ليبراسيون: عائلة فرنسية أخوة “في الدم والجهاد”

ليبراسيون: عائلة فرنسية أخوة “في الدم والجهاد”

نشرت صحيفة ليبراسيون يوم أمس تقريراً عن عائلة فرنسية مكوّنة من خمسة أخوة وأخت واحدة منغمسة بأكملها في الفكر الجهادي والأعمال الإرهابية. حيث يمثل اليوم ثلاثة من أفراد عائلة بيخالد أمام محكمة باريس الخاصة بمحاكمة الاحداث بتهمة التحضير لأعمال إرهابية في فرنسا. أما الثلاثة المتبقين من أفراد هذه العائلة، فإنهم لا يزالون يقاتلون إلى جانب تنظيم داعش وإن كان هناك احتمال كبير أن أحدهم قد لقى حتفه فعلاً هناك.

ويبين التقرير بأن هذه العائلة “الجهادية” تتألف من أخت كبرى وخمسة أخوة. حيث ترعرعت هذه العائلة جميعها في مدينة فول آن فيلان وهي أحد أكبر المدن في مدينة ليون تحت رعاية أبٍ صارم وأم “عديمة الشخصية”، على حد زعم ابنتهما. وقد كان الأبوان على استعداد لتغيير السكن وكذلك الحي عندما رأوا أولادهم يصاحبون رفقة السوء في ذلك الحي سيء الصيت حيث نشأ وترعرع خالد كلكال، المخطط الرئيسي لهجمات عام 1995. لكن ترك الحي والانتقال بعيداً لم يجد نفعاً! فلم ينجو ولا واحد من أولاد عائلة بيخالد من براثن الفكر الجهادي القاتل. وقد شارك الأولاد الستة في صناعة الخلايا الجهادية وإرسالها إلى سوريا والعراق، بينما شارك اثنان منهم في التخطيط لأعمال إرهابية على التراب الفرنسي. واعتباراً من يوم الاثنين الماضي وحتى نهاية شهر تشرين الثاني الحالي، سوف تنظر محكمة باريس الخاصة بمحاكمة الأحداث في مصير هؤلاء الأشقاء بالإضافة إلى تسعة شركاء آخرين من بينهم قاصر بتهمة الإرهاب.
لكن عائلة بيخالد لن تكون كاملة في قفص الاتهام. فلن يكون هناك سوى الشقيقين الصغيرين كريم ورضا إلى جانب أختهما الكبرى فريدة، الأخت الوحيدة و” الأم الثانية “. وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الثلاثة منذ أربع سنوات. فقد تم اعتقال الثلاثة في منتصف شهر أيلول من عام 2014. حيث اتهم كريم ورضا في التخطيط لهجوم إرهابي في فرنسا وذلك قبل الهجوم الذي نفذه الأخوان كواشي ضد صحيفة شارلي إبدو في عام 2015. بينما تم اتهام الشقيقة الكبرى فريدة بمساعدة أخويها وتمويل نشاطاتهم الإرهابية. أما الأشقاء الثلاثة الآخرين محمد ورفيق وفريد فقد ذهبوا إلى سوريا منذ العام 2013 للالتحاق بتنظيم داعش تلبية لـ “نداء الجهاد”. حيث أصبحوا قناصة ورجال شرطة في دولة “الخلافة”. وقد التقوا هناك بشخصيات جهادية فرنسية مشهورة مثل أحد الإرهابيين الذين نفذوا هجوم الباتكلان وكذلك مكسيم هوشارد.

وتحاول ليبراسيون في تقريرها المذكور تفسير هذا المسار المشترك بين الأشقاء الستة. فلعل محمد الشقيق الأكبر والذي كان أول من التحق بداعش قد أثّر على كامل أفراد الأسرة. أم لعلها بصيرة رضا العمياء. على كل حال فإن المسار الذي اختاره أولاد عائلة بيخالد قد دمر الأبوين والعائلة بأكملها. هذه العائلة المهاجرة والتي يتكلم فيها الوالدين الفرنسية بطلاقة، تحتفل بالعيد وبرمضان لكن بطريقة “معتدلة”، على حد وصف الأب الذي يصف عائلته بالعائلة الفرنسية التي تتحادث فيما بينها وتلعب الرياضة. أما اليوم فثلاثة من أفراد هذه العائلة في سوريا والثلاثة الباقون أمام المحكمة حيث من المتوقع أن يحكم عليهم بالسجن لمدة عشرين عاما. وقد حذّر الابن الأصغر كريم قاضي التحقيق قائلاً: “أنا لا أطيع سوى قوانين رب السموات والأرض. وأرفض أن تحكم علي فأنا لا أهتم بقوانينك”.

ويكمل التقرير في محاولة لتحليل شخصية كل من الأشقاء الستة:
– رضا “المهيمن”:
وهو أصغرهم سناً ويبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاماً. وقد تبنى منذ فترة طويلة الإيديولوجية الجهادية وتعتبره السلطات الفرنسية عضواً نشطاً في الجماعة المتطرفة “فرسان أليزا” حيث كان يلقب بـ كلاشنكوف ليون أو مجاهد ليون. وقد تم إلقاء القبض عليه في منتصف شهر أيلول من عام 2014 وفي حوزته مسدس بعد يومين من اعتقال كريم وفريدة. وقد كان قبلها تحت التنصت وقررت السلطات الفرنسية توقيفه بعد إحدى المحادثات التلفونية مع أخيه كريم وهو يقول فيها: “يجب أن نستعد ليوم السادس عشر وبعدها سنرى إن شاء الله”. وكذلك في إحدى محادثات الواتس آب مع فتاة شابة كانت تبحث أيضاً عن سلاح، يقول رضا بأنه سيفعل مثل “مراح”، قاتل الأطفال اليهود في مدينة تولوز، وأنه سيقضي على هؤلاء “الكلاب”.
ويبين التقرير بأن جهة الإدعاء على قناعة تامة بأن رضا هو المحور الأساسي لشبكة واسعة من المرشحين للجهاد بمن فيهم عدد من القاصرين. وقد استفاد رضا من وجود إخوان له في “أرض الجهاد” وكثّف اتصالاته معهم لترتيب وصول مرشحي الجهاد إلى هناك. وقد لعب رضا دور استخباراتي لصالح داعش في فرنسا حيث كان يقدم معلومات عن طريق إخوته في سوريا كلما أراد تنظيم داعش إجراء دراسة حول أحد الجهاديين الفرنسيين في صفوفه. وبالرغم من مكوثه خلف القضبان، فقد تمكن رضا من التواصل مع أشقائه في سوريا وإعطائهم ما يلزم من المشورة للجهاديين الجدد.

– كريم “العائد”:
وهو يشكل مع شقيقه رضا ثنائي حقيقي. لكنه على العكس من شقيقه الأصغر فقد تمكن كريم من الوصول إلى سوريا ما بين شهر أيلول وتشرين الثاني من عام 2013، والعودة إلى فرنسا ثانية. وقد اتبع هناك دورات كلاسيكية على استعمال السلاح. وينفي هذا الشاب البالغ من العمر ستة وعشرون عاماً بشكلٍ قاطع أن تكون عودته من سوريا مرتبطة بخوفه من الهجمات التي تشنها طائرات التحالف ضد تنظيم داعش. أما بالنسبة للسلطات القضائية الفرنسية، فإن عودته تتطابق تماماً مع استراتيجية داعش التي تقوم على إعادة الجهاديين الأجانب إلى بلادهم وجعلهم قنابل موقوتة تنفجر عند الحاجة. وبعد عودته بفترة وجيزة، طلب كريم أن يجدد بيعته وولاءه لتنظيم داعش.
ويشير التقرير إلى أن كريم متزوج “دينياً” من فتاة قاصر عمرها ثلاثة عشر عاماً. وبعد أن لاذ بالصمت حيال هذا الزواج، أقر كريم به أمام قاضي التحقيق قائلاً: “لست محرجاً من هذا الزواج وإن كان ممنوعاً في قوانينكم”. وكما هو الحال بالنسبة لشقيقه الأصغر رضا، فقد تمكن كريم من إرسال شخص اسمه حبيب إلى سوريا. وبحسب الزوجة السابقة لحبيب، فإن الأخوين كريم ورضا كانا يترددان على زوجها بشكل مستمر لإخباره “بأنه سيحترق في نار جهنم لأنه أدار ظهره للجهاد في سبيل الله وفي سبيل شعبه”.

– فريدة “الممولة”:
وهي الأخت الكبرى لأشقائها وتظهر كداعم بلا حدود ولا شروط لنشاطاتهم. حيث تقول في إحدى جلسات التحقيق: “أنا البنت الوحيدة. وإن كنت مدللة قليلاً، إلا أنني أم ثانية لأشقائي”. وقد اتهمت هذه المرأة البالغة من العمر ثمانية وثلاثين عاماً بأنها الممولة العائلية لنشاط إخوتها الإرهابي. وقد وجدت الشرطة عند مداهمة منزلها مبلغ سبعة عشر ألف يورو كاش من القطع الصغيرة. وقد اعترفت أثناء التحقيق بأنها قد أعطت الكثير لشقيقيها رضا وكريم وإن كانت لا تذكر المبلغ بدقة. وقد لاحظ الخبير النفسي أنه قد تم التحكم بفريدة من قبل إخوتها فهي في خدمتهم دوماً. وقد كررت أكثر من مرة بأن أشقائها مستعدون للموت شهداء في سبيل الله. كما أنها أكدت بأن الكثير من الجهاديين الفرنسيين في سوريا يعودون اليوم إلى فرنسا عن طريق أخويها محمد ورضا.

– محمد “المرشد”:
وهو الأكبر من بين أشقائه الذكور وقد كان أول من فتح الطريق أمام البقية. فمنذ عام 2013 اتخذ محمد البالغ من العمر ثلاثين عاماً سبيل الجهاد وذهب إلى سوريا. وبحسب والديه، فقد ذهب محمد منذ زمن إلى كل من سوريا ومصر لتعلم اللغة العربية، وذلك قبل أن يذهب مع زوجته وأولاده للجهاد في سوريا عن طريق الجزائر. وبعد وصوله، تحوّل محمد إلى قناص في الدولة الإسلامية. وفي إحدى محادثاته على السكايب مع أخوته الصغار، يروّج “أبو عبد الله” عن حرفيته وتمكنه من إصابة الهدف بدقة على بعد تسعمائة متر. وهناك تمكن من التعرف على أحد أعضاء الشبكة الجهادية في ستراسبورغ ويدعى فؤاد محمد أكّاد. وفي إحدى الصور يظهر محمد بيخالد وهو يتكئ على بندقيته الكلاشنكوف إلى جانب من أصبح فيما بعد أحد انتحاريي الباتكلان في باريس.

– رفيق وفريد “شرطة في الدولة الإسلامية”:
رفيق البالغ من العمر واحد وثلاثين عاماً التحق بسرعة بأخيه القناص. ووفق اعترافات شقيقتهم الكبرى فريدة: “عندنا لا يجب أن نترك أخ لنا وحيداً. أظن أن رفيق وفريد قد التحقا في أرض الجهاد دونما أدنى تفكير”. وبحسب والديهم فإن كل من رفيق وفريد قد أصبحا رجال شرطة لدى تنظيم داعش في مدينة الباب شمال شرق حلب. وقد أصبح رفيق مسؤولاً عن حراسة السجناء لدى تنظيم داعش. ويقول في إحدى محادثاته على السكايب بأنه قد قتل شخصاً آخر هذه المرة وأنه يتمنى أن يموت كشهيد. أما فريد الذي ترك زوجته وأولاده، فإنه يذهب إلى المدينة لاعتقال الناس الذين يخالفون أوامر الشريعة.

وتنهي ليبراسيون تقريرها بأنه وبحسب إحدى العائدات الفرنسيات من سوريا والتي رافقت الأخوة بيخالد، فإن كل من فريد ورفيق قد شاركا بقوة في معارك داعش وأن فريد قد أثخن بالجراح بعد إصابته في صيف عام 2014 في إحدى هجمات التنظيم على عدوّهم تنظيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا. وأنه من المحتمل أنه قد لقى حتفه بعد إصابته تلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.