كيف تؤثر العقوبات التي تستهدف إيران على حزب الله ولبنان؟

كيف تؤثر العقوبات التي تستهدف إيران على حزب الله ولبنان؟

رجا أمين – بيروت

 

بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الشهير مع #إيران في أيار الماضي، أتت العقوبات الأميركية التي وعد بها الرئيس #ترامب على حزمتين، الأولى في آب والثانية في تشرين الثاني 2018، لتضغط في سبيل إعادة إيران إلى زمن عقوبات ما قبل الاتفاق النووي، فإيران كانت قد فتحت أبوابها بعد رفع العقوبات عقب الاتفاق النووي لاستقبال شركات أوروبية وأميركية تعيد الانتعاش للاقتصاد الإيراني بعد سنوات عجاف أثرت تأثيراً سلبياً مزمناً على الأوضاع في إيران.

الحزمة الأولى شملت حظر تبادل الدولار والتعاملات المتعلقة بالمعادن الثمينة وعقوبات على قطاع السيارات والدول والمؤسسات التي تتعامل بالريال والسندات الإيرانية، أما الحزمة الثانية فركزت على عقوبات طالت الموانئ الإيرانية وقطاعي الطاقة والنفط الأساسيين في الاقتصاد الإيراني، وعقوبات أخرى على المصرف المركزي الإيراني.

تسببت العقوبات مباشرة بانسحاب شركات ضخمة ومهمة مثل سيمنس وتوتال وبوينغ وجنرال إلكتريك وبيجو من السوق الإيرانية، أما الريال الإيراني فتأثر فور إعلان عن العقوبات ففقد حوالي 70% من قيمته أما الدولار، ووصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 120 ألف ريال إيراني تقريباً، ما انعكس مباشرة على القدرة الشرائية للمواطن الإيراني، فكانت بعض المظاهرات الساخطة للتعبير عن سوء الحال الذي وصل إليه هذا المواطن بسبب سياسات نظامه.

الجديد هذه المرة أن العقوبات طالت ذراع إيران في المنطقة العربية أي حزب الله بشكل مباشر، فطالت العقوبات بالاسم حسن نصر الله ونائبه نعيم قاسم وقيادات أساسية في الحزب تزامنت مع عقوبات خليجية طالت الأسماء نفسها بالإضافة إلى شخصيات اقتصادية مقربة من الحزب ويعتقد أنها تشكل واجهات مالية له.

يعتقد أن الهدف من العقوبات هو الحد من قدرات الحزب على توفير التمويل وتجنيد العناصر، والحد من قدرات مؤسسات الحزب كبيت المال وجهاد البناء وأجهزته الإعلامية كتلفزيون المنار وإذاعة النور.

يعترف الكثيرون أن جزءاً أساسياً من هذه العقوبات كمثل تلك المطبقة على حسن نصر الله ونجله ونعيم قاسم، إنما هي عقوبات سياسية، فلا حسابات مصرفية معروفة باسم حسن نصر الله ولا العقوبات ستمنع من الحصول على شيء، ولكن الجانب الثاني من العقوبات قد يسهم فعلاً في التضييق المالي مع الحزب إذ ستتخوف أي جهة مصرفية أو اقتصادية من التعاون ولو غير المباشر مع الحزب ما قد يعرضها لعقوبات أميركية.

الملفت هنا أن هذه العقوبات أتت بعد الانتخابات النيابية اللبنانية وخلال فترة تشكيل الحكومة التي أصر حزب الله على أخذ وزارة الصحة فيها للمرة الأولى، وهو جديد لفت الكثيري داخل لبنان وخارجه، وفسر على أنه محاولة من الحزب لتوفير مساعدات لمناصريه وجرحاه وأسر شهدائه على حساب الدولة اللبنانية، فوزارة الصحة تتمتع برابع أكبر موازنة بين الوزارات اللبنانية تكاد تقارب نصف مليار دولار، ولا يأبه حزب الله بانكفاء الدعم والتمويل الغربي لوزارة الصحة في حال تسلمه لها (85 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي وحده)، الأمر الذي استسلم له بقية الأفرقاء السياسيين في لبنان.

هناك رواية في هذا السياق أن تولي الحزب وزارة الصحة يفتح الباب لتشريع دخول الأدوية الإيرانية إلى السوق اللبنانية، ما يدعم الاقتصاد الإيراني في وجه العقوبات، ويعزز شعبية الحزب داخلياً مع انخفاض أسعار الأدوية بعد استبدال الغربية منها بالإيرانية.

من جهة أخرى، للإيرانيين ولحزب الله خبرة طويلة في التعامل مع عقوبات قاسية وطويلة، وتجنب نتائجها المباشرة أو التحايل عليها، ويبدو أن الروس والصينيين، بالإضافة إلى الأوروبيين الخائفين على انهيار كامل للاتفاق النووي مع إيران سيلعبون دوراً إيجابياً لمصلحة المعاقبين، ولكن التعويل على أن العقوبات التي تطال الشعب بدل السلطات قد تؤدي إلى نقمة شعبية ظهرت بوادر لها في إيران تدفع السلطة إلى تغيير أو تنازل ما – ولو مستبعد- من أجل استيعاب النقمة الداخلية.

أما لبنانياً فالحكومة اللبنانية التي ما تزال قيد التشكيل، والأحزاب والتيارات السياسية، خاصة تلك المتحالفة مع حزب الله أو مؤيدة لها، ستواجه اختبارات ليست بالسهلة، فإما أن تلتزم الأجهزة الرسمية بالعقوبات الأميركية على إيران وحزب الله وإلا فالعقوبات ستطال الدولة اللبنانية نفسها، التي يعلم الجميع أنها تحت سيطرة حزب الله أصلاً، وهنا يبدو حزب الله مرناً في المناورة إذ امتنعت سلطات مطار بيروت عن تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود مؤخراً تطبيقاً للعقوبات، أو أن هناك حيلة ما لم تكتشف، فالمطار تحت سلطة الحزب كما هو معروف على صعيد واسع، ويمكن أن يكون هناك طريقة خفية لتزويد الطائرات الإيرانية بالوقود بطريقة تختال على العقوبات وتطبيقها، ما يجنب الدولة العقوبات المباشرة دون قطع الحبل الذي يربطها بالحزب وإيران من خلفه.

في الصورة الأكبر للوضع على ضوء العقوبات الأميركية، يبدو أن المثال الذي ادعت الجمهورية الإسلامية في إيران منذ الثورة تقديمه على أساس أنه نظام الحكم الإسلامي الصحيح والرشيد، الذي سيتعامل بطريقة ناجعة مع مشاكل عالم اليوم، قد أثبت فشلاً ذريعاً، فحتى مع كل المدخول الذي يوفره النفط الإيراني، على مدى سنوات طويلة شهدت استقراراً أمنياً جيداً في إيران، لم يتمكن النظام الإيراني من الانتقال من نظام اقتصادي ريعي إلى آخر تنموي متعدد الموارد يمكن له بسهولة مواجهة عقوبات كالتي يتعرض لها اليوم دون كبير تأثير، ولكن بقاء الاعتماد الأكبر على النفط دون تنمية قطاعات موازية أخرى يجعل استهداف إيران اقتصادياً أمراً أكثر سهولة، ويثبت فشل الحكم الإسلامي هناك في توفير بدائل ونظم حكم أدعى امتلاكها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة