الصناعة السورية تصارع للبقاء في وجه سياسة إيرانية تحاول وأدها

الصناعة السورية تصارع للبقاء في وجه سياسة إيرانية تحاول وأدها

بسام الحسين – دمشق

بينما كانت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها عام 1945، كان وزير المالية الأميركي (هنري مورجينتاو)، ومعه نظرائه من أوروبا، يحاولون إيجاد الحلول الأنجح لكف يد ألمانيا من القيام بأي حرب أخرى، رؤية مورجينتاو، تمثلت بجعل ألمانيا تعتمد على الزراعة، كمصدر دخل، ومحاربة أي مظهر للصناعة، وعليه تكون ألمانيا بلد جديد مقلم الأنياب، باقتصاد هش ضعيف ومتداعٍ.

وتحاول #إيران استنتساخ  التجربة ذاتها في سوريا، وكانت تصريحات وزير الصناعة في حكومة النظام، (أحمد الحمو)، التي يقول بها أبوابنا مفتوحة للمستثمرين الإيرانيين، وفي كل مجالات #الصناعة من تصنيع خزانات للنفط والكابلات ومناجم الفوسفات والاسمنت واللقاحات الطبية والثروة السمكية، وتفعيل عمل شركة السيارات الإيرانية “سيامكو” في السوق السورية، نتيجة طبيعية للاحتلال الإيراني للبلاد.

يحاول الخبير الاقتصادي (معمر الزيناتي) أن يرصد السياسة الايرانية المتبعة في سوريا والتي تهدف إلى استغلال الموارد الطبيعية دون السماح إلى تصنيعها محلياً، وقال زيناتي لـ”الحل”: إن “سوريا تمتلك ثروات معدنية مثل #الفوسفات والمتوافر بشدة حول مدينة تدمر وخنيفيس والصوانة، وثروات نفطية في مدن ومحافظات مختلفة، وتم الكشف عن حقول غاز بمحاذاة السواحل السورية، إلا أن هذه المواد يتم تصديرها كمواد خام غير مصنعة، ما يفقدها قيمتها الحقيقية، ولعل الشركات الإيرانية سوف تستغل الظرف الحالي كما فعلت شركة “ملى نفت” الإيرانية، التي تستولي على #النفط السوري عبر شركة “ليد” المملوكة لرجل الأعمال (نزار الأسعد ورامي مخلوف)”.

أما في ما يخص صناعة الإسمنت، فحاولت إيران ومنذ تسعينات القرن الماضي من تعطيل هذه الصناعة الوطنية في سوريا، من خلال احتكار عقود تشغيل وإنشاء مصانع الإسمنت بجودة رديئة جداً، ولعل معمل إسمنت “دير علي” قرب صحنايا مثال حي عن منشأة عملت الشركة الإيرانية على تجديدها بميزانية تقارب المليار ليرة سورية، لكن الانتاج تراجع للنصف بعد هذه العملية.

التعفيش عوضا عن التصنيع

وتحاول إيران السيطرة على هذا القطاع لدوره في المرحلة القادمة من “إعادة الإعمار”.

المقاول (بسام جمال الدين)، تحدث لنا عن التخطيط الإيراني لإنشاء معامل في سوريا ولكن لخدمة شركات المقاولات الإيرانية التي ستساهم في “إعادة إعمار سوريا”، الموضوع لا يقف عند الحدود السورية ولكن يمتد إلى لبنان، فإيران تتصرف في البلدين كمحافظات تابعة لها، وعلى هذا الأساس تضع سياسة واحدة تشمل كل دول المنطقة من العراق وصولا للبنان.

وبحسب جمال الدين، استولت إيران مؤخراً على  كسارات في منطقة الصرفند والنبطية ومرامل في صور بجنوب لبنان، وأنشأت فيها خلاطات للخرسانات الجاهزة والإسفلت على مستوى ضخم جدا تمهيدا لمرحلة “إعادة الاعمار”.

يقول جمال الدين، إن فكرة التعفيش وسرقة كابلات الكهرباء ليست وليدة شبيحة النظام، فقد أنشأ حزب الله، إبان حرب 2006 جهازاً منظماً للإشراف على استخلاص الحديد والإسمنت من ركام الأبنية، بغية إعادة صهرها. وأنشات شركات لبنانية تحت إشراف إيراني للقيام بتلك المهام، ومن ثم تم بيع هذا الحديد للشركات القطرية التي مولت بناء الضاحية الجنوبية.

الخط الائتماني مكبل للصناعة

أوجدت إيران فكرة الخط الإئتماني للتخلص من بضائعها الكاسدة بأفضل طريقة يتم من خلالها الحصول على قطع أجنبي من النظام بحجة تقديم دعم مادي له عبر بضائع مدعومة السعر، وحاولت وزارة الصناعة في حكومة النظام إقامة خط ائتماني إيراني  لتأمين قطع تبديل للمصانع المتهالكة والتي توقفت صيانتها بحكم العقوبات المطبقة على النظام.

إلا أن الحكومة الإيرانية رفضت الطلب بشكل “لائق”، وقبلت تزويد السوق السورية بالبضائع التي كانت تنتجها المعامل المتعثرة، وصرح وقتها وزير صناعة النظام (أحمد الحمو)، أن الغاية من الخط الائتماني ستكون في تأمين المستلزمات للقطاع الصناعي والزراعي وليس تأمين قطع تبديل المصانع المتعثرة، وبالتالي سيؤمن مخرجات تلك المعامل، ولكنه لا يسهم في إقلاع المعامل المتوقفة، وبالتالي لايسهم في تدوير العجلة الإنتاجية.

تدمير موروث إنساني عمره ملايين السنين

لاشك بأن الممارسات الإيرانية سيكون لها آثار مدمرة على المدى الطويل وليس فقط خلال هذه الحقبة، فالصناعات التي تميزت بها سوريا والتي توارثها الأبناء عن الآباء وقبلهم الأجداد اليوم باتت مهددة “بالانقراض”، والفيلم الوثائقي Germany made in USA أو (ألمانيا- صناعة أميركية) يصوّر كيف تمكّن الأميركان من جعل أنفسهم قدوة للألمان، من خلال إعادة ترتيب الذهنية الألمانية، رغم أن ذلك لا يعدّ مهمّة سهلة، وعُرِفت هذه الخطوة حينها بـ”الإستراتيجية النفسية من أجل إعادة تعريف ألمانيا” بدعم من المخابرات الأميركية، وهو الدور الذي يقوم به الحرس الثوري في سوريا.

ويعرض فيلم (ألمانيا- صناعة أمريكية) أو Germany made in USA، ماتم الاتفاق عليه وراء الكواليس، من خلال إنفاق مبالغ مالية ضخمة على النقابات العمالية والمهنية، وكذلك النوادي الثقافية والفنية، لاستبدال الموروث الثقافي #الألماني بالثقافة الأميركية القادمة من بعيد، وكذلك على الإعلام، وبالأخص المجلات العلمية التي من شأنها إحداث تغييرات جذّرية في المجتمعات، وبحسب الكثير من النقاد والمؤرخين، فقد حققت هذه السياسة الهدف الذي أُوجدت له، ونجحت سياسة المخابرات الأميركية، لدرجة أن غالبية الألمان باتوا ينظرون للقارة المكتشفة حديثاً وكأنها الجنة، فقط بعد 10 سنوات من إطلاق تلك الحملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة