أصل المشكلة في طهران لا في الضاحية .. ولاية الفقية ولبنان

أصل المشكلة في طهران لا في الضاحية .. ولاية الفقية ولبنان

رجا أمين

ينتظر المسلمون الشيعة حول العالم بحسب عقيدتهم عودة الإمام المهدي، آخر الأئمة، والذي تولى الإمامة من بعد أبيه الحسن العسكري، وهو كان قد غاب عن الشيعة المنتظرين عودته حتى اليوم. جراء هذه الغيبة التي أحدثت فراغًا في السلطة الدينية والسياسية، برز مصطلح “ولاية الفقيه” الذي يعني نيابة الفقيه المؤهل عن المهدي المنتظر إلى حين ظهوره، ولكن المصطلح في الأصل لا يحمل فقط المعنى الذي يحمله اليوم، فالولاية هنا تقسم إلى ولاية خاصة مقيدة وهي محل إجماع كبير شبه تام، وولاية عامة مطلقة هي التي تتبادر إلى الأذهان اليوم عند الكلام بولاية الفقيه، وهي ليست محل إجماع عند الشيعة.

الفرق بين الولايتين الخاصة والعامة هو ضيق أو اتساع سلطات الولي الفقيه، فتهتم الولاية الخاصة فقط بالأمور الحسبية أي بحسب الشيخ حسين المؤيد “الأمور التي لا يرضى الشارع بإهمالها بحال من الأحوال، ويجب القيام بها إذا لم تقم بها سلطة شرعية، فلا يرتبط وجوب القيام بها بوجود السلطة الشرعية وإمساكها بمقاليد الحكم، وإنما يجب القيام بها حتى في حال عدم وجود تلكم السلطة. وقد مثلوا لها بمثل نصب القّيم على اليتامى وعلى الأوقاف والولاية على البنت التي ليس لها ولي من أب أو جد”.

أما الولاية العامة المطلقة التي اشتهرت في العصر الحديث منذ الثورة الإسلامية في إيران وتوسعت مع الخميني، فتبدو للكثير من الشيعة أنفسهم مشروعاً سلطوياً يرتدي عباءة دينية، تمنح للخميني وخلفه الخامنئي سلطات مطلقة لا تنازع، لا دينية فقط بل سياسية وعسكرية. وعلى هذا الأساس يبدو أي كلام عن نظام ديموقراطي وانتخابات في إيران كلام لا وزن حقيقي له.

في الواقع تبدو الولاية العامة قد تطورت أصلاً عبر التاريخ لأسباب سياسية وسلطوية، لا دينية فقهية، فتأسيس الدولة الصفوية وتوسع انتشار الشيعية مع توسع الدولة قام حكام صفويون بإشراك بعض الفقهاء في الحكم فكان التطبيق العملي الأول للولاية العامة.

ورغم معارضة الكثير من الشيعة لهذه الولاية العامة، إلا أن جزء منهم يؤمن بها وجزء آخر افتتن بها واجتذبته، ففي أيام الولاية العامة للخميني، صار للشيعة كلمة، وثورة، ونفوذ، ودولة… وكان مصطلح تصدير الثورة الإيرانية والتي تضمنت تصدير مفهوم الولي الفقيه بالمعنى المتداول اليوم بين العامة أي بمعنى الولاية العامة المطلقة.

وقفت الكثير من المرجعيات الشيعية الإيرانية رغم تأييدها للثورة الإسلامية في إيران موقفاً سلبياً من ولاية الفقيه الخميني، أو وافقت عليها أولاً لتعارضها بعد أن لمست سوء تطبيقها، وكان مصير هذه المرجعيات التجاهل والإبعاد والقمع، أما خارج إيران فقد أخذت المراجع الشيعية في كربلاء والنجف من الخوئي للسيستاني والحكيم وفضل الله وغيرهم مواقف مضادة للولاية العامة. هذه المواقف قد تفسر المحاولات الإيرانية المستمرة منذ ما بعد الغزو الأميركي للعراق في السيطرة على المراقد المقدسة للشيعة في العراق وتطبيعها بطابعها الفقهي.

أما في الواقع اللبناني، لا يخبئ حزب الله نفسه، لا يناور ولا يكذب عند توجيه السؤال صراحة إليه، وهو منذ انطلاقته، قال في بيانه التأسيسي: “إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم. نلتزم أوامر قيادةٍ واحدةٍ حكيمةٍ عادلة تتمثّل بالوليّ الفقيه الجامع للشرائط. كلّ واحدٍ منها يتولّى مهمّته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعيّ في إطار العمل بولاية الفقيه القائد”. أي أنهم بصريح العبارة، حزب شيعي إيراني في شكل حزب لبناني، جسم سياسي وعسكري يتمركز في لبنان وينشط إقليمياً ودولياً، تحت أمرة غير لبنانية تتمثل في إرادة الخميني فالخامنئي.

من هنا يمكن فهم تصريحات الحزب وأمينه العام وتعقيداتها الداخلية والخارجية، ففي آذار 2018 أوردت مواقع إيراني نقلاً عن حسن نصر الله خلال لقائه مع الجالية الإيرانية في لبنان قوله إن “مكانة ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني، وأن تنفيذ أوامره واجب إجباري” معتبراً أن حزبه هو أهم تجارب ولاية الفقيه خارج إيران. التصريح أثار ضجة كبيرة في الداخل اللبناني، رغم أنه لا يجب أن يكون مفاجئاً، ولكن من المفهوم أن تثار هذه الضجة لاستهداف الحزب وتعريته داخلياً من قبل خصومه، فكان أن سحب الموقع الإيراني الخبر وألقى بالملامة على مراسله، ونفى حزب الله أن حسن نصر الله قال أمراً مماثلاً في لقاء الجالية الإيرانية، وإن كان لم يوضح في معرض نفيه موقفه من مكانة ولاية الفقيه بالنسبة إلى الدستور اللبناني.

يمكن فهم هذا النفي لأسباب تتعلق بالمناورة والتكتيك في الساحة السياسية الداخلية اللبنانية، ولكن تأكيد صحة التصريح، أو اعتقاد نصر الله بمضمونه هو لزوم ما لا يلزم، فقد سبق له الاعتبار أن “الذي يردّ على الولي الفقيه حكمه فإنه يردّ على الله وعلى أهل البيت”، منزلاً على نحو عملي الخميني فالخامنئي منزلة الله.

قد يقول قائل: “أين المشكلة؟” فأغلب الأحزاب والجماعات السياسية والطوائف في لبنان تتلقى دعماً من خارج لبنان، وتتعرض لضغوط وتوجيهات غير لبنانية، منهم سوري الهوى والآخر سعودي أو قطري أو أميركي أو فرنسي، فما المانع والحالة هذه أن يتلقى الشيعة دعماً وتوجيهات من إيران؟

الفرق في حالة الشيعة اللبنانيين وولاية الفقيه أن المشروع الذي يتبنونه سراً أو علناً هو ليس مشروعاً سياسياً بقدر ما هو ديني، وهو بهذا المعنى يبدو إقصائياً بحق المكونات الأخرى في لبنان، والأهم والأخطر أن التدخلات الأخرى في لبنان عبر الأحزاب والطوائف، على علاتها وكونها غير مقبولة، تبقى إما سياسية أو متلبسة بلباس المشاعر الدينية لا أكثر، ولكنها لا تضع مصدر تلك الأوامر محل الله وتقول إن رفض طاعته هو رفض لإرادة الله كما هو حال حزب الله مع ولاية الفقيه.

على هذه الأساس، أي تعامل مع الإشكالات التي يفرضها وجود حزب الله في لبنان وطروحاته السياسية هو تعامل مؤقت ولو نجح، فأصل المشكلة في طهران لا في الضاحية.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.