من سيخلف نبيه بري في حركة أمل ومجلس النواب؟

من سيخلف نبيه بري في حركة أمل ومجلس النواب؟

رجا أمين

 

من المألوف أن يتندر اللبنانيون على مختلف توجهاتهم السياسية بطول فترة تولي نبيه بري رئاسة المجلس النيابي، إذا يمسك الأخير بمطرقة رئاسة المجلس منذ سنة 1992، أي منذ 26 سنة، وما زال أمامه 4 سنوات على الأقل حتى الانتخابات النيابية القادمة التي قد تفرز تغييراً في الرئاسة اللبنانية الثانية.

ولد بري في سيراليون سنة 1938 (80 عاماً) لعائلة لبنانية شيعية، ونشأ وترعرع في لبنان حيث تلقى علومه المدرسية ثم تخصص في الحقوق وأتم دراساته العليا في السوربون. ومارس المحاماة في لبنان، ونشط في حزب البعث خلال فترة الستينات قبل أن يتعرف على الإمام موسى الصدر ليصير مقرباً منه، ولاحقاً بعد اختطاف نظام القذافي للصدر تولى بري رئاسة حركة أمل سنة 1980 من بعد حسين الحسيني، وتعمق انخراطه في الحياة السياسية اللبنانية كما في معارك الحرب الأهلية الدائرة، وتولى وزارات مختلفة كالعدل والإسكان منذ عام 1984 إلى حين توليه رئاسة مجلس النواب.

الفساد المالي لنبيه بري وعائلته المكونة من زوجتين سابقة وحالية و3 أبناء و7 بنات أمر معروف على نطاق واسع في لبنان، مثله مثل سوء سمعة حركة أمل التي يرأسها و”التشبيح” الذي يمارسه أفرادها الذين يعرفون بأنهم غير منضبطين، لكن في المقابل يوصف بري بالدهاء والحكمة والاتزان، وبنسجه علاقات ممتازة مع عدة أطراف بعضها متناقض أحياناً.

ولكن اليوم، بعد دخول بري عقده التاسع، بدأ الهمس يرتفع عن من يقوم بخلافته، سواء في حركة أمل أو في المجلس النيابي، إذ لا يعرف في عائلة نبيه بري من جرى تحضيره جدياً للخلافة، فالأمر المألوف في البيوت السياسية اللبنانية كآل الجميل وفرنجية وجنبلاط، لم ينطبق على أولاد نبيه بري. ورغم تداول معلومات وأحاديث عن صراع خفي بين أبناء بري من زوجته الأولى متمثلين بكبيرهم عبد الله من جهة، وزوجة بري الحالية السيدة القوية رندة التي تدفع نجلها باسل للالتصاق بأبيه لخلافته من جهة ثانية، إلا أن الواقع يبدو بعيداً عن عملية وراثة عائلية للإرث السياسي الذي كوَّنه الأب عبر قرابة نصف قرن.

منذ بضعة سنوات ارتفع اسم اللواء عباس ابراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني ليصبح واحد من أقوى الشخصيات الشيعية على الساحة اللبنانية، وربما الأقوى من بعد حسن نصر الله ونبيه بري، وقيل أنه مرشح جدي لخلافة بري رغم أنه لم ينخرط في العمل السياسي بل بقي على الدوام شخصية عسكرية فأمنية استخباراتية، رغم بعض الجوانب السياسية لعمل الأمن العام.

ابراهيم الذي نسج علاقات إقليمية ودولية واسعة صار شخصية أمنية مهمة ورقماً صعباً، ووسيطاً لا غنى عنه ساهم بشكل رئيسي في التفاوض مع جبهة النصرة والإفراج عن الراهبات اللواتي جرى اختطافهن في سوريا، ووردت معلومات عن مساهمته في تسهيل وتنسيق رحلة علي مملوك منذ أشهر لإيطاليا في زيارة أمنية هي الأولى من نوعها منذ سنوات لمسؤول أمني سوري، وأيضاً لعبه دور مبعوث الرئيس اللبناني إلى النظام السوري للتنسيق في القضايا الأمنية وعودة اللاجئين السوريين.

ولكن قوة معلومات ترشيح ابراهيم ابن الـ 60 عاماً لخلافة بري قبل سنوات، عادت فضعفت مع تنامي دور ابراهيم الأمني، إذ وجد المعنيون أن بقاءه في دوره الأمني أهم وأشد ضرورة من موضوع خلافة نبيه بري.

مع تراجع اسم ابراهيم في سياق خلافة بري، التفت الأنظار إلى دعم حزب الله شخصية استفزازية وجدلية لتوصلها إلى المجلس النيابية وتمنحها الحصانة، أي اللواء جميل السيد، المدير العام الأسبق للأمن العام، والذي عرف بدهائه واطلاعه على كم كبير من المعلومات الحساسة، كما على طلاقة لسانه وكثرة ظهوره الإعلامي بعكس ابراهيم، وهو كان قد اتهم بالتورط في اغتيال رفيق الحريري سنة 2005 وسجن رهن التحقيق لسنوات على هذا الأساس.

وصل إذن جميل السيد من العمل العسكري والأمني إلى السياسة في مجلس النواب، وهو لا ينتمي رسمياً لا إلى حركة أمل ولا إلى حزب الله، ولكن يبدو أن دعمه وانتخابه أمر يتوقف عنده المراقبون ويربطونه بخلافة بري. ولكن ولو صح ذكاء السيد ودهائه وقدرته على الإدارة والقيادة، فإن تقدمه في العمر 68 سنة، وقدرته العالية على الاستفزاز والتحدي قد لا تجعل منه الشخص المناسب لهذا المنصب، أضف إلى ذلك كم العداوات الكبير الذي يمتلكه والذي يدفع كثيرين إلى التحرك ضد وصوله إلى رئاسة المجلس النيابي.

تبقى حركة أمل نفسها، فهي سبق وأن أبرزت شخصيات سياسية مثل محمد عبد الحميد بيضون الذي انخرط في الحياة السياسية الداخلية في الحركة، واستلم فيها عدة مناصب ثم نجح نسبياً كنائب فوزير، ولكنه أبعد بعد صراع داخلي رشح إلى العلن إذ رأى فيه نبيه بري تهديداً لسلطته وقطباً منافساً له على ما يرى بعض من عاصروا تلك الفترة، وعليه صار بيضون في صف الشيعة المناوئين للثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل.

ولكن اليوم هناك وزير المال علي حسن خليل، فهو منتمي إلى حركة أمل منذ زمن طويل، ومقرب من بري، وذو عمرمناسب (55 سنة)، ونائب منذ سنة 1996، ووزيرمنذ سنة 2003… هو في الحقيقة مرشح قوي للخلافة إن ارتأى نبيه بري ذلك وسعى إليه قبيل مغادرته مجلس النواب.

إنما يبقى كل ما سبق في مجال التكهنات والتقديرات، إذا يمكن لحزب الله، أن يبتلع قسماً كبيراً من حركة أمل مع غياب رئيسها وعمودها الفقري نبيه بري عن المشهد، وأن يوصل من يريد من مواليه إلى سدة رئاسة المجلس، فنتائج الانتخابات النيابية على الساحة الشيعية توحي بقدرته على ذلك، وتاريخ الصراع الدموي بين الطرفين الشيعيين لم تمح من الذاكرة بعد، ورغبة حزب الله في التعامل مع الآخرين كمنتصر كامل تتعاظم يوماً بعد يوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.