“مخدرات” الأطفال.. هروب من الواقع بـ300 ليرة ولا نص قانوني يمنعها!

“مخدرات” الأطفال.. هروب من الواقع بـ300 ليرة ولا نص قانوني يمنعها!

حسام صالح

يطلق “محمد” ذو الـ9 أعوام لمخيلته العنان رحلة لا تتجاوز الـ45 دقيقة، محاولاً فيها تناسي مأساته، بعد أن فقد عائلته في القصف الأخير للنظام على مخيم اليرموك قبيل فرض سيطرته عليه، بمعدات بدائية يظهر الطفل في مقطع فيديو لا تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل في يده كيساً بلاستيكياً بداخله مادة لاصقة “الشعلة” لينفخ بداخله ومن ثم يعاود استنشاقه، في عملية أشبه بـ”التنفس الصناعي”،ليقوم بعدها بتكرار العملية، مستفيداً من رخص الأدوات المستعملة وعدم وجود الرقيب.

حال “محمد” لايختلف عن مئات الأطفال المشردين الذين باتوا يتخذون من الحدائق العامة والأسواق التجارية مكاناً لاستنشاق تلك المواد، بل أصبح هناك أطفال يقومون بالمتاجرة بها وبيعها فيما بينهم، في المناطق التي يدّعى النظام أنه أعاد “الأمان” إليها.

هروب من الواقع بـ300 ليرة

يلجأ الأطفال عادة لاستخدام تلك المواد “للحصول على النشوة” لسببين أساسيين،الأول يتعلق بسهولة الحصول عليها، إذ تباع في المحلات العادية، والسبب الثاني يتعلق برخص ثمنها مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى “الحشيش، الماريجوانا”، فيتراوح سعر علبة الشعلة 130 غراماً بين 300 و350 ليرة سورية، فيما يصل “إصبع” اللاصق بين 100 و150 ليرة، فيؤكد”أحمد” أحد سكان العاصمة دمشق، أن “بعض الأكشاك باتت تبيع هذه المواد للأطفال، ومثال على ذلك الكشك المتواجد بالقرب من جامعة دمشق في منطقة البرامكة، الذي يملكه أحد الشبيحة التابعين للنظام”، مضيفاً أنه “تعلم استخدام الأطفال لها ويقوم باستغلالها وبيعها بسعر أعلى”.

أحمد أضاف أن “لا توجد رقابة قانونية على بيع هذه المواد وخصوصاً للأطفال، والدليل على ذلك اجتماع الأطفال في كل ركن من الحدائق العامة والساحات لاستنشاقهم المادة أمام المارة والشرطة دون اتخاذ التدابير اللازمة”، لافتاً إلى أنه “في أحد المرات قمت بإخبار أحد عناصر الشرطة بالقرب من حديقة تشرين بوجود أطفال يستنشقون الشعلة، فكان جوابه بعدم وجود نص صريح يجرم بيعها أو استنشاقها، وأن الأطفال في حال توقيفهم سيتم إطلاق سراحهم بعد تحويلهم للقضاء”.

إدمان نفسي!

في بحثنا عن ظاهرة “شم” المواد اللاصقة بين الأطفال، تبين أن هذه الظاهرة ليست بالجديدة، وإنما انتشارها كان على نطاق ضيق قبيل اندلاع الحرب، وكان يتم تعاطيها بعيداً عن الأعين، لكن اليوم بات تعاطيها علانية و لشريحة أوسع من الأطفال، حيث يقول الطبيب “محمد البرقاوي” لموقع الحل إن: “شم الشعلة وغيرها من المواد اللاصقة، يدخل في فئة إدمان المواد الطيارة الكيميائية أو (المذيبات)، فلا يقتصر الأمر على مادة الشعلة فقط، بل يتعداها إلى إدمان شم البنزين، والأسيتون، وحرق أعواد الكبريت، وغيرها من المواد الأخرى”.

وأضاف البرقاوي أن “تأثير استنشاق هذه المواد يصل إلى ساعة واحدة على أبعد تقدير،وهي عملية بذاتها تدفع الطفل لتكرار العملية بعد زوال مفعولها بعد شعوره بالنشوة”، مشيراً إلى أن “إدمان هذه المادة يعتبر نفسياً أكثر منهكيمائياً، فبعد سؤالي العديد من أطفال الشوارع عن سبب تعاطيهم المادة، كان أجوبتها أنها تسبب تخدير كامل للجسم، وتعطي قوة تحمل للبرد والحر على حد سواء”.

وفيمايخص تأثيراتها السلبية، أكد الطبيب أن “مع مرور الوقت يؤدي استنشاق هذه المواد الكيماوية لتلف خلايا المخ، والجلطات الدماغية جراء نقص نقص الأوكسجين على حساب ثاني أكسيد الكربون، إضافة لتخريب الجهاز التنفسي وتخرشه”.

ردود خجولة

لم تعد ظاهرة شم المواد اللاصقة بين الأطفال مخفية على أحد، في بحثنا عن رأي الوزارات المختصة وطريقة الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها، كان رد وزارة الداخلية قبل حوالي الشهر إن “الموضوع لا يعد ظاهرة أساساً، ولانستطيع جمع الأطفال ولا محاسبة وإغلاق المحال والأكشاك التي تبيعها، لأن بيعها مشروع بشكل قانوني”.

في ذات السياق، ترى مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعي والعمل “ميساء ميداني” أن”شم الشعلة خطير على الدماغ، وأنه يتم معالجة الكثير من الأطفال المدمنين عليها”، مضيفة أن ” الضابطة العدلية التابعة للوزارة تقوم بإدخال الأطفال إلى دور الرعاية بضبط من الشرطة”.

تصريح ميداني الذي ناقض رد وزارة الداخلية على الموضوع، بحكم أن لا نص قانوني يسمح بالقبض على هؤلاء الأطفال، ووضعهم في مراكز التأهيل المختصة، لم يترجم حتى على أرض الواقع، فلا تزال هذه الظاهرة منتشرة وبشكل أكبر في شوارع العاصمة دمشق، وباتت وسيلة من قبل عدد من أصحاب المحلات والأكشاك، لاستغلال الأطفال وبيعها لهم بسعر أعلى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.