إلهام أحمد لنيويورك تايمز: سوريا بلد الطغاة والمقابر

إلهام أحمد لنيويورك تايمز: سوريا بلد الطغاة والمقابر

نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقالاً كتبته السياسية الكردية #إلهام_أحمد، وهي رئيسة مشتركة في مجلس سوريا الديمقراطية والذي يتكون من مجموعة أحزاب ديمقراطية تقدمية تحكم شمال سوريا “الفيدرالية”.

حيث استهلت أحمد مقالها بالقول إنه على مر التاريخ كان العنف هو الأداة الأساسية للأنظمة الشمولية. فعندما تتعامل السلطة الاستبدادية مع مطالب الحرية المشروعة بالعنف العشوائي, يتعيّن على الشعب أن يقرر فيما إذا سيهرب إلى أنحاء أخرى من العالم أو يبقى ويناضل من أجل حريته. نحن في سوريا نعيش مع هذه التغيرات المستمرة كل يوم. مضيفةً أن فريقها في مجلس سوريا الديمقراطية هو تحالف متعدد الأعراق يكوّن الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية. وأنهم قد قاوموا نظام الأسد لسنوات، لكن ما بدأ كمظاهرات سلمية تطوّر سريعاً إلى حركة أكثر تعقيداً أُجبرت على تبني العنف كوسيلة حماية وكطريقة وحيدة فعّالة لتأسيس ديمقراطية ليبرالية في سوريا. فقد قامت قوات النظام السوري، الذي يصف نفسه بالحكومة العلمانية، منذ عقود باستخدام العنف ضدّ معارضيه وأي شخص يخالفه الرأي. وبذلك تم تأسيس سلالة حاكمة ديكتاتورية بعيدة كل البعد عن النظام الجمهوري الذي يزعم بوجوده اليوم.

وبحسب أحمد، فإن أجهزة المخابرات هي الحاكم الحقيقي في سوريا وليس السياسيين الذين يمكن أن يحمّلوا المسؤولية من قبل ناخبيهم. فأجهزة الأمن كانت تعمل كسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية. فالقضاة والسجانين جميعهم في أيدي المخابرات. وتشير أحمد في مقالها إلى أن إدارة المخابرات الجوية هي من أكثر الفروع الأمنية فظاعةً في سوريا، وهي الإدارة التي شهدت صعود حافظ الأسد إلى السلطة. فقد استخدم نفوذه هناك، واستغل فيما بعد دوره كوزير للدفاع للاستيلاء على الرئاسة في سوريا في العام 1970, وذلك قبل تسليم الحكم لابنه بشار الأسد.

وفي حديثها عن الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011، تقول أحمد بأن الشباب ساروا في الشوارع مطالبين بالتغيير السلمي والتحول الديمقراطي في سوريا. وكانت ثورتهم سلمية مليئة بالأمل والتطلعات الجديدة، ولم يكن أيّ من هؤلاء الرجال والنساء يعتقد أنهم سيضطرون لتبني العنف في نضالهم من أجل الديمقراطية. لكن النظام السوري استخدم العنف للحفاظ على بقائه في السلطة. فقد ردّ نظام الأسد على هذه الاحتجاجات بوحشية، معتقلاً الأطفال بسبب كتابات ضدّ الحكومة رسموها على جدران مدارسهم، وتم ضربهم وتعذيبهم. فحمل الشعب السلاح كوسيلة لحماية عائلاتهم ومنازلهم وأحيائهم. واستجاب النظام بالطريقة ذاتها واضعاً حجر الأساس للمجموعات المتطرفة لتشريع أنفسهم كحماة للشعب بينما يحرّك الشباب السوري تحت راية الإيديولوجيات الراديكالية.
وتوضّح احمد أن مجلس سوريا الديمقراطي في شمال سوريا أدرك في وقت مبكّر المشكلة التي قدّمت هذا العنف الشديد والمستمر. فالخط الفاصل بين القتال من اجل الديمقراطية والقتال من اجل حياتنا يشكّل حدي السكين، وكلا السببين ليسا متعارضين ولا يستبعد أحدهما وجوب الآخر.

وعن استخدامهم للسلاح، ترى أحمد أنهم وإن استخدموا السلاح لحماية أنفسهم، لكن مجتمعهم لم يعاني من الفوضى كغيره. فعلى من يستخدم العنف أن يتحمل المسؤولية حتى عندما يُستخدم كحلّ أخير. فقد أسسوا وحدات محلية من المقاتلين الذين يسمح لهم باستخدام العنف فقط في حال الدفاع عن النفس. بينما يواصل جيش الأسد في هذه الأثناء مهاجمته للمدنيين بالسلاح الكيميائي. وبينما هم يوظّفون مقاتلين بقوةّ محددة يحكمها القانون، فإن أسلحة نظام الأسد هي القانون.

أما عن أساليب النضال الأخرى، فتقول أحمد إنهم لم يتخلوا عنها. فهم ينظمون الاحتجاجات داخل سوريا وخارجها، ويجرون انتخابات نزيهة في المناطق التي تحميها قوات سوريا الديمقراطية. كما أنهم اقترحوا حلاً لا مركزياً للحكم حيث يؤمنون بأن احتكار السلطة هو من يقف وراء إراقة الكثير من الدماء وأعمال العنف والظلم الأخيرة في سوريا. فجهودهم تخدم كرسالة لمعنى الديمقراطية حقاً: حكم الشعب للشعب ومن أجل الشعب. لكن منذ أن اعتلى بشار الأسد منصب السلطة، لم تعمل الديمقراطية أكثر من كونها حجاب لتوسيع سيطرته. فقد أجرت الحكومة السورية انتخابات في العام 2016, لكنها جرت في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد فقط. لذلك كانت نتائج التصويت ساحقة لصالح النظام الأمر الذي عزز من شرعيته في السلطة. بينما في الجانب الآخر كان الناشطين والصحفيين وحتى المدنيين ما يزالون يحتجزون أو ينزحون أو حتى يقتلون.

وعن التعليم، ترى أحمد أن مجلس سوريا الديمقراطية يساعد في الحفاظ على نظام تعليمي لأكثر من 80 ألف طالب في منطقة الجزيرة، وأكثر من 50 ألف طالب في منطقة عفرين. فهم يقدمون التعليم باللغة الكردية والآرامية والعربية، كما أنهم أنشأوا جامعات في كل من عفرين وكوباني والقامشلي. مضيفةً أن بناء سوريا جديدة سيساعد على ضمان توازن مناسب بين المقاومة العنيفة والسلم. وبينما قد تجعل الحرب الديمقراطية الجديدة ممكنة، فإن المجتمع الديمقراطي لا يمكنه البقاء في وقت السلم بدون بنية تحتية وتعليم.
وعن إعادة الإعمار، تقول أحمد إن إدارة عملية إعادة الإعمار هذه وسط دمار الحرب هي كفاح دائم. وفي الواقع، فإنهم يعيدون إعمار كوباني من الدمار الكامل. حتى في ظل الحصار الاقتصادي التركي، حيث بدؤوا بإنعاش اقتصاد عفرين وتنويعه. لتُغزى بعدها مدينة عفرين وتُحتل من قبل مرتزقة جهاديين مدعومين من الحكومة التركية، فيشرّدوا شعبها ويشاركوا في عمليات نهب واسعة النطاق، وفق وصفها.

واختتمت إلهام أحمد مقالها بالقول إنه طالما لدى سوريا أو أي بلد آخر زعيم يريد المزيد من السيطرة التي لا يمكن لأي ديمقراطية ليبرالية أن توفرها، فإن العنف سوف يستمر بالانتشار. وفي الوقت الذي يقتل فيه ببساطة مئات الآلاف من الناس من أجل بقاء قلّة من الأشخاص في السلطة، فإنه يجب الدفاع عن الديمقراطية بأكثر من مجرّد خطابات. إيماناً بأن خلاف ذلك هو الاستسلام لعالم ليس فيه سوى الطغاة والمقابر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.