتحدة لقرار انسحابها من الاتفاق النووي، بالعبث الإيراني في سوريا خاصة، وفي المنطقة عموما، فطالبت، موسكو بالضغط على إيران لإخراجها من سوريا، حيث لاقت المطالبة استحسانا روسيا، فدعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى إخراج كل القوات الأجنبية من سوريا، والمقصود بذلك أولا وأخيرا الميليشيات الإيرانية.

من هنا، فالضرورة الاستراتيجية التي تخدم الإيرانيين، هي إحياء نشاط التنظيم من جديد، مما يعطي الفرصة لديمومة وجودهم في المنطقة وكذلك للمؤيدين الذين يدافعون عن وجودهم في سوريا.

اتباع التنظيم لحرب الاستنزاف الطويلة الأمد في المناطق السابقة متبعاً أسلوب الإغارة ثم الانسحاب معتمداً على مرونة مقاتليه وسهوله تنقله في كافة الاتجاهات ، والتي ينجم عنها عشرات القتلى والجرحى من النظام والمليشيات الموالية له، ما يزيد في اتساع تصدع الحلفاء.

في المحصلة، تستغل أطراف الصراع في المنطقة نشاط التنظيم المتزايد خلال الأشهر القليلة الماضية لتحقيق أهداف استراتيجية متباينة، كصرف أنظار المجتمع الدولي عن المطالبة بإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، باعتبار رؤية إيران أن خطر التنظيم أكبر من خطرها على السلم والاستقرار الدوليين، إضافة لتعميق الصراع (الروسي – الإيراني)، نتيجة الاتهامات المتبادلة بينهما عن مسؤولية سقوط قتلاهم في هجمات التنظيم المستمرة، واستثمار طهران نشاط التنظيم كرسالة موجهة لواشنطن، ردّا على إصرار الأخيرة على أن تعديل الاتفاق النووي، يأتي في مقدمته إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، باعتبارها ميليشيات إرهابية، تهدد الأمن الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.