كيف تعامل ديمستورا “كمبعوث أممي” مع الملف السوري خلال 4 سنوات؟

كيف تعامل ديمستورا “كمبعوث أممي” مع الملف السوري خلال 4 سنوات؟

حسام صالح

يبدو أن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه النظام والمعارضة في سوريا حول مهمة المبعوث الأممي لسوريا “ستيفان #ديمستورا” هو قدرته على البقاء في منصبه لمدة تجاوزت الأربع سنوات، وهو ما عجز عنه أسلافه ممن تولوا هذا المنصب في إيجاد حل سياسي للملف السوري، والحرب الدائرة، فالاستقالة التي أعلنها قبل أيام والتي جاءت “لأسباب شخصية وعائلية” على حد تعبيره، فتحت الباب أمام العديد من التساؤلات حول اقتناع الرجل بـ” الحل السياسي”، رغم تصريحاته المتكررة بأنه “لايملك عصا سحرية”، و تمسكه “شكلياً” بمسار جنيف الذي يشمل عملية انتقال سياسي في البلاد، وصاحب فكرة خفض التصعيد ومناطق التهدئة، التي تبين فيما بعد أنها أعدت في “المطبخ الروسي” لتكون بوابة لتهجير السكان وإخلاء المناطق واحدة تلو الأخرى لصالح النظام وداعميه.
مرت سوريا خلال مرحلة تسلم ديمستورا منصبه كمبعوث دولي إليها بتطورات كبيرة غيرت مسار “الثورة”، بدءاً من جنيف 3 مروراً بالمجلس النسائي السوري الذي شكله، ومسار أستانة الذي همّش مسار جنيف، وصولاً إلى تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، وسط مماطلات النظام خلال هذه السنوات لكسب المزيد من الوقت، واستعادة ماخسرته عسكرياً لاسياسياً.

مناطق خالية الصراع والسلل الأربع
لعل أولى المبادرات التي طرحها ديمستورا في عمله كمبعوث دولي إلى سوريا، كانت الخطة التي قدمها إلى مجلس الأمن في شهر تشرين الأول 2014، والتي تقوم على فكرة “إنشاء منطقة خالية من الصراع”، وكانت الأنظار تتجه حينها إلى مدينة حلب، بإبقاء كل طرف في موقعه بهدف تشكيل حالة من الاستقرار، ومن ثم تطبيقها على باقي المناطق، إلا أن هذه الخطة لم تنفذ، إلى أن تدخلت روسيا رسمياً إلى جانب النظام، وتم تسليم المناطق وفق منطق “المصالحات” التي تقضي بتهجير السكان، بشكل يخالف الأعراف والقوانين الدولية كما يراه المراقبون.

ولعل المعضلة التي كانت تواجه ديمستورا في مسار جنيف هو “هيئة الحكم الانتقالي”، ومصير بشار الأسد التي تصر المعارضة على هذا البند، لكنه استطاع في #جنيف 4 طرح “السلال الأربع” التي تتضمن الحكم غير الطائفي، والدستور الجديد، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، وبدأ الحديث عنها رغم أن جولة المفاوضات هذه فشلت، واستمرت الجولات تتوالى دون تحقيق أي تقدم، وكان تصريح ديمستورا بأنه “ليس من المتوقع تحقيق المعجزات بالمفاوضات، ولاينبغي التفاؤل بنتائج مباحثات جنيف”.

اللحاق بمسار أستانا
بعد التغيرات التي طرأت على التوازنات الدولية والإقليمية بخصوص الملف السوري، وتحييد الولايات المتحدة نسبياً عن مسار الحل في سوريا، أعرب ديمستورا حينها عن خشيته من تحركات موسكو لنسف مسار جنيف السياسي، لكن مع بداية ظهور مخرجات “مناطق خفض التصعيد” في سوريا، أعلن ديمستورا أن محادثات “أستانا” تقترب من التوصل إلى إعلان نهائي، وبذلك أصبح مسار أستانا ذو الرعاية الروسية التركية الإيرانية هو المسؤول عن متابعة الوضع الإنساني في سوريا، ومناقشة موضوع “مكافحة الإرهاب” إحدى سلال ديمستورا الأربع، وبذلك سحب الملف إلى خارج جنيف بمباركة من ديمستورا، لتبقى باقي السلال “الحكم والانتقال السياسي والدستور والانتخابات”، معلقة لحين تثبيت مناطق خفض التصعيد.
وبناء على ذلك رأى المحلل السياسي مشعل عدوي أن “دي مستورا تجاوز القانون الدولي وقرار مجلس الأمن 2245، بعد تجاوزه قضية المعتقلين وحصار المدن، وهيئة الحكم الانتقالي”، مضيفاً أنه ” بعد إتمام مهمته بالمماطلة والتسويف، وإعطاء وقت للحل العسكري الروسي، فهو من قدم عرض تهجير حلب، وحاول تكرار التجربة في إدلب، وبالتالي كانت مهمته المماطلة والتسويف وإعطاء الوقت لروسيا والنظام السوري لقضم المناطق السورية”.
ولعل تصريحات المبعوث الأممي، قبيل معركة إدلب التي تم تجبنها بناء على تفاهمات روسية تركية، التي تقول بإن “إدلب تحوي عدداً كبيراً من الإرهابيين تصل أعدادعم لـ 10 آلاف مقاتل”، وأنه مستعد للوقوف على المعابر الإنسانية التي ستتفتح لخروج سكان إدلب”، كانت بمثابة رغبة ديمستورا بعدم إزعاج الجانب الروسي، مع التراجع في دور الولايات المتحدة بخصوص الملف السوري، وفقاً لما رآه متابعون.

ديمستورا واللجان الدستورية
كانت فكرة اللجنة الدستورية أحد مخرجات مؤتمر “سوتشي” الذي دعت إليه روسيا مع بداية العام 2018، وقاطعته أطياف واسعة من المعارضة السورية، في حين لم تحضر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فيما حضرها ديمستورا، وحينها اتفق المشاركون في المؤتمر على إنشاء لجنة للإصلاح الدستوري، تضم وفداً من النظام ووفداً من المعارضة، ووفداً يتم اختياره من قبل ديمستورا، يمثل أطياف الشعب السورية، لتتم صياغة دستور من أجل إكمال التسوية السياسية التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

اللجنة الدستورية أتت بالتزامن مع تقلص المساحات التي تسيطر عليها المعارضة على الأرض، وتقلصت الطموحات السياسية حتى اختصرها دي مستورا بتشكيل لجنة تكتب دستوراً جديداً للبلاد، وقضى اقتراحه بأن تكون اللجنة مثالثة بين النظام والمعارضة والمستقلين، وفيما يُنتظر أن تلتئم اللجنة في نهاية الشهر الجاري أو قبل نهاية العام على أبعد تقدير، أعلن دي مستورا استقالته من منصبه، وسط خلافات تعصف باللجنة وتهدد بتعطيلها قبل تشكلها، وذلك بسبب الخلاف العميق حول الثلث الذي سيمثل “المستقلين” إذ يصر النظام وحليفه الروسي على أن يكون ذلك الثلث من المقربين منه، علماً أن الأمم المتحدة هي المخولة بتسمية أعضاء هذا الثلث.

ورأى المعارض السوري جورج صبرا أن “اللجنة الدستورية أرادت بها روسيا حرف العملية السياسية عن مسارها، والاستيلاء على العملية برمتها، وإخراجها من مرجعية الأمم المتحدة بدءاً من بيان جنيف الأول عام 2011، مروراً بقرار مجلس الأمن 2118 وحتى القرار 2254″، مضيفاً أن ” “الهدف الرئيس من هذه اللجنة هو محاولة الروس تأهيل نظام بشار الأسد”.
ولايزال هناك وجود خلاف داخل اللجنة بخصوص مهامها، هل هي إيجاد دستور جديد؟ أم تعديل دستور بشار الأسد عام 2012، ورغم ضبابية الموقف إلا أن ديمستورا الذي سيترك مهامه مع نهاية الشهر القادم قال “شهر واحد يمكن أن يكون قرناً في السياسة.. أنا متفائل دائماً”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.