رجا أمين

ها قد شارفت الحكومة اللبنانية على إبصار النور بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الانتخابات النيابية، وتجاوز عملية التأليف العديد من العقبات كالتمثيل المسيحي والدرزي حتى اصطدامها بعقدة تمثيل “السنة المستقلين” أي السنة الموالين لمحور الممانعة والمحسوبين سابقاً على تيار 8 آذار.

عقدة السنة المستقلين كانت العقدة الأهم رغم تأخر ظهورها، ولكن ما جعلها العقدة الأبرز هو تبني #حزب_الله على لسان أمينه العام لها، مهدداً بالانتظار حتى قيام الساعة في سبيل توزير واحد من هؤلاء السنة.

رفض سعد الحريري المكلف بتشكيل الحكومة توزير أحد النواب السنة الستة المستقلين، بل هو رفض حتى اللقاء بهم، ومن جهته أوحى رئيس الجمهورية ميشال عون في مقابلة تلفزيونية بتأييده موقف الحريري على أساس أن هؤلاء النواب لم يشاركوا في الاستشارات النيابية ككتلة واحدة ليأتوا اليوم ويطالبوا بوزارة على أساس كتلة. وفي وجه تصلب الحريري تم تداول اقتراح أن يسمى أحد السنة المستقلين وزيراً من حصة رئيس الجمهورية، ولكن هذا الاقتراح رفض من قبل الرئيس، وبدأ وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مبادرة لحل المشكلة التي تعترض تشكيل الحكومة فاقترح توسيعها لتضم 32 أو 36 وزير بدل 30 دون نجاح يذكر.

الحريري الذي رضي بالضغوط المطبقة على حلفائه الدروز والمسيحيين قبل أسابيع في موضوع تشكيل الحكومة، لم يتزحزح عن رفضه التخلي عن وزير سني من حصته وعن توزير واحد من النواب الستة، وهنا كانت حركة ملفتة واستثنائية من مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم الذي تولى التفاوض مع الأطراف المعنية والتوصل لإتفاق مفاده أن يسمي كل واحد من النواب السنة الستة وزيراً دون أن يكون من هؤلاء النواب، على أن يتم اختيار واحد ممن رشحهم النواب ليكون وزيراً من حصة رئيس الجمهورية الذي عاد وتراجع عن رفضه هذا الحل.

على هذا الأساس تبدو الحكومة قاب قوسين أو أدنى من التشكيل، ولكن، ما الذي دفع حزب الله للإصرار على توزير السنة المستقلين، ومالذي استجد حتى تراجع رئيس الجمهورية عن رفضه فتخلى عملياً عن وزير سني من حصته؟

القراءة الأولية لمطلب السنة المستقلين ودعم حزب الله لهذا المطلب تفيد أنه مطلب موجه ضد الحريري وتهديد شبه احتكاره للتمثيل السني في الحكومة، ولكن بمرور الوقت ظهرت إلى السطح قراءة أخرى تبدو أكثر منطقية في السياق العام، تقول إن الهدف ليس الحريري بل ميشال عون والتيار الوطني الحر، أي حليف حزب الله! فلو تشكلت الحكومة من دون السنة المستقلين لحاز فريق الجمهورية ما يسمى بالثلث المعطل في مجلس الوزراء ما بين وزراء التيار الوطني الحر ووزراء رئيس الجمهورية، فوجود 11 وزيراً في طرف واحد، يمكّن هذا الطرف من إسقاط كامل الحكومة باستقالة أكثر من ثلث وزرائها، وهذا ما فعله العونيون وحلفاؤهم بسعد الحريري قبل سنوات، إذ أسقطوا حكومته بالاستقالة منها وهو في زيارة للبيت الأبيض.

هي ضربة معلم من حزب الله بحسب ما يرى المتابعون، فإصراره الذي لا تراجع عنه كان واضحاً للجميع بشأن توزير السنة المستقلين، والحل كان إما تنازل الحريري أو عون، فإن تنازل الحريري ربح حزب الله إضعاف الحريري في ساحته السنية أكثر وأكثر، وإن تنازل عون يكون الحزب قد نزع سلاح التعطيل من حليفه الذي قد يفكر بالتغريد منفرداً بعيد عن حزب الله، وفي الحالتين يكون الحزب قد كسب تمثيلاً سنياً وإن غير مباشر يدعم مقولته في البعد الوطني اللاطائفي للحزب والمقاومة.

لتتضح الصورة أكثر يبدو حزب الله قد اخترق كل الأوساط السياسية الطائفية الأخرى في لبنان، فمسيحياً هو على تحالف وثيق منذ سنة 2006 مع التيار الوطني الحر، وهو التيار السياسي الأكبر بين المسيحيين رغم تراجعه في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو، أي الحزب، من أوصل ميشال عون إلى الرئاسة.

أما في الساحة الدرزية، فالوزير الدرزي غير الجنبلاطي هو من حصة رئيس الجمهورية، ولكن يجب أن يكون ممن يرضى عنهم طلال أرسلان المنافس التاريخي للزعامة الجنبلاطية في الوسط الدرزي، وأرسلان بدوره مقرب من النظام السوري وحزب الله.

يأتي هذا مع افتعال الوزير الدرزي السابق وئام وهاب مشكلة اتخذت أبعاد أمنية، وبدا أنها مغطاة من قبل حزب الله لتعزيز دور وهاب المشابه لدور أرسلان وإن افتقد إلى اسم العائلة والتاريخ السياسي، فوهاب كأرسلان معارض للزعامة الجنبلاطية ومقرب من النظام السوري. وفي المحصلة، بين الوزير الدرزي المرضي عنه أرسلانياً وتجاوزات وئام وهاب ومواكب مناصريه المسلحة يكون جنبلاط قد استشعر الاختراق في عقر داره في الشوف.

أما الجانب السني فقد تُرك للحظة الأخيرة، وأما قد تحقق بمساعي عباس إبراهيم الشيعي المقرب من حزب الله، فقد نجح الحزب باختراق الساحة السنية بوزير وليس فقط بنواب، وسحب الثلث المعطل من فريق رئيس الجمهورية وصهره المشاكس والطموح رئيس التيارس الوطني الحر.

يبقى السؤال في بلد يعاني مشاكل اقتصادية ومالية شديدة التفاقم، وبعد استهلاك كل هذا الوقت لتشكيل حكومة تضم الوجوه ذاتها التي عرفت بالتقصير والفساد، أي أداء حكومي متوقع من حكومة هذه؟ وهل يصح القول “تمخض الجبل فولد فأراً”؟

مهما يكن من أمر أداء الحكومة، يقف حزب الله مسروراً بما خطط له ونفذه ووصل إليه، حكومة يرأسها الحريري قد تغطيه بعض الشيء خارجياً، وكتل طائفية اخترق جميعها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.