مغنية وبدر الدين واغتيال الحريري.. هل مات العقل المدبر فعلاً؟

مغنية وبدر الدين واغتيال الحريري..  هل مات العقل المدبر فعلاً؟

رجا أمين – بيروت

بعد استلامه الحكم سنة 2000 بخمس سنوات، بدا أن أمور الحكم والسلطة استتبت لبشار الأسد في سوريا، فانتقال السلطة تم بسلاسة، وجرى وأد ربيع دمشق دون عقبات حقيقية تذكر، وإبعاد شخصيات ما سُمي بالحرس القديم الواحد تلو الآخر. لكن مسألة إدارة النظام السوري احتلاله للبلد المجاور #لبنان لم تكن على ما يرام، فصوت المعارضين لوجوده ارتفع أكثر فأكثر بعد موت #حافظ_الأسد، فكان قانون محاسبة #سوريا، ولقاء قرنة شهوان السياسي المعارض للوجود السوري العسكري-الأمني في لبنان برعاية من البطريركية المارونية وعلى رأسه البطريرك نصر الله صفير. ثم ما لبث أثر تطورات سياسية أن انضم رفيق الحريري إلى هذا المحور على نحو أكثر وضوحاً من ذي قبل، فرض بشار الأسد التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية التابع لسوريا إميل لحود ولاحقاً تم في 14 شباط 2005 اغتيال #رفيق_الحريري في تفجير ضخم وسط العاصمة اللبنانية #بيروت.

توجهت أصابع الاتهام للنظام السوري وتشكلت لجنة تحقيق دولية ساهم في دفع تحقيقاتها نحو الحقيقة دور أساسي لضباط لبنانيين متميزين كوسام الحسن ووسام عيد اللذين تم اغتيالهما لاحقًا من قبل #حزب_الله كما يبدو، واتضح للتحقيق دور تخطيطي وتنفيذي لحزب الله وبدء تسليط الضوء على هذا الدور ورجالات حزب الله المخططين والمنفذين، كلها ذكّرت بالعمليات السرية والإرهابية لحزب الله منذ نشأته حتى اليوم مع قرب صدور الحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي يرجح أن تتهم أفراداً من حزب الله والنظام السوري بالتخطيط وتنفيذ هذا الاغتيال الذي لم يكن له أن يتم دون أوامر من رأس هرم السلطة في كلٍ من النظام والحزب.

منذ بداية نشأة حزب الله في لبنان اقترن العمل المقاوم بالعمل الإرهابي، وهو الأمر الذي يسهل فهمه مع التيقن من أهداف الحزب التي لا تشمل فقط مقاومة الإسرائيليين بل تنفيذ مشروع ديني طائفي في لبنان ربما يمكن التعبير عنه بتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، وكثيراً ما يسخّر العمل المقاوم في سبيل تمرير وخدمة المشروع الداخلي الأهم.

هذا الجانب الأمني للحزب ارتبط باسم #عماد_مغنية، الذي كان الشخصية الأمنية الأولى في حزب الله حتى مصرعه سنة 2008. مغنية من مواليد 1962، في شبابه المبكر انخرط في العمل الأمني والعسكري من خلال المنظمات الفلسطينية الموجودة في لبنان، وعلى رأسها منظمة فتح، مع الارتباط أيضاً مع المنظمة الأولى لدى الشيعة في لبنان حينها حركة أمل. ومع نشوء حزب الله في مطلع الثمانينات ومغادرة حركة فتح لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي 1982 وجد مغنية طريقه إلى #إيران حيث لفت نظر قادته لمهاراته العسكرية والأمنية وواصل الشاب الصاعد طريقه بتلقائية إلى صفوف حزب الله.

نسبت إلى مغنية عمليات عديدة، منها عمليات ضخمة ونوعية عرفت على صعيد عالمي، منها تفجير السفارة الأميركية في لبنان، وتفجير مقر مشاة البحرية الأميركية المارينز في بيروت حيث قضى أكثر من 240 جندي أميركي نحبهم في عملية واحدة، وتفجير مقر القوات الفرنسية الذي أدى لمقتل أكثر من 50 جندي فرنسي، وتفجير السفارة العراقية في بيروت، ومركز يهودي في الأرجنتين.

ينسب إلى مغنية أيضاً دوره في تأمين الحراسة الشخصية لياسر عرفات ومحمد حسين فضل الله، وخطف طائرات مدنية وعمليات اغتيال متعددة.

صور مغنية القليلة ولجوئه إلى تغيير معالم وجهه بواسطة عمليات جراحية يؤكد كم هو ملاحق ومحل متابعة من أجهزة استخباراتية دولية على رأسها المخابرات المركزية الأميركية، كما كان ملاحقاً من الإنتربول ومطلوب في الاتحاد الأوروبي.

في النهاية أعلن عن اغتيال مغنية في دمشق، في كفرسوسة، أي المنطقة التي تعتبر مربعاً أمنياً، ونفى الموساد مسؤوليته عن العملية بينما أشارت معلومات وتقارير متنوعة إلى مسؤولية الموساد الذي يقال إنه زرع عبوة شديدة الصغر والانفجار في مسند رأس سيارة مغنية.

صعد إلى الواجهة بعد اغتيال مغنية مصطفى بدر الدين، المتهم الرئيسي باغتيال رفيق الحريري، وقائد مقاتلي حزب الله في سوريا لاحقاً، الذي كان أحد أهم الشخصيات الأمنية في الحزب لكنه لم يكن منضبط السلوك كما مغنية، إذا عرف عنه السلوك الماجن وعلاقاته النسائية المتعددة ولو كانت بأسماء مستعارة عرف منها فؤاد صعب وسامي عيسى.

بدر الدين من مواليد 1961 قرب بيروت، انتظم مبكراً في صفوف حزب الله، اعتقل لاحقاً في الكويت 7 سنوات بتهمة تفجير السفارة الأميركية هناك حيث هرب من معتقله مع الغزو العراقي للكويت. وفي سنة 2011 اتهمت المحكمة الدولية صهر مغنية وخليفته مصطفى بدرالدين باغتيال الحريري، ولكن في 13 أيار 2016 أعلن حزب الله عن اغتيال مصطفى بدر الدين في سوريا في انفجار استهدف مركزاً قرب مطار دمشق كان بدر الدين متواجداً فيه، الانفجار بحسب الحزب مصدره قصف من قبل “الجماعات التكفيرية” الأمر الذي نفاه المرصد السوري لحقوق الإنسان نفياً كاملاً.

بهذه الطريقة يكون “القدر” قد خلص حزب الله من بعض التهمة التي تطاله، إذ من الممكن أن تتم محاكمة شخص فار محاكمة غيابية لكن محاكمة الميت غير واردة، خاصة مع بدء المرافعات النهائية الممهدة لصدور الحكم بحق المتهمين باغتيال رفيق الحريري، وهو الأمر الذي أشار إليه حسن نصر الله مؤخراً في إطار ما قيل عن تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية في انتظار صدور الحكم بحق المتهمين ما قد يشكل ضغطاً على حزب الله.

من غير المرجح أن يؤثر حكم المحكمة على الوضع الداخلي لحزب الله، فموقفه من المحكمة كان واضحاً منذ الأيام الأولى، ولو كان تعاطيه معها متردداً ومهزوزاً في بعض الأحيان، وباعتباره القوة الوحيدة المسلحة تقريباً في لبنان، فلن يجرؤ أحد على البحث عن المتهمين ومحاولة إلقاء القبض عليهم.

ولكن قد يساهم حكم المحكمة في ترتيب ضغوط خارجية إضافية على حزب الله والنظام السوري عملياً، وهؤلاء الطرفين ولو اعتادا العقوبات الدولية والضغوط الخارجية إلا أن حكم المحكمة لن يتم تجاوزه بسهولة وسيكون ورقة قوية في يد مناوئي هاتين الجهتين.

يبقى السؤال: مع كل التاريخ الحافل لمغنية وبدر الدين، وطبيعة حياتهما الأمنية المتخفية والمجهولة، وظروف الاغتيال التي أعلنت لكل منهما، ورغم التشييع العلني والتأبين والتعازي، لا يمكن التوثق بشكل أكيد من أن الشخصين قد غادرا هذه الحياة فعلاً، فمن يستطيع أن ينفي أن الواحد منهما قد غير ملامح وجه وانتقل للحياة في مكان آخر باسم آخر وهوية مزورة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة