إدلب (الحل) – أنهت هيئة تحرير الشام، وجود أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة، واحدة تلو الأخرى، إما بقتالها أو بإجبارها على حل نفسها أو تهجير عناصرها من مناطق سيطرتهم إلى مناطق أخرى، وتمكنت الهيئة خلال أربع سنوات، من إنهاء قرابة 15 فصيل، على رأسهم (أحرار الشام، جيش الأحرار، نور الدين الزنكي، جبهة ثوار سوريا، حركة حزم، صقور الشام، وجيش الإسلام في الشمال).

وكانت تلك الفصائل، التي تمكنت منها «تحرير الشام»، مدججة بالسلاح الثقيل وآلاف المقاتلين، إلا أنها لم تصمد كثيرا أمام الهيئة، التي تشكل عمادها «جبهة النصرة» سابقاً والتي يقودها أبو محمد الجولاني المصنف على لائحة الإرهاب الدولية.

عميل للأسد؟
وتختلف هيئة تحرير الشام عن بقية الفصائل في كونها أكثر تنظيماً، سواء من الناحية العسكرية أو الإدارية، كما أن لديها «عقيدة قتالية» مغايرة، ويعتبر مقاتلو الهيئة أكثر صلابة من مقاتليّ باقي الفصائل، كونهم يقاتلون انطلاقا من «عقيدة دينية».

وذلك لا ينفي وجود عناصر وقيادات فاسدة لدى تحرير الشام، إلا أن الجولاني عمل على إنشاء فصيل داخل الهيئة، تمكن إدارته بالخطاب الديني القاعدي، وهي قوات يطلق عليها تسمية «قوات النخبة» يتولى قسم منها حراسة الجولاني، إضافة لقوات أخرى يديرها شرعيو الهيئة تسمى «العصائب الحمراء» تعتنق العقيدة القتالية ذاتها.

ويرى القيادي في «حركة أحرار الشام»، الفاروق أبو بكر أن هناك أسباباً عدة وراء انهيار الفصائل أمام الجولاني، على رأسها أن تلك الفصائل لم تعمل على إقناع عناصرها بأن الجولاني هو «عميل للنظام السوري ولمخابرات دولية»، وما تزال إلى اليوم تعتبره فصيلاً مقاتلاً ضد الأسد.

وأضاف القيادي الذي كان مسؤولاً عن ملف التفاوض مع روسيا في حلب، أن تفرّق الفصائل لم يكن السبب الوحيد لسقوطها أمام الجولاني، لأن عناصر الأخير يقاتلون الفصائل على أنهم (فاسدون، مرتدون، وعملاء)، وبالتالي فإن عنصر هيئة تحرير الشام، قد تربى وفق إيديولوجية دينية تكفيرية معينة، ويقاتل الفصائل وفق تلك العقيدة، فيما الفصائل لم تقم على تربية مقاتليها على أن الجولاني وجماعته جماعة «خارجية» عميلة تتحكم بها الدول، أو على أنه أحد أعداء «الثورة» حاله كحال سهيل الحسن وغيره.

ويصف القيادي، الكثير من عناصر الجولاني، بالمرتزقة والمنتفعين، إلا أن القسم الأكبر من عناصره «غلاة تكفيريين» يموتون في سبيل عقيدة تربوا عليها، وينفذ الجولاني بهم، «مخططات وأجندات الدول المعادية للثورة، وأيّ عمل يقوم به هو بكل تأكيد ليس لصالح الثورة»، وفق تعبيره.

وباتت معظم الفصائل في حلب وإدلب تقاتل بتوجيهات الداعم لها، فعلى الرغم من اتحاد أكبر الفصائل ضمن «الجبهة الوطنية للتحرير» إلا أنها لم تقم بقتال هيئة تحرير الشام، كجسم واحد، وإنما بقي كل فصيل ينتظر مصيره، في حين التزمت معظم الفصائل الأخرى بالنقاط المخصصة لها، سواء في جنوب إدلب وشمال حماة؛ أو في مناطق عمليتيّ (درع الفرات، وغصن الزيتون)، وفق المصدر ذاته.

واستغلت هيئة تحرير الشام، الأوضاع لتطبّق سيناريو كانت قد تعرضت له الفصائل المعارضة، خلال المعارك مع النظام في حمص وحلب ودمشق، حيث كانت تلك الفصائل متفرقة وفق أهواء الداعمين لها، وأدى ذلك إلى عدم صمودها أمام النظام وتهجيرها في نهاية المطاف إلى الشمال.

الفساد
وتحدثت مصادر عدة عن عمليات فساد كبيرة تنخر جسد عموم فصائل المعارضة السورية، وخاصة تلك الفصائل التي قاتلت ضد “داعش” و “وحدات حماية الشعب” في شمال حلب.

ويقول مصدر من «فيلق الشام» بتصريح لـ«الحل السوري» فضل عدم الكشف عن اسمه، إن الفيلق كان يدفع رواتب لفصيل معين يضم مئات المقاتلين لمدة من الزمن، وعندما قام ضباط الفيلق بزيارة لمقرات ذلك الفصيل، تبين تسجيل مئات الأسماء بشكل وهمي، حيث قامت إدارة الفيلق بفصل قائد ذلك الفصيل لكن دون محاكمته.

وأوضح المصدر أن مثل هذه الحالة يمكن تعميمها على جميع فصائل المعارضة، إذ هناك آلاف المقاتلين الوهميين مسجلين في قوائم «الجيش الحر»، إضافة إلى أن الكثير من العناصر ينتسبون فقط من أجل الحصول على مرتبات، وعند المعارك سواء أكانت ضد النظام؛ أم ضد الهيئة، يختفون.

وتحدثت مصادر أخرى عن فصائل من المعارضة انضوت ضمن «الجيش السوري الحر» في عمليتيّ (درع الفرات، وغصن الزيتون) ولم تشارك في المعارك بشكل حقيقي، وباتت «حجراً يجثم على صدور المدنيين»، وعملت تلك الفصائل على مصادرة أملاك وسرقة منازل ومحلات ومحاصيل زراعية، فضلا عن الاعتداء على مدنيين دون حسيب؛ أو رقيب.

ولم تختلف منطقة ريف حلب الغربي عن شمال حلب، حيث عمَّ الفساد صفوف الفصائل، وبات همها جمع المال من الحواجز على الطرقات، وعند تقدم هيئة تحرير الشام، فرّت تلك العناصر من نقاطها دون قتال.

وأكدت مصادر متقاطعة من حلب وإدلب، أن قرية «بابسقا» التي تقع على جبل باريشا المطلّ على معبر باب الهوى، كانت تضم مقرات «أشبه بالقصور العامرة»، ولم تكلف السيطرة عليها، هيئة تحرير الشام، سوى إرسال عشرة عناصر فقط؛ تمكنوا من بسط سيطرتهم على مقرات «حركة أحرار الشام»، المدججة بالأسلحة الثقيلة، بعد فرار عناصرها من القرية بحجة عدم الرغبة بإراقة الدماء.

مهما يكن؛ ما يجب قوله إن فصائل المعارضة أخطأت حين تحالفت في أوائل 2015، مع جبهة النصرة وشكلت «جيش الفتح»، وما تدفعه المعارضة حالياً نتيجة طبيعية لمواقفها السابقة، لعدم اتخاذها موقف صريح من «النصرة» المدرجة على قائمة الإرهاب في مجلس الأمن، والتي فتكت بالفصائل تحت اسم هيئة تحرير الشام عسكرياً؛ وحكومة الإنقاذ حكومياً وسيطرة كاملة على القرارات والموارد.

إعداد: جلال بكور – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.