الغارديان: سامر عطار شاهد على بعض ما حصل في المشافي الميدانية في سوريا

الغارديان: سامر عطار شاهد على بعض ما حصل في المشافي الميدانية في سوريا

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية شهادةً كتبها الطبيب سامر عطار، وهو بروفيسور مشارك في الجراحة في جامعة الشمال الغربي للطب ومتطوع في الجمعية الطبية السورية الأمريكية، تحدث فيه عن المشاهد الدموية التي رآها في سوريا.

حيث افتتح مقاله بالقول: “عندما يسألني الناس عن سوريا، أحدثهم عن الأشخاص الذين يعرّضون أنفسهم للموت في سبيل إنقاذ أرواح الآخرين”.
تحدث الطبيب عن الأطفال السوريين وأجسادهم المدمّاة بينما يقف عاجزاً عن فعل شيء. “أطفال قتلى تلفّهم الأكفان البيضاء وعيونهم المتجمدة تحدّق بي. لقد رأيتهم طوال الفترة التي كنت أعمل خلالها في حلب”، قال عطار مشيراً إلى أن تلك المشاهد لا تزال تراوده في كوابيسه.
فبعد عودته من رحلته الأخيرة إلى سوريا تحدّث عطار عن المظاهر التي تنبئ بعودة الحياة إلى طبيعتها. حيث عادت المقاهي والأسواق والمحال التجارية إلى الحياة، لكن بالمقابل لا يزال هناك عائلات لاجئة تكافح لتعيش في خيام وسط حرارة تصل إلى 38 درجة مئوية. الكثير منهم فرّوا من حلب والمناطق الساخنة في الجنوب.

وفي حديثه عن الحالات التي أشرف على علاجها، يكشف عطار كيف تلقى أحد الشبان عدّة عمليات جراحية لإعادة ترميم ساقه اليسرى وإنقاذها من شظية آذتها. لكن في النهاية كان الخيار الوحيد هو بتر الساق إلى ما فوق الركبة بسبب هشاشة العظم وتقلص العضلات. كما أصيب شاب آخر بانفجار قنبلة أدت إلى تحطيم وتشويه مفصله وعظام حوضه. لا يمكن للجراحة أن تفعل شيء لوركه الضعيف وساقه القصير، فترك الشاب ليعرج على عكاز. كذلك تحدث عن طفلة جاءت بيد شبه مقطوعة في حلب، تمت إعادتها إلى حالها من خلال عمليات جراحية للعضلات والأوتار والعظام. إلا أن يدها أصبحت متقلصة ولا فائدة منها. كما نفى أن يكون للترميم أي دور في إعادة إحياء وظائف يدها.

وأشار عطار إلى رؤيته الكثير من الحالات المشابهة لما ذكره. فقد قدم المساعدة لمن يستطيع مساعدته واكتفى بتعزية من لم يستطيع مساعدتهم. ويوضح أنه إذا ما مرّ يومٌ هادئ في الشمال، فالأيام كلها دامية بالنسبة للأطباء في إدلب. ففي أحد الأيام الهادئة في حلب، قتل 40 شخص في قصفٍ جوي في إدلب. فوصف أحد الأطباء المحليين المشهد في المستشفى بأنه يوم من أيام حلب يتكرر، “أطفال قتلى وأرضيات ملطخة بقطع من أجزاء البشر ودماء متجمدة تلطّخ كاحليك”.

ويوضح عطار أن هذا المشهد ما هو إلا عيّنة مما سيحصل في حين تصعّد الحكومة السورية هجومها لاستعادة السيطرة على إدلب التي تضم ثلاثة ملايين نسمة. ويوجه عطار كلامه إلى المثقفين الذين لم تطأ قدمهم سوريا ويتحدثون عن المسألة السورية بأنها معقّدة للغاية ولا يمكن فعل شيء. متحدّياً إياهم أن يقضوا يوماً واحداً في العمل التطوعي في مستشفى ميداني في سوريا، حيث “تبتر أطراف الأطفال وتطهّر الأرضيات من أشلاء الجثث ويوضع الأطفال المشوهين في أكياس الجثث المؤقتة. ومن ثم فليغرّدوا من مقاعدهم المريحة والمقاهي بأن الأمر معقّد ولا يمكن فعل شيء”.

هناك أشياء مروعة تحدث في جميع أنحاء العالم، من إطلاق نار وتفجيرات وعمليات قتل جماعية. إلا أنه وبحسب عطار فهذه الفظائع تمثّل الروتين اليومي في سوريا. ويشيد بالناس الطيبين الذين يسارعون إلى مساعدة الجرحى متحدين الصعاب والخطر دائماً. مشيراً إلى الشعب السوري الذي بقي أعزل في سوريا دون أطباء وممرضين ومدرّسين. رجالاً ونساءً يعملون في المستشفيات والمدارس ودور الأيتام بدون حماية من المدفعية والغارات، متحملين تلك الظروف بشكلٍ يومي وهم غير مسلّحين، متطوعين من تلقاء أنفسهم.

ويروي عطار كيف أنه قابل البعض منهم في رحلته الأخيرة إلى سوريا. هم أصدقاء وزملاء من حلب ويعملون الآن في إدلب. ووصف بواب المستشفى بأنه من أشجع الرجال الذين التقاهم في سوريا. فبحسب وصفه: إن لم يكن ينظف الأرض من الدم وبقايا الأجساد، كان يحمل المرضى من الأرض ويهرع بهم إلى غرفة العمليات، كان كالصخرة. كان قوياً وهادئاً ومتحمساً لاستقبال المصابين والقتلى بالرغم من يقينه أنه قد ينتهي به المطاف مصاباً أو ميتاً على الأرض إلى جوار الأشخاص الذين يحاول إنقاذهم. ويضيف: مثل هؤلاء الأشخاص أخبروني أنهم يفضّلون مواجهة خطر الموت بينما ينقذون حياة الآخرين في سوريا. علّموني أنه هناك أسباب تستحق القتال والموت من اجلها، وأنه توجد طرق لمحاربة الإرهاب والظلم لا تتطلب استخدام القنابل والرصاص. أحياناً كل ما يطلب منك هو الحضور والمساعدة. هؤلاء الأشخاص هم من أريد أن أتذكرهم عندما يسألني أحدهم عن سوريا.

وينهي عطار مقاله بالقول: أعرف أن لا أحد سوف يساعدهم، عندما تنتهي المذبحة في إدلب! سوف نتساءل مرة أخرى كيف سمحنا لهذا بأن يحدث؟ كل ما يمكنني فعله من هنا اليوم هو المتابعة والتضامن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.