هل يمكن لقيادة العراق الجديدة أن تظفر بالسلام وتحافظ عليه؟

هل يمكن لقيادة العراق الجديدة أن تظفر بالسلام وتحافظ عليه؟

نشرت مدوّنة لوفار الأمريكية مقالاً تتحدث فيه عن الصراعات العراقية الطائفية وفشل القادة السياسيين في الحفاظ على السلام في البلاد، مشيرة إلى الآمال الكبيرة المبنية على كل من الرئيس #برهم_صالح ورئيس الوزراء عادل #عبد_المهدي في حكومتهما الجديدة لرسم خطة مستقبلية للعراق يتبعها القادة السياسيون من بعدهم.

فبعد ستة أشهر من إجراء الانتخابات إثر فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية، أصبح لدى العراق اليوم حكومة جديدة. ومع القيادة الجديدة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي (الشيعي) والرئيس برهم صالح (الكردي)، واللذان يُمتدحان على نطاق واسع بأنهما إصلاحيان وتقدميان وميالان للغرب، فإن الآمال كبيرة بتحوّل البلاد نحو منعطف جديد بعد ثلاث سنوات شاقّة ودامية في مكافحة ما يسمى بالدولة الإسلامية. فبالرغم من المشاكل العديدة التي يعاني منها #العراق، إلا أنه قد تكون هناك فرصة كبيرة لدفع البلاد نحو التقدم مع هذه الحكومة الائتلافية الجديدة التي تضم الطوائف والفصائل الرئيسية في العراق.

وتشير لوفار إلى وجود تحديات كبيرة تحول دون عودة تنظيم داعش ومعالجة الانقسامات الطائفية وضيم السنّة العرب والمؤسسات الضعيفة. فلا يزال العراق يعاني من البنية التحتية المدمّرة والفساد المستشري وضعف تأثيره الخارجي والقطاع العام المتضخّم والزيادة السكانية المتسارعة. بمعنى آخر، فأن إصلاح العراق قد يستغرق سنوات طويلة إن لم يكن عقوداً. حيث تتشكل الحكومة العراقية الجديدة وسط مطالب كبيرة بالإصلاح إثر فشل رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في الفوز بولاية جديدة، وسط استياء عام ومعارضة رجال الدين الشيعة الذين وقفوا ضدّه.

ومع خروج العبادي، تعتبر هذه المرة الأولى منذ 13 عاماً التي لم يعد فيها العراق بقيادة حزب الدعوة الإسلامي، والذي أخفق في إرضاء توقعات الشعب. وحتى عندما سقطت الموصل بيد تنظيم داعش في حزيران من العام 2014، تم ذلك تحت سمع وبصر رئيس الوزراء نوري المالكي في ذلك الحين.

وبحسب لوفار، فإن رئيس الوزراء مهدي سيخضع في عمله لمواجهة نظام سياسي مختل وشلل مؤسساتي، وهي مشاكل قد تستغرق أجيالاً ليتم تصحيحها. ثم إن كل من مهدي وصالح يواجهان ضغوطاً وقيوداً من مجتمعاتهما الخاصة: فـمهدي، العضو القديم في الطبقة الشيعية الحاكمة، ما يزال يسعى لإكمال أعضاء حكومته وسط ضغوطٍ من الفصائل الشيعية المتنافسة التي قد تفسد جهوده للتقدم والإصلاح. أما صالح، وهو عضو بارز منذ فترة طويلة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان السابق، تم تعيينه بشكل مثير للجدل ضدّ إرادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، أقوى أحزاب كردستان العراق. وعلى الرغم من التحديات الحقيقية التي تواجه العراق، إلا أن هناك مجالات عدة يمكن للعراق الاستفادة منها من أجل السلام والاستقرار، فقد استؤنفت يوم الجمعة الصادرات النفطية من كركوك إلى بغداد وذلك بعد توقفها في تشرين الأول الماضي إثر المواجهة بين أربيل وبغداد على استفتاء الاستقلال الكردي التاريخي. الأمر الذي يمكن أن يفتح المجال لحدوث انعكاسات إيجابية في مختلف أنحاء البلاد. فالسياسة لن تكون سهلة، إلا أن الواقع الاقتصادي يمكن أن يعزز بناء عملية السلام. فحل التوترات يمكن أن يرسل إشارات إيجابية إلى الشعب العراقي المستاء والمحروم من الحقوق الأساسية، كما يمكن أن تساعد على منع عودة داعش. وكل ذلك من شأنه المساعدة في بدء مرحلة إعادة إعمار العراق التي تحتاجها البلاد بشدة.

وتبين لوفار كيف تورّط الأكراد والعرب الخريف الماضي في صراع على منطقة كركرك المتنازع عليها، وكان السبب المباشر للاشتباك هو الاستفتاء على الاستقلال الكردي. الاستفتاء الذي تم رغم المعارضة الشديدة للولايات المتحدة وبغداد ودول جوار العراق، حيث أيّد 94 % من الناخبين الاستقلال. إلا أن بغداد شنّت هجوماً في شهر تشرين الأول بموجب أمر من رئيس الوزراء العبادي حينها، شمل الجيش والميليشيات الشيعية، ضدّ قوات البيشمركة في كركوك. هذه الكارثة القومية لم تعزز الشكوك الكردية نحو بغداد فحسب، بل أدت أيضاً إلى تدهور العلاقات العربية الكردية أيضاً، فلم يكن الأمر سهلاً بالنسبة للعبادي الحليف للولايات المتحدة أن يقدم على استخدام العنف ضد الأكراد حلفاء الولايات المتحدة من أجل تطوير أجندة سياسية.

إنها رسالة تذكير مهمة بأنه يمكن هدم سنوات من العمل على المصالحة وبناء السلام في غضون ساعات أو أيام، فقد كان من الممكن الوصول إلى تسوية سلمية بين أربيل وبغداد بعد الاستفتاء بالأخذ بعين الاعتبار سنوات التضحيات الثلاث من قبل البيشمركة والجيش العراقي، الأمر الذي كان بإمكانه التأسيس لمرحلة جديدة من التعايش السلمي، وهو إقلاع ملحوظ عن ممارسات الإكراه والعقاب السابقة، خاصة تجاه العرب السنة الذين عانوا من قمع بغداد لأكثر من عقد من الزمن، وبالتالي فإن فترة ما بعد الاستفتاء أصبحت اختباراً حاسماً لمعرفة ما إذا كان العراق والولايات المتحدة قد تعلموا درساً هو الأهم: أن الحفاظ على السلام أهم بكثير من الفوز في الحرب. ومع ذلك، ما تزال توجد فرصة جديدة في ظل الحكومة الحالية لتحقيق ذلك وللاستفادة من الدروس المهمة الأخرى.

وتشير المدونة بأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون طرفاً فاعلاً في العراق، فبالتزامها سياسة الصمت يمكن أن تشجع جانباً واحداً. وفي حالة الخلاف بين بغداد وأربيل العام الماضي، عارضت واشنطن الاستفتاء الكردي لكنها مكّنت بغداد من تعبئة القوات ضد البيشمركة. ومع المضي قدماً، تبقى الولايات المتحدة في وضع قوي لاحتواء تداعيات النزاع في العراق وإيجاد بيئة مواتية لبناء السلام. وبالتالي ينبغي على واشنطن أن تنظر إلى تغيير قيادة العراق على أنه فرصة للاستفادة من الدروس السابقة وأن تسعى حقاً نحو الانعطاف إلى مرحلة جديدة. فليس أمام أربيل وبغداد اليوم –نظراً للضرورات الاقتصادية – خيار سوى التعايش مع بعضهما، وبتشجيع من الولايات المتحدة يمكن للطرفين الالتزام بحوار حقيقي يهدف إلى منع تدهور الوضع من جديد.

وتختم لوفار مقالتها بالتأكيد على ضرورة ألا يكرر العراق أخطاء الماضي وأن يشعر بالرضا عندما يبدو وضع ما بعد الصراع هادئاً بشكل وهمي، هذا الرضا الذي يمكّن المرحلة التالية من الصراع. فعلى سبيل المثال، ظهر تنظيم داعش عام 2014 بعد الفشل في الحفاظ على السلام بعد سنوات من العنف الطائفي الدامي بين العرب السنة والشيعة. فلا يمكن تحقيق السلام إلا في حال التمكّن من الحفاظ عليه. وبغض النظر عن تحديات الحكم التي يواجهها العراق، فإنه لا يزال معرّضاً لصراع جديد. فمنذ العام 2003 عانى العراق من صراعات طائفية وإبادة لا حدود لها. ولكن، هل لدى العراق القيادة القادرة على عزل البلاد عن مزيد من الصراعات العنيفة؟ التاريخ السياسي ليس بعظيم، فسياسيو العراق – بمختلف أطيافهم الدينية والعرقية – يتحدثون عن كل ما يجب فعله بشكل صحيح، لكنهم في النهاية يخفقون في الحفاظ على السلام. واليوم لدى الرئيس صالح ورئيس الوزراء مهدي الفرصة لتفادي المصير ذاته، وعليهم رسم طريق للقادة العراقيين في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة