رجا أمين – بيروت
لا تكاد تمر بضعة أيام دون أن نسمع عن حادثة مميتة تصيب اللاجئين السوريين سواء عبر الحدود البرية بين #سوريا و #تركيا أو تلك التي تفصل #اليونان عن دول أوروبا الشرقية، وأيضاً في البحر الذي يشكل عائقاً يفصل اللاجئين عن حلمهم بالأمان والعيش الكريم في أوروبا.
الجديد نسبياً هذه المرة أن نسمع أخباراً مماثلة من #لبنان إذ أعلنت السلطات اللبنانية يوم السبت 22 أيلول، عن غرق قارب يحمل 39 من “النازحين السوريين” قبالة الشاطئ اللبناني شمال طرابلس على عمق 2 كيلومتر، وكان الزورق متجهاً نحو قبرص.
منطقة العبدة في عكار شمال طرابلس هي منطقة تمتد تقريباً من شمال مدينة طرابلس إلى الحدود السورية في العريضة، وشاطئ هذه المنطقة معزول بعض الشيء ويكاد يخلو من الأبنية، مما يجعله منطقة جيدة لأعمال مشابهة لولا المراقبة العسكرية لقرب المنطقة من مطار رينيه معوض، ورغم ذلك فقد نجح ركاب المركب في التجمع واستقلال المركب دون مشاكل!
بحسب شهادة أحد ركاب الزورق فقد تعطل المحرك في الزورق المتهالك بعيد مغادرته الشاطئ ما أن قطع مسافة تقارب الكيلومترين، ثم ما لبث أن انقلب خلال محاولة إصلاح المحرك بسبب تركز ثقل الركاب في جانب واحد من جانبي المركب، ونجا كل الركاب الذين كانوا مرتدين لحسن الحظ سترات نجاة ما عدا الطفل خالد نجمة ابن الخمس سنوات الذي علق تحت المركب المنقلب.

بعدها بعشرين يوماً تقريباً وفي 12 تشرين الأول أعلنت القوات البحرية لليونيفل عن عثورها على قارب مفقود كان يقل سوريين من لبنان إلى قبرص، وعُرف أن المركب توقف إثر نفاد الوقود وبقي ركابه من رجال ونساء وأطفال (32 شخص) دون طعام لأربعة أيام، حتى تم العثور عليهم.

يمكن التوقف بعد هاتين الحادثتين عند عدة ملاحظات:

أولاً، وصول حادثتي تعثر استكمال رحلات غير شرعية من لبنان إلى قبرص إلى الإعلام في أقل من شهر واحد، ما يسهل الافتراض بأن رحلات أخرى وربما كثيرة قد سلكت الطريق نفسه ووصلت وجهتها، أو ربما غرقت بمن عليها.
وعليه فالأمور وصلت بالسوريين في لبنان إلى سلوك هذه الطريق الخطرة للوصول إلى قبرص التي لا تعد جنة اللاجئين الموعودة، وبكلمات أخرى، هم يركبون مخاطر البحر بكلف مالية مرتفعة ليصلوا فقط إلى قبرص، ما يعني أن بقاءهم في لبنان أمسى ذا أفق مسدود.

ثانياً، من المفهوم أن يكون الفلسطينيون سواء أكانوا فلسطينيين لبنانيين أم فلسطينيين سوريين إلى جانب السوريين في هذا النوع من الرحلات، لكن الغريب أن المركب الأول حمل مواطنين لبنانيين أيضاً، قال أكثر من تقرير صحفي أنهم ليسوا بمهربين بل مهاجرين، ما يسمح بالاستنتاج أنهم كانوا يخططون لانتحال الجنسية السورية للحصول على تسهيلات تخص الإقامة واللجوء، فجنسيتهم اللبنانية لا تسمح لهم بالحصول على المعاملة التي يفترض أن يلقاها السوري كإنسان قادم من بلد بات مضرب مثل في الدمار والدماء التي سالت فيه.

ثالثاً، سعي السلطات القبرصية إلى توقيع معاهدة ترحيل مع لبنان يؤكد الظن بنجاح رحلات لم يعلن عنها بالوصول إلى مقصدها منطلقة من لبنان، أو على الأقل يلقي الضوء على استشراف قبرص الخطر الذي بات يشكله لبنان عليها لجهة انتقال اللاجئين منه إلى قبرص نظراً لسوء الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي يرزحون تحتها في لبنان.

تصريح وزير الدولة اللبناني لشؤون النارحين معين المرعبي أتى ليؤكد سوء أوضاع اللاجئين إذ قال “لا أعتقد أنه القارب الأول أو الأخير، لكن هذا المركب تم كشفه. في لبنان يعيش النازحون في ظروف صعبة لافتقار مخيماتهم إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. وبطبيعة الحال أن يفكروا بالهجرة”.

تؤكد بعض الشهادات المنشورة والتي من غير الممكن التوثق من صحتها، أن اللاجئين في هذه المرة لم يقعوا تحت رحمة المهربين، إذا تورد هذه الشهادات أن اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين جمعتهم مخيمات اللجوء خططوا للأمر ونفذوه لوحدهم، فاشتروا مركباً رخيصاً وتزودوا بسترات النجاة وما اعتقدوا أنه يكفي للوصول إلى قبرص، لكن قلة الخبرة أو سوء الحظ، وربما الأمران معاً أديا إلى فشل الرحلة وموت الطفل نجم.

من غير المرجح أن تتوالى رحلات شبيهة قريباً مع دخول المنطقة فصل الشتاء، ما سيسد الأفق أمام لاجئين يائسين أغلقت الطرق في وجههم في لبنان حيث يواجهون سوء الظروف وعنصرية السياسيين، وينامون على إشاعات خطط روسية ودولية لإعادتهم “طوعاً” إلى سوريا، بينما يحرمهم النظام من العودة إلى منازلهم التي صارت برسم التدمير والاستثمار ربما بحسب ما أفاد تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 16 تشرين الأول بهذا الشأن، وتحتل ميليشات حزب الله منازل لاجئين سوريين آخرين فيحولون دون عودتهم إلى قراهم وبلداتهم.

من جهة أخرى، وفيما يمكن اعتباره ضغطاً غير مباشر على الحكومة اللبنانية من أجل عدم إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا، أعلنت ألمانيا أنها ستقدم 135 ملون دولار للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك لدعم نشاطاتها وخدماتها المقدمة للاجئين السوريين في الأردن ولبنان.

هذا الدعم المالي غير الأول من نوعه، قد يفسر بأنه إنساني ذو نفع سياسي يقطع طريق إعادة اللاجئين على النظام وروسيا، إذ يحفّز لبنان على عدم الضغط على اللاجئين. ولكن هذا الدعم قد يفسر أيضاً على أنه تخوف ألماني من أن إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا قد يدفعهم بطريقة أو بأخرى إلى العثور على طريقة توصلهم إلى أوروبا بما فيها ألمانيا التي بات فيها وضع أنجيلا ميركل السياسي حرجاً بسبب تبنيها استقبال اللاجئين.
 
 
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.