جيروزالم بوست: ترتيبات جديدة تظهر جنوبي سوريا بعد استعادة الأسد سيطرته على المنطقة

جيروزالم بوست: ترتيبات جديدة تظهر جنوبي سوريا بعد استعادة الأسد سيطرته على المنطقة

نشرت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية تقريراً تشير فيه إلى أدلة خرجت من جنوبي غربي سوريا تفيد بأن نظام الأسد بدأ في تسوية حساباته مع مقاتلي المعارضة السابقين الذين كانوا مدعومين من الدول الغربية وإسرائيل خلال السنوات التي كانت المنطقة فيها غير خاضعة لسيطرته. حيث اختفى مؤخراً عدد من قياديي المعارضة السابقين البارزين في محافظتي القنيطرة ودرعا بعد أن ألقت قوات النظام القبض عليهم. كما تم منع آخرين من مغادرة المنطقة باتجاه محافظة إدلب شمالي شرقي البلاد والتي تسيطر عليها قوات المعارضة. كذلك تستمر تدابير النظام ضد من ترى أنهم غير صالحين لـ “المصالحة” بالتوازي مع توحيد الصف ودمج مقاتلي المعارضة في الهياكل الأمنية للنظام.

ويبين التقرير أنه وبالنسبة للجنوب السوري، فإن لإيران وحلفائها دورٌ مركزي في بناء السلطة. حيث من الصعب التمييز أين بالضبط تنتهي سلطة الدولة السورية وتبدأ سلطة إيران وحلفائها. فجنوبي غربي سوريا الذي كان مهداً للثورة ضد نظام الأسد، يتحول الآن إلى محور سوريا ما بعد الثورة حيث تشكل إيران وحلفائها مكوناً أساسياً لا يتجزأ في هذه المنطقة. فمحافظتي القنيطرة ودرعا هما من أولى المناطق التي تحررت من سيطرة النظام مع انطلاق الاحتجاجات في درعا منتصف آذار 2011، ومع حلول نهاية العام كان نظام الأسد قد فقد السيطرة على الجزء الأكبر من كلتيهما. وخلافاً لما حصل في شمال سوريا، لم تتورط المعارضة المسلحة بالانحياز إلى تيارات الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين أو السلفيين، إنما انحازت إلى تشكيلات أخرى أقل إيديولوجية.
وبحسب التقرير، فقد ازدهرت المنطقة ما بعد النظام وبدأت المنظمات الدولية الغير حكومية بتنفيذ مشاريع، كما شاركت الحكومات الأجنبية أيضاً بدعم المنطقة. فقامت إسرائيل، التي تسعى جاهدة لمنع وصول إيران والميليشيات التابعة لها إلى حدودها مع مرتفعات الجولان، بتطوير علاقاتها مع عدد من جماعات الثوار المحليين غير الجهاديين وساعدتهم في السيطرة على المنطقة الحدودية. كما قدمت الحكومات الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، الدعم للمعارضة السورية في درعا من خلال مشاريع مثل قوات “الشرطة السورية الحرة”.

وسعى الغرب بالمساعدة في تطوير بنى المجتمع المدني البدائية لتحل محل نظام الأسد. لينتهي كل ذلك فجأة في نهاية صيف 2018، حيث حوّل نظام الأسد اهتمامه نحو الجنوب الغربي بعد أن أنهى التمرد في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق. فبدأ هجوماً برياً وجوياً هائلاً لينهار مقاتلو المعارضة بسرعة غير متوقعة. وبحلول شهر أيلول كان الأمر قد انتهى.
وبمجرد استيلاء النظام على مناطق إستراتيجية رئيسية اضطرت المعارضة المسلحة للاختيار بين موقف دموي آخر أو التفاوض من أجل التسليم تحت مسمى “المصالحة”، فاختاروا الأخير. ثم اختار الآلاف منهم ركوب الحافلات المتجهة إلى إدلب الخاضعة لسيطرة الثوار في الشمال الغربي من البلاد، ومنُح من يرغب منهم بالبقاء مهلة مدتها ستة أشهر لزيارة مراكز تابعة للحكومة السورية من أجل “تسوية أوضاعهم” مع السلطات. حيث يؤكد الاتفاق الضمني لتسوية الأوضاع أنه إذا ما فعلوا ذلك, فلن يواجهوا أي عقوبات أخرى. إلا أن هذه الفرضية تبدو في غير محلها. فبحسب السكان المحليين الذين قابلهم موقع Syria Directهناك موجة من الاعتقالات والاختفاء لقادة المعارضة السابقين ولناشطين في المعارضة تتم الآن.

ويبين التقرير أن جثّة غانم الجاموس، الرئيس السابق للشرطة السورية الحرة في بلدة داعل، عثر عليها في السابع من شهر تشرين الثاني الماضي على جانب أحد الطرقات في مشارف المدينة. وأن ضباط المخابرات الجوية التابعة لنظام الأسد منعوا المارّة من الاقتراب منها. حيث كان جاموس من بين الـ 23 من القادة السابقين ونشطاء المعارضة الذين اعتقلوا أو اختفوا من قبل أجهزة النظام خلال الأسابيع الأخيرة، من بينهم أشخاص كانوا على علاقة مباشرة مع إسرائيل. فمنذ 7 أيلول الماضي ليست هناك أية معلومات عن أيهم الجهماني، القائد السابق لجماعة أحرار نوى في بلدة نوى في محافظة القنيطرة، والذي اعتقلته قوات النظام. فأحرار نوى كانت تربطهم علاقات وثيقة مع إسرائيل، قيد تلقى الجهماني العلاج لبعض الوقت في مستشفى في إسرائيل خلال “الحرب الأهلية”. كما تم احتجاز عدد من الشباب ممن تربطهم علاقات أقل بالمعارضة. وبينما تنقض أجهزة الأمن التابعة للنظام على القادة السابقين للنظام الهش الذي ظهر في الفترة ما بين 2011 و2018, أخذ النظام الجديد يظهر في جنوبي غربي سوريا، فـبات فيلق الحرس الثوري الإسلامي والميليشيات التابعة له، بما فيها حزب الله اللبناني والجماعات العراقية مثل عصائب أهل الحق، جزء لا يتجزء من النظام الجديد.

وفي تقرير حديث لموقع Syrian Observer، قدّم الموقع تفاصيل عن قاعدة إيرانية ضخمة قيد الإنشاء في منطقة اللجاة في محافظة درعا. وبحسب التقرير، فإن عصائب أهل الحق وحزب الله, اللذان يعملان بالنيابة عن إيران، دمّروا حوالي 650 منزلاً هناك، كما قاموا بمسح عدد من القرى في اللجاة. وذلك من أجل خلق مساحة 30 كيلومتراً مربعاً لتعد الميليشيات المدعومة من إيران ثكنات تدريب ومستودعات للأسلحة والذخائر وتجعلها قاعدة عسكرية لها. وقد وصلت الدفعة الأولى من الأسلحة والذخيرة إلى الميليشيات الشيعية في المنطقة في بداية شهر تشرين الأول مروراً من البوكمال وصلاً إلى منطقة اللجاة. وأن المقاتلون المرتبطون بإيران والمتواجدون في المنطقة عبروا كذلك من معبر البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق بإشراف قوات الحرس الثوري الإيراني.
وتختم صحيفة جيروزالم بوست تقريرها بالتأكيد على ظهور أدلة تفيد بوجود أعضاء من حزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران يرتدون زي جيش النظام السوري ضمن صفوف هذا الأخير في منطقة الحدود في مرتفعات الجولان. كل ذلك بالرغم من الالتزام الروسي بالحفاظ على هؤلاء لعناصر على بعد 85 كم على أقل تقدير بعيداً عن الحدود.

ويتزامن النشاط الإيراني بالقرب من الحدود الإسرائيلية مع نشاطها في أماكن أبعد, بما فيها نقل الشيعة من جنوب العراق إلى الأحياء السنية المهجورة. كل ذلك يضيف نظام طوارئ جديد في مرحلة ما بعد الحرب في الجزء الذي يسيطر عليه النظام في سورية, أما من يأمل بسوريا الجديدة الموحدة يتم اعتقالهم وإخفائهم. وفي هذا الوقت فإن إيران مشغولة بإنشاء ترتيبات جديدة للنظام الجديد، حيث يتشابك فيه الوجود الإيراني المستقل مع جسد الدولة السورية نفسها، ولا يمكن تمييزه عنها. ولكن في الوقت نفسه فإنه لا يتشابه مع الحالة في لبنان والعراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.